عارفاً بحقه :

        الجزء الثامن :

         بسم الله الرحمن الرحيم

 الإمامة : 

قلنا أن من جملة أسس و  مقوِّمات المعرفة بحق الأئمة عليهم السلام هي المعرفة بإمامتهم عليهم السلام و هي أول ما أشار إليه الإمام الصادق عليه السلام في بيان معنى عرفان حق الإمام الرضا عليه السلام ،  و هي الأساس المهم من بين الأسس المشار إليها في تلك الرواية و ذلك لأجل أن الإمامة تستلزم سائر الأسس بمعنى أنه إذا كان شخص إماماً من قِبَل الله تعالى فإمامته تستلزم الشهادة بمعنى كون الإمام شاهد الأعمال على أقل تقدير ، كما تستلزم الغربة بالمعنى الأول الذي أشرنا إليه في الأجزاء السابقة من أن الإمام و إن كان حاضراً في وطنه و بين أهله و أهل بلده إلا أن الناس لا يعرفونه حق معرفته و لا يتمكنون من عرفان قدره و منزلته فلا يجعلونه في محله الذي وضعه الله تعالى فيه و لا يستفيدون منه بل و يظلمونه  بسلب حقوقه و إبعاده عن الخلافة الفعلية التي جعلها الله تعالى له ليقوم بمهمة هداية الخلق إلى السعادة و الكمال و ..  ،  و كذلك تستلزم الطاعة التي هي أيضاً من جملة أسس عرفان حقهم و سنشير إليها لاحقاً بعون الله جل و علا  ..  و قد يكون هذا – أي استلزام الإمامة لسائر أسس عرفان الحق بل لكثير من فضائل و كمالات الإمام  – هو السبب أو من جملة أسباب ذكرها أولاً و قبل سائر الأسس في الرواية التي نقلناها عن الإمام الصادق عليه و التأكيد عليها و على الطاعة قبل مسألة الغربة و الشهادة ، أو من دون ذكر الغربة و الشهادة كما في غيرها من الروايات كالحديث الذي رواه الشيخ الطوسي قدس سره الشريف في التهذيب ج ٦ باب من الزيادات ( الباب ٥٢)  الحديث ٧ : .. عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : كنت عند أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فدخل رجل من أهل طوس فقال : يا بن رسول الله ما لمن زار قبر أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) ؟ فقال له : يا طوسي من زار قبر أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) و هو يعلم أنه امام من قبل الله عز و جل مفترض الطاعة على العباد غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر و قبل شفاعته في خمسين مذنبا و لم يسأل الله عز و جل حاجة عند قبره إلا قضاها له ، قال : فدخل موسى بن جعفر (عليه السلام) و هو صبي فأجلسه على فخذه و أقبل يقبل ما بين عينيه ثم التفت إلي و قال : يا طوسي انه الامام و الخليفة والحجة بعدي سيخرج من صلبه رجل يكون رضا لله عز وجل في سمائه ولعباده في ارضه ، يقتل في أرضكم بالسم ظلما و عدوانا و يدفن بها غريباً ، ألا فمن زاره في غربته و هو يعلم أنه إمام بعد أبيه مفترض الطاعة من الله عز و جل كان كمن زار رسول الله (صلى الله عليه و آله) . 

فالتأكيد على مسألة الإمامة و من ثم الطاعة ، يدل على أنها الأهم من بين تلك الأسس فيلزم معرفة معنى الإمامة الإلهية ، و الإشارة إلى بعض لوازمها و صفات الإمام و ..  ليتحقق عرفان الحق المترتبة عليه تلك الآثار و البركات و المثوبات العظيمة فنقول باختصار  مستعينين بالله العظيم جل جلاله :

 

