عارفاً بحقه
الجزء الرابع :
الإمام الرضا عليه السلام :
سبق أن قلنا أن الروايات التي تذكر زيارة الإمام عليه السلام بمعرفة حقه و تُرَتِّبُ الثواب العظيم عليها وردت بشأن بعض الأئمة عليهم السلام و من جملتهم الإمام الرضا عليه السلام ففي تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي قدس سره الشريف ج ٦ ص ٨٥ باب فضل زيارته عليه السلام الحديث ٤ عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : قرأت كتاب أبي الحسن الرضا (عليه السلام) بخطه : أبلغ شيعتي ان زيارتي تعدل عند الله الف حجة والف عمرة متقبلة كلها ، قال : قلت لأبي جعفر الف حجة؟ قال: إي و الله و الف الف حجة لمن يزوره عارفا بحقه . و في عيون أخبار الرضا عليه السلام باب ٦٦ الحديث ٣ : .. عن الحسين بن زيد قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام يقول : يخرج رجل من ولد ابني موسى اسمه اسم أمير المؤمنين عليه السلام إلى أرض طوس و هي بخراسان يقتل فيها بالسم فيدفن فيها غريبا من زاره عارفا بحقه أعطاه الله عز و جل أجر من أنفق من قبل الفتح و قاتل . أقول : ذيل الرواية إشارة إلى قوله : “تعالى وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ” سورة الحديد الآية ١٠ .. و في الحديث ٧ من المصدر السابق عن عبد العظيم الحسني عن أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام قال : ضمنت لمن زار أبي عليه السلام بطوس عارفاً بحقه الجنة على الله تعالى ” …
هذا إجمال الكلام في المحور الأول و الثاني و هما سرد الروايات التي تذكر فضل زيارة أهل البيت مع معرفة حقهم عليهم السلام و بيان الآثار و البركات و المثوبات المترتبة عليها .. و هنا يأتي دور المحور الثالث و هو بيان معنى معرفة الحق فنقول :
الثالث – معنى عرفان الحق و أسسه :
معرفة الإمام عليه السلام بإسمه الشريف أمر ضروري للصغار كي يتعرفوا على الأئمة عليهم السلام مقدمة للمراحل التالية للمعرفة ، كما أن المعرفة الإسمية ضرورية لأجل أن لا يشتبه الأمر على أحد فيتولى غير الإمام بتصور أنه هو ، إلا أن هذه المعرفة مع لزومها غير كافية و ليست تلك المعرفة التي تترتب عليها تلك الآثار العظيمة فيلزم الصعود إلى المرحلة التالية وهي معرفة صفاتهم و كمالاتهم الروحانية و فضائلهم العلمية و الأخلاقية و عصمتهم في العلم و العمل و المعرفة و إمامتهم الربانية المجعولة من قِبَل الله جل و علا و أنها ليست انتخابية و .. و من المعلوم أن نتيجة المعرفة بعلم الإمام و عصمته و فضائله و أنه منصوب من قبل الله تعالى و … هي معرفة ضرورة طاعتهم صلوات الله عليهم فإننا نبحث عن الكمال و السعادة و الإمام هو من يهدي إليهما بإذن الله تعالى كما قال تعالى
: ” وَجعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ” السجدة ٢٤ و قال عز من قائل : “وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا “ الأنبياء ٧٣ فالإمام يهدي إلى الكمال و السعادة و هو يعلم بطرقهما و معصوم في علمه كما أنه معصوم في عمله لا يريد لنا إلا الخير و السعادة فيلزم طاعته فيما يأمر و ينهى كي تتحقق السعادة في الدارين و الكمال بالقرب العبودي من رب العالمين سبحانه و تعالى ، فلازم معرفة الإمام عليه السلام طاعته ، هذا مضافاً إلى أن الله تعالى قد أمرنا بطاعة أولي الأمر الذين هم الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين فقد حدّد الأولياء في آية الولاية – إنما وليكم الله و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤمن الزكاة و هم راكعون – و أمر بطاعتهم في قوله تعالى : ” أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم .. ” .
و لكي يتبين لنا معنى المعرفة و أسسها نذكر رواية عن الإمام الصادق عليه السلام يبين لنا فيها المقصود من معرفة حق الإمام عليه صلوات الله الملك المنان – و إن كانت الرواية مشتملة على بعض الأمور التي قد تكون مختصة بالإمام الرضا عليه السلام إلا أن بعضها الآخر عام لجميع الأئمة عليهم السلام – ففي أمالي الشيخ الصدوق قدس سره الشريف ص ١٨٣ باب فضل زيارة الرضا عليه السلام و الوافي للفيض الكاشاني قدس سره الشريف ج١٤ ص ١٥٤٩ نقلاً عن من لا يحضره الفقيه و مصادر أخرى : عن حمزة بن حمران ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : يقتل حفدتي بأرض خراسان في مدينة يقال لها طوس ، من زاره إليها عارفا بحقه أخذته بيدي يوم القيامة وأدخلته الجنة ، و إن كان من أهل الكبائر ، قلت : جعلت فداك ، و ما عرفان حقه ؟ قال : يعلم أنه إمام مفترض الطاعة ، غريب شهيد ، من زاره عارفا بحقه أعطاه الله عز و جل أجر سبعين شهيدا ممن استشهد بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) على حقيقة .
فقد ذكر الإمام الصادق عليه السلام أربعة أسس لعرفان حق الإمام الرضا عليه السلام سنبينها مختصراً في الجزء التالي إن شاء الله تعالى ..