عارفاً بحقه 

    الجزء الثالث : 

قبل سرد الأحاديث المتعلقة بزيارتهم بالمعرفة و ذكر تعليقات مختصرة عليها تجدر الإشارة إلى أن المعرفة أساس الدين و من أهم أهداف التكوين و التشريع ،  و قد يكون متعلَّقها هو الله تعالى و أسماءه الحسنى و صفاته العليا و قد يكون متعلَّقها الأنبياء و الأولياء و الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين ،  و هذا الأخير هو محط كلامنا و ما نريد الإشارة إليه في هذا المكتوب و قد تطرقت الروايات لهذه المعرفة بألسنة مختلفة  و أكدت على الولاية بعبارات متنوعة من قبيل أنه ما نودي أحد بمثل ما نودي بالولاية ..  إلا أننا نريد الإشارة إلى ما ورد بشأن زيارتهم المقترنة بمعرفة حقهم عليهم السلام فنقول : 

قد أشرنا فيما سبق أن الروايات الواردة بهذا اللسان – و بحسب تتبعي الناقص – متعلقة بزيارة أمير المؤمنين و الإمام الحسين و الإمام الرضا عليهم السلام ، إلا أنه يمكن تعميم الحكم لجميع الأئمة المعصومين و سيدتنا الغراء فاطمة الزهراء عليهم جميعاً سلام الله الملك المنان ،  و ذلك لوجود ملاك ترتب تلك الآثار و البركات فيهم أيضاً و إن كانت درجاتها متفاوتة بحسب  تفاوت ظروف كل معصوم و ما قدمه للدين بحسب تلك الظروف ..  هذا مضافاً إلى ورود روايات كثيرة في فضل زيارتهم و أن زيارة كل واحد منهم كزيارة رسول الله صلى الله عليه وآله كما في رواية ،  أو أن زيارة الإمام الكاظم عليه كزيارة رسول الله و أمير المؤمنين عليهما و آلهما آلاف التحية و الثناء إلا أن لرسول الله و لأمير المؤمنين صلوات الله عليهما فضلهما كما في رواية أخرى  أو أنها كزيارة الحسين عليه السلام و .. ، و كل ذلك يدل على ما أشرنا إليه لأنه  إذا كانت زيارة أحد الأئمة عليهم السلام كزيارة رسول الله أو زيارة أمير المؤمنين أو الإمام الحسين عليهم السلام  كان معناه أن لزيارة سائر الأئمة عليهم السلام ما لزيارتهم عليهم السلام من الآثار و البركات  والمثوبات المشار إليها في الروايات التالية : 

أمير المؤمنين عليه السلام : 

ورد في بعض الروايات أن علياً عليه السلام أفضل من جميع الأئمة عليهم السلام ،  و  فيما يتعلق بزيارته مع المعرفة بحقه  قد ورد في تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي قدس سره القدوسي ج ٦ ص ٢١ باب فضل زيارته عليه السلام : يقول الراوي  : ” كنت عند جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) وقد ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال ابن مارد لأبي عبد الله (عليه السلام): ما لمن زار جدك أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ فقال: يا بن مارد من زار جدي عارفا بحقه كتب الله له بكل خطوة حجة مقبولة وعمرة مبرورة ، والله يا بن مارد ما يطعم الله النار  قدما اغبرت في زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) ماشيا كان أو راكبا، يا بن مارد اكتب هذا الحديث بماء الذهب. ” و هناك الكثير من الروايات في فضل زيارته عليه السلام و يمكنكم مراجعتها في المصدر المذكور و سائر الجوامع الروائية … 

الإمام الحسين عليه السلام  :

و الروايات في فضل زيارته كثيرة جداً و إليكم بعضها : 

*  عن بشير الدهان قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : ربما فاتني الحج فاعرّف عند قبر الحسين (عليه السلام)؟ فقال : أحسنت يا بشير أيما مؤمن أتى قبر الحسين (عليه السلام) عارفا بحقه في غير يوم عيد كتب الله له عشرين حجة وعشرين عمرة مبرورات مقبولات وعشرين حجة وعمرة مع نبي مرسل أو إمام عدل ومن أتاه في يوم عيد كتب الله له مائة حجة ومائة عمرة ومائة غزوة مع نبي مرسل أو إمام عدل، قال: قلت له: كيف لي بمثل الموقف؟ قال : فنظر إلي شبه المغضب ثم قال لي : يا بشير إن المؤمن إذا أتى قبر الحسين (عليه السلام) يوم عرفة واغتسل من الفرات ثم توجه إليه كتب الله له بكل خطوة حجة بمناسكها – ولا أعلمه إلا قال : و غزوة – . الکافي ج ٤ ص ٥٨٠ باب فضل زيارة أبي عبد الله الحسين عليه السلام الحديث ١ 

*  عن هارون بن خارجة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول :

وكل الله بقبر الحسين (عليه السلام) أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة فمن زاره عارفا بحقه شيعوه حتى يبلغوه مأمنه وإن مرض عادوه غدوة وعشية وإن مات شهدوا جنازته واستغفروا له إلى يوم القيامة . المصدر ص ٥٨١ الحديث ٦ 

 *  عن محمد بن أبي عمير عن زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من زار قبر أبي عبد الله (عليه السلام) يوم عاشوراء عارفا بحقه كان كمن زار الله تعالى في عرشه. ” تهذيب الأحكام ج ٦ ص ٥١ باب فضل زيارته عليه السلام الحديث ٣٥ 

أقول : ورد نظير ذلك في زيارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و زيارة الإمام الرضا و المبيت عنده عليه السلام أيضاً ،  و بما أن القلب حرم الله و قد ورد النهي عن إسكان غيره تعالى فيه – فعن الصادق عليه السلام : القلب حرم الله فلا تُسْکِن حرمَ الله غيرَ الله – و كذلك ورد أن قلب المؤمن عرش الرحمن ، و من جهة أخرى من المعلوم أن الزيارة ليست مجرد المجيء عند القبر الشريف بل هي ارتباط روحاني بالمعصوم عليه السلام و اتصال لقلب الزائر بقلب المؤمن الحقيقي البالغ عليا درجات الإيمان و الذي هو – أي قلب هذا الإنسان الكامل – المظهر  الأتم و المجلى الأكمل لأسماء الله تعالى و صفاته العليا و هو العرش الأعظم له جل و علا و المحل الأصفى لمعرفة  الرب الأكرم و .. – بهذه الاعتبارات و غيرها – تكون زيارته عليه السلام زيارةً لله تعالى في عرشه الذي هو قلب المؤمن و الإمام المعصوم أكمل مصاديق المؤمن على الإطلاق ، و لهذه الزيارة – زيارة الله في عرشه –  من الآثار و البركات العظيمة ما لا يتمكن أمثال هذا العبد القاصر المقصر  من إدراكها فضلاً عن بيانها ،  فإن زيارة الله تعالى في عرشه توجب معرفته بقدر ارتباط الزائر بقلب المعصوم و اتصاله الروحاني بروحه صلوات الله عليه الموجب لفيضان الفيوضات الربانية بواسطة المظهر الأتم لأسماء الله الحسنى و صفاته العليا فيحصل له بذلك القرب العبودي إلى المعبود الكريم الذي هو الهدف الأعلى من التكوين و التشريع  .. 

و للبحث تتمة سيأتي في الجزء التالي إن شاء الله تعالى