عارفاً بحقه 

الجزء الثاني : 

قلنا أن لزيارة الأئمة عليهم السلام مثوبات عظيمة إلا أنها تتقيد بمعرفة حقهم عليهم السلام ما يدل على أن الملاك و الميزان في ترتب تلك البركات و الآثار هو عرفان حقهم لا مجرد الذهاب الجسماني إلى أضرحتهم – و إن كان لذلك أيضاً آثار و بركات معنوية في روح الإنسان كما أنه لا يخلو من الثواب و نيل درجات القرب إلى الله تعالى إلا أن الأثر التام و الكامل و ذلك الثواب العظيم الموعود في الروايات إنما يترتب على الزيارة بقيد المعرفة فللزيارة بركاتها و للمعرفة آثارها مضافاً إلى كونها متممة لبركات نفس الزيارة  – .. 

و قلنا أن البحث يتطلب التطرق لعدة محاور و هي : 

 الأول : الروايات الدالة على فضل زيارتهم مع عرفان حقهم عليهم السلام و الثاني البركات المترتبة على هذه الزيارة : 

قبل ذكر تلك الروايات نشير إلى بعض الروايات التي تُرَتِّبُ الثواب على زيارة غير الأئمة عليهم السلام و لكن تقيده بكونها مع عرفان الحق أيضاً ،  فقد ورد بشأن زيارة المؤمن عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)(أنهما) قالا : أيما مؤمن خرج إلى أخيه يزوره عارفا بحقه كتب الله له بكل خطوة حسنة ومحيت عنه سيئة ورفعت له درجة وإذ طرق الباب فتحت له أبواب السماء فإذا التقيا وتصافحا وتعانقا أقبل الله عليهما بوجهه ، ثم باهى بهما الملائكة ، فيقول : انظروا إلى عبدَيّ تزاورا وتحابا فيّ ، حق عليّ ألا أعذبهما بالنار بعد هذا الموقف ، فإذا انصرف شيّعه الملائكة عدد نَفَسِهِ و خطاه و كلامه ، يحفظونه من بلاء الدنيا و بوائق الآخرة إلى مثل تلك الليلة من قابل فإن مات فيما بينهما أعفي من الحساب وإن كان ( المزور)  يعرف من حق الزائر ما عرفه الزائر من حق المزور كان له مثل أجره .  الكافي ج ٢ ص ١٨٣ و ١٨٤ باب المعانقة ح ١ 

و من المعلوم أن من أهداف أمثال هذه الرواية الحث على الحفاظ على الوحدة و الأخوّة الإيمانية و المحبة بين المؤمنين و التي تفتح أبواب الرحمة على العباد مضافاً إلى بركاتها الإجتماعية التي لا تخفى على أحد ، و أما عرفان حقه فقد قال العلامة المجلسي قدس سره الشريف في بيانه : ” و كأن المراد بعرفان حقه أن يعلم فضله ، و أن له حق الزيارة ، و الرعاية و الاكرام فيرجع إلى أنه زاره لذلك ، و أن الله جعل له حقا عليه ، لا للأغراض الدنيوية “  بحار الأنوار ج ٧٣ ص ٣٤  . فهذا الحق یختلف عن الحق الذي يجب معرفته بالنسبة للأئمة عليهم السلام كما سيأتي بيانه في محله بعونه جل و علا .. 

و هناك روايات متعددة تدل على أن من زار السيدة فاطمة المعصومة بنت الإمام الكاظم عليهما السلام عارفاً بحقها استحق الجنة أو وجبت له الجنة فعن سعد( الأشعري القمي) عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال : يا سعد عندكم لنا قبر ،  قلت : جعلت فداك ، قبر فاطمة بنت موسى ؟ قال: نعم من زارها فله الجنة ..  و بمضمونها روايات متعددة ، و في بعضها وجبت له الجنة – راجع بحار الأنوار ج ٩٩ ص ٢٦٥ و ٢٦٦ باب زيارة فاطمة بنت موسى عليهما السلام –  

و الحديث عن مقامات السيدة الجليلة فاطمة المعصومة عليها السلام يتطلب مجالاً آخر قد نوفَّق له في المستقبل في مقال مستقل ، و لكن ما يمكن أن يقال في هذه العجالة هو أن لها كمالات روحانية عظيمة جعلتها من وسائط الفيض الرباني في العلم و المعرفة و الشفاعة للنجاة من النار  و في الفوز بالجنة و في درجاتها  و .. و لأجل ذلك و أمثاله صح أن يقول الإمام الكاظم عليه السلام في شأنها ” فداها أبوها ،  فداها أبوها ،  فداها أبوها ” و يقول الإمام الرضا عليه السلام : ” من زارها كمن زارني ” حيث جعل عليه السلام زيارتها بمنزلة زيارته و قد يكون ذلك من حيث الثواب الأخروي و قد يكون من حيث ترتب البركات المادية و المعنوية على الزيارة في الدنيا  و قد يكون من الجهتين كلتيهما و ..  

و بطبيعة الحال هذا الحق الذي يتوقف ترتب استحقاق الجنة بزيارتها على معرفته أيضاً يختلف عن حق الإمامة و الولاية الذي سنشير إليه لاحقاً بعون الله تعالى … 

و أما الروايات التي تؤكد على زيارة الأئمة عليهم السلام بالمعرفة فسنتطرق لها في الجزء التالي إن شاء الله تعالى ..