   الإمامة منصب إلهي للكُمّل من خلقه تعالى من أجل هداية المكلفين إلى السعادة و الكمال الذي من أجله خُلقوا و لنیله شُرِّعت الشرائع الإلهية – مضافاً إلى جانب إدارة شؤون المجتمع في أمر معاشهم و حياتهم الدنيوية – فالإمام هو الذي يؤمّ الناس نحو الكمال فيلزم أن يكون هو كاملاً يتصف بصفات الكمال التي توجب استحقاق هذا المنصب أولاً – لأن غير الكامل غير قادر على إكمال  غيره – و أن يكون قادراً على الهداية نحو ذلك الكمال ثانياً ، و تلك الصفات متعددة و من أهمها كمال العلم و العصمة فيه و في العمل : في العلم كي لا يسهو و لا يخطأ و لا ينسى فلا يقوم بإراءة طريق غير موصل إلى الكمال المطلوب الذي هو غاية التكوين و التشريع أو طريق موجب للإنحطاط و الضلال و الشقاء بدلاً من الوصول إلى السعادة و الكمال … ،  و في العمل كي لا تتغلب عليه القوى الشهوية و الغضبية فلا يقوم بإضلال العباد و لا يخدعهم بإراءة غير الموصل إلى السعادة و الكمال أو الموصل إلى الشقاء و الضلال ،  فالمعصوم علماً و عملاً لا يخطأ و لا ينسى في إراءة الطريق الصحيح الموصل و لا يخدع المأمومين بإراءة غير الموصل أو إراءة الموصل إلى الشقاء و الضلال على أنه الموصل إلى السعادة و الكمال – و طبعاً هذا جانب من جوانب عصمة الإمام في العلم و العمل و المعرفة و إنما أشرنا إليه لمعرفة كون الإمام هادياً إلهياً إلى الكمال و لم نقصد بيان جميع جوانب الإمامة  – و إذا كان الإمام هو الهادي المعصوم إلى الكمال و كانت الهداية المعصومة مأخوذة في إمامته لزم أن يكون بيده زمام أمور المجتمع كي يتمكن من إعمال هذه الإمامة من أجل إكمال الأمة – و أدلة ولايته على الأمة و إمامته السياسية و الإجتماعية كثيرة مذكورة في محلها كما أن حكمة ضرورة تلبسه بلباس الإمامة و الزعامة السياسية و الإجتماعية واضحة فإن من لا تكون الزعامة المذكورة بيده لا يتمكن من القيام بمهمة الهداية و إيصال العباد إلى الكمال و سعادة الدنيا و الآخرة و إذا أراد القيام بشيء يعارض ساسية الحكم منعه الحاكم بل قد يقوم بحبسه و قتله كما فعلوا ذلك بأئمتنا عليهم السلام … –  و لهذا نقول أن القدرة على القيام بالمهام ببسط اليد – مضافاً إلى القدرة الذاتية على تدبير الأمور – أيضاً من جملة مقومات الإمامة فتكون القيادة السياسية و الإجتماعية من شؤون الإمامة الإلهية و ليست تفسيراً لتمام ما للإمامة من معنى و لا مصداقاً وحيداً لما يلتبس به الإمام عليه السلام من مناصب و مقامات أو يتصف به من صفات الكمال بل الإمام خليفة الله و خليفة على الناس ، و خليفة الله هو الإنسان الكامل الذي يكون مظهراً لأسماء الله الحسنى و صفاته العليا البالغ مقام القرب إلى الله جل و علا .. و الخليفة على الناس هو حجة الله عليهم من جهة و المُمْسِكُ بزمام أمورهم و السائس لشؤونهم من جهة أخرى و هذ ما أشارت إليه بعض الروايات و الزيارات  ففي رواية عن الإمام الرضا عليه السلام يقول فيها – بعد أن بيّن أن الله تعالى أكمل الدين بالإمام و استدل بالقرآن على إبطال إمامة كل ظالم و ….  – : إن الإمامة هي منزلة الأنبياء ، و إرث الأوصياء ، إن الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول صلى الله عليه وآله ومقام أمير المؤمنين عليه السلام وميراث الحسن والحسين عليهما السلام إن الإمامة زمام الدين ، و نظام المسلمين ، و صلاح الدنيا و عز المؤمنين ، إن الإمامة أس الاسلام النامي ، و فرعه السامي ، بالامام تمام الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج و الجهاد ، و توفير الفئ و الصدقات ، و إمضاء الحدود و الأحكام ، و منع الثغور و الأطراف . الامام يحل حلال الله ، و يحرم حرام الله ، و يقيم حدود الله ، و يذب عن دين الله ، و يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة ، و الموعظة الحسنة ، و الحجة البالغة …  الامام أمين الله في خلقه ، و حجته على عباده و خليفته في بلاده ، و الداعي إلى الله ، و الذاب عن حرم الله . الامام المطهر من الذنوب و المبرأ عن العيوب ، المخصوص بالعلم ، المرسوم بالحلم ، نظام الدين ، و عز المسلمين و غيظ المنافقين ، و بوار الكافرين … الكافي ج ١ ص  ٢٠٠ .. 

فمعرفة الإمام الموجبة لتلك البركات هي معرفة الإمامة و شروطها مضافاً إلى معرفة الإمام و صفاته و كمالاته التي أشار الإمام الرضا عليه السلام في هذه الرواية إلى بعض جوانبها ،  و هناك روايات كثيرة حول كونهم عليهم السلام حجج الله على خلقه و خلفاؤه على عباده و ولاة أمره و خزنة علمه و هداة بريته و أبوابه التي منها يؤتى و هم نور الله الذي يهتدي به المهتدون و هم أركان الأرض و ساسة العباد و … و هذا ما يوجب ترتب عظائم البركات و المثوبات على زيارتهم صلوات الله عليهم ..  و المعرفة بهذه المراتب العظيمة و المقامات المعنوية يؤدي إلى حكم العقل قبل الشرع بطاعتهم كما سنشير إليه في بيان هذا الجانب من أسس المعرفة في الجزء التالي إن شاء الله تعالى  ..