عارفاً بحقه 

الجزء الخامس : 

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

قلنا أن لحق الإمام عليه السلام الذي يلزم معرفته لتترتب على زيارته تلك الآثار و البركات العظيمة ،  أسساً أربعة : الإمامة ، و كونه مفترض الطاعة ، و الغربة  و الشهادة ،  و إليكم توضيح ذلك باختصار فأقول متوكلاً على الله عز و جل : 

الغربة : 

   من خصوصيات الإمام الرضا عليه السلام هي الغربة – و إن أمكن تطبيقها على سائر المعصومين عليهم السلام أيضاً بأن نفسرها بالغربة المعرفية بين الأصحاب و المسلمين الذين يعرفونهم و لا يعرفون حقهم بل و يظلمونهم بسلب حقوقهم و إبعادهم عن الخلافة الفعلية التي جعلها الله تعالى لهم ليقوموا بمهمة هداية الخلق إلى السعادة و الكمال و ..    و هي من جملة أسباب التأكيد الكثير على زيارته عليه السلام لا سيما في العصور المتقدمة التي كان من الصعب جداً تحمل أعباء السفر إلى خراسان لأجل الزيارة فقط – مضافاً إلى شبهات و شكوك المشككين بشأن إمامته عليه السلام – فهو محتاج إلى قوة الإيمان بالولاية و الإمامة ،  و لذا نجد أن بعض الروايات تدل على أن ثواب زيارة الإمام الرضا عليه السلام أكثر من ثواب زيارة أبي عبد الله الحسين عليه السلام ففي كامل الزيارات لابن قولويه رضوان الله تعالى عليه ص ٥١٠ ب ثواب زيارة أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام الحديث ١١  : عن علي بن مهزیار قال قلت لأبي جعفر عليه السلام : جعلت فداك زيارة الرضا عليه السلام أفضل أم زيارة أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام ؟  فقال : زيارة أبي أفضل ،  و ذاك أن أبا عبد الله عليه السلام يزوره كل الناس و أبي لا يزوره إلا الخواص من الشيعة ” فخواص الشيعة الذين قد ترسخت فيهم العقيدة بالإمامة عموماً و بإمامة الرضا عليه السلام خصوصاً هم من يزورونه و يتحملون أعباء ذلك السفر الشاق لزيارته عليه السلام ، و لولا ذلك الإيمان الراسخ لما تحملوا تلك الصعاب و المشقة الشديدة كما لم يتحملها سائر الناس . . . 

  الشهادة : 

من جملة تلك الأسس هي الشهادة ،  و هي صادقة بشأن جميع الأئمة عليهم السلام ،  و الشهادة قد تكون بمعنى القتل و الإستشهاد في سبيل الله تعالى و قد تكون بمعنى كون الإمام عليه السلام ممن شهد و يشهد الأعمال …

     أما الشهادة بمعنى القتل في سبيل الله تعالى فهي ثابتة لجميع الأئمة المعصومين عليهم السلام – و سيأتي ثبوت المعنى الثاني أيضاً لجميعهم عليهم السلام – فقد ورد في كفاية الأثر للخزاز القمي ص ١٦٢ أنه لما قُتل أمير المؤمنين عليه السلام رقى الإمام الحسن عليه السلام ( المنبر)  و قال فيما قال :  ..  و لقد حدثني جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من أهل بيته و صفوته ، ما منا إلا مقتول أو مسموم ” و روى الشيخ الصدوق قدس سره الشريف في أماليه بسند معتبر عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال : “  و الله ما منا إلا مقتول شهيد ،  فقيل من يقتلك يا بن رسول الله ؟ قال : شر خلق الله في زماني،  يقتلني بالسم … إلخ – الأمالي للشيخ الصدوق ص ١٢٠ ب فضل زيارة الرضا عليه السلام الحديث ٨  . 

و قد يكون من أسباب جعل شهادة الإمام الرضا عليه السلام من أسس معرفة الحق الموجبة لتلك الدرجات و المثوبات العظيمة – مضافاً إلى عظمة مقام الشهيد عند الله تعالى في حدّ ذاته لا سيما إذا كان الشهيد إماماً منصوباً من قبل الله جل و علا لهداية الناس بل جميع المكلفين – هو  صعوبة التصديق بشهادته و قتله عليه السلام من قِبَلِ المأمون العباسي حيث أن الإمام الرضا عليه السلام كان في قصر المأمون معزَّزاً مكرَّماً بحسب الظاهر فيستبعد البعض من سُذّج الناس أن يُقدم المأمون على قتله صلوات الله عليه ،  فالتصديق بشهادته عليه السلام يتطلب أن يكون الإنسان ذا بصيرة يتمكن بها من تحليل المسألة و معرفة هدف المأمون العباسي من استقدام الإمام الرضا عليه السلام من المدينة المنورة إلى خراسان ، و أنه لما رأى عدم تحقق أهدافه بل وجد أن استقدامه عليه السلام أدى إلى نقض غرضه و أنه لو استمر الأمر بهذه الحال لتحولت الأمور و انقلب الناس عليه و على الحكم العباسي و لآمن الناس بضرورة وضع زمام أمر الخلافة بيد أهل البيت و الإمام الرضا عليه و عليهم السلام ، فبدلاً من أن يصبح استقدام الإمام وسيلة و سبباً لتقوية الدولة العباسية و التفاف الناس حول بني العباسي و على وجه الخصوص المأمون ، قد أصبح وسيلة و سبباً لابتعادهم عنهم و إيمانهم بأن الخلافة حق خاص بالأئمة المعصومين عليهم السلام عموماً و الإمام الرضا عليه آلاف التحية و الثناء خصوصاً ..  و هذا ما أدى إلى إقدام المأمون العباسي على قتله عليه السلام ،  فإذا قلنا أن الشهادة بمعنى القتل فسيكون هذا التحليل من المعرفة بحق الإمام الرضا عليه السلام حيث نعرف بذلك أنه : 

 ١ – لم يكن الإمام الرضا عليه السلام في خراسان في أمن و رغد من العيش و رفاهية و رخاء يستمتع فيها بمواهب الحياة المادية .. 

 

٢ – و لم يكن سنداً للدولةالعباسية بشكل عام و حكم المأمون العباسي بشكل خاص ..  بل :

  

    ١ – قد اضطر الإمام عليه السلام على الذهاب إلى خراسان بإحضار المأمون له عليه السلام ظلماً و جوراً و إجباراً ..

 ٢ – و لم يقبل الخلافة التي اقترحها عليه المأمون كيداً به ،  كما لم يقبل ولاية العهد إلا بعد الوعيد و التهديد بالقتل فقبله بشروط تجعله سلام الله عليه خارج دائرة الحكم بحسب الواقع ..  

٣ – و وقف أمام الحكم العباسي بنحو ظريف و فضحهم و بيّن للجميع بکلماته و مناظراته و .. أن الخلافة الإسلامية ليست من حق بني العباس و أن أهل البيت عليهم السلام هم الأحق بها و أهلها دون من سواهم و .. 

و هذه الأمور من جملة ما أدى إلى أخذ قرار قتله عليه السلام من قبل المأمون …

و أما الشهادة بمعنى كونهم عليهم السلام شهداء الأعمال فيأتي بيانها في الجزء التالي إن شاء الله تعالى ..