المستفسر المحترم : 

 ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾

 شيخنا هذي الآيه أليست صريحا  تدعوا لأخذ الدين من الآيات القرآنية المحكمة

—-     —-     —-     —-    —-    —-    —-

نعم يلزم أخذ الدين من المحكمات و لكن يلزم معرفة معنى المحكمات و المتشابهات ، فالمتشابه ما اشتبه علمه على جاهله فإذا لم يشتبه علمه على شخص فليس من المتشابهات لذلك الشخص و لهذا نقول أن المتشابهات نسبية فمن الممكن أن لا يكون في القرآن متشابه أصلاً لشخص كالنبي و أهل البيت عليهم السلام و قد تكون عشر آيات متشابهة لأحد كبار المفسرين و قد تكون هناك خمسون آية متشابهة لمتوسط في العلم و قد يكون هناك شخص عامي لا يفهم من القرآن إلا مأة آية فتكون الآيات الأخرى جميعها متشابهة له .. فلا يتمكن من لا يعرف معنى الآية أن يستدل بها على مطلوبه و لكن من يعرف معنى الآية و لو بالإستعانة بالآيات الأخرى أو بالروايات المأثورة فلا مشكلة في الإستدلال .. و ليكن معلوماً أنه ليس المقصود من المتشابه المطلقات و العمومات من الآيات فإن هذه الآيات – العامة و المطلقة – موجودة في المسائل الفقهية أيضاً مع أنه يلزم التمسك بالمحكمات في الفقه بل لا توجد آية فقهية متشابهة و لم يقل أحد أن قوله تعالى : ” أقيموا الصلاة ” مثلاً من المتشابهات ،  مع أننا لا نفهم من هذه الآية إلا وجوب الصلاة و أما أجزاؤها و شرائطها و موانعها و قواطعها و كيفيتها و أحكام الشكوك فيها و .. فلا يمكن استفادتها من ظاهر هذه الآية و أمثالها و إنما نلجأ إلى الأدلة الشرعية الأخرى لمعرفة تلك التفاصيل و مع ذلك لا نقول أن تلك الآية متشابهة ، و كذلك فيما نحن فيه فالآية تأمر بطاعة أولي الأمر و تدل على أن لهم الولاية كما أنها لله و للرسول و قد جعلهم إلى جانب الله تعالى و رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، و نحن نعلم بأنه لا يمكن أن تكون طاعة من يعصي الله و يأمر الناس بالمعصية واجبة بل طاعته من المحرمات قطعاً فلا يمكن أن يكون المقصود من أولي الأمر الذين جعلهم الله أولياء في آية و أمر بطاعتهم في آية أخرى عموم الحكام و إلا لوجبت طاعتهم و إن أمرونا بمعصية الله و في هذه الحالة إن أطعناهم فقد عصينا الله لأنهم أمرونا بالمعصية و إن عصيناهم فقد عصينا الله تعالى أيضاً لأنه أمرنا بطاعتهم و نحن عصيناهم ففي كلتا الحالتين نكون عصاة فلا يمكن أن يكون المقصود عموم الحكام لأنه يلزم منه هذا المحذور – مضافاً إلى جهات أخرى – فهذه الآية من هذه الجهة محكمة و ليست متشابهة ،  و أما من جهة المصاديق فلا معنى للقول بأن الآية متشابهة لأن المصداق لا دخل له في المعنى و إنما يبين لنا من ينطبق عليه هذا المعنى فإذا ذكره القرآن بصريح العبارة أخذنا به و إلا رجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و هو قد بين لنا أن من يجب طاعته هو أمير المؤمنين عليه السلام و هناك الكثير من الروايات التي تدل على أن علياً هو إمام المؤمنين و إمام كل مؤمن و مؤمنة بعد النبي و أنه و أهل البيت أعلم الناس فلا تعلموهم و أنه عليه السلام أقضى الناس و أنه مع الحق و الحق معه يدور حيثما دار و هو معنى العصمة و .. ، و قد رفع النبي صلى الله عليه و آله و سلم يده في واقعة الغدير و قال أن الله و رسوله أولى بالمؤمنين من أنفسهم و أقر المؤمنون بذلك ففرّع عليه ولاية علي عليه السلام و قال من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، فماذا نريده أن يقول أكثر من هذا و أين التشابه في هذا الكلام ،  و لو قلنا أن التشابه يسري إلى المصاديق أيضاً فأين التشابه في هذا الكلام لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و هل رفع يد غيره عليه السلام فاشتبه علينا الأمر  و .. كما أن حديث الثقلين خير شاهد على لزوم التمسك بالكتاب و العترة و أنهما لن يفترقا حتى يردا الحوض على النبي صلى الله عليه وآله وسلم  و ..

* و المتشابهات عادة تكون في الآيات التي تتطرق لصفات الله و أفعاله تعالى  فعلينا أن نرجعها إلى المحكمات كي نفهم معناها إن كنا من أهله و إلا كان علينا الرجوع إلى أهل الخبرة كما أن على أهل الخبرة الرجوع إلى المعصومين عليهم السلام إذا لم يتمكنوا من معرفة تأويلها ،  فالآيات التي تذكر مجيء الرب أو يد الله أو سمعه و بصره و .. تعد من المتشابهات للبعض لأنهم لا يتمكنون من إرجاعها إلى المحكمات من قبيل قوله تعالى : ” ليس كمثله شيء ” و قوله جل و علا : ” لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار و هو اللطيف الخبير ” و لهذا يحمل الآيات المذكورة على التجسيم و عوذاً بالله تعالى مع أن الجسمية تنافي وجوب الوجود فإن الجسم مركب و المركب محتاج إلى أجزائه و إلى من يركّب تلك الأجزاء فليس الوجود له ضرورياً بل يصبح ممكن الوجود الذي يعطيه الوجود غيره و يكون مسبوقاً بالعدم فلا يكون أزلياً و  ..  و لكن إذا تمكن العالم العاقل من معرفة هذه الأمور و ما هو أدق منها و تمكن من إرجاع تلك الآيات إلى آيات محكمات تمكن من معرفة أنه لا يمكن أن يكون جسماً لأنه لو كان جسماً كان له مثلٌ و قد نُفي ذلك ، و لكان قابلا لإدراك الأبصار له و قد نفاه القرآن الكريم و ..  فيلزم تجريد المجيء عن نواقص عالم المادة و تفسيره بما يتناسب و المجرد المطلق فليس المجيء هو الحركة من محل إلى محل و إلا لزم مضافاً إلى ما أشرنا إليه أن يكون محاطاً بالمحل و أن يكون المحل محيطاً به فيكون محدوداً و المحدود ليس أزلياً و لا مجرداً و لا منفياً عنه المثل لأنه مثل سائر الموجودات في المحدودية و التركب و … تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ،  فهذا هو المتشابه لمن لا يعرف المعنى لا بعقله و لا بإرجاع الآيات المذكورة إلى المحكمات التي هن أم الكتاب الذي يجب إرجاع سائر الآيات إليها ، فالأم هو الأصل كما هو المرجع و المقصد و هو مأخوذ من أَمَّ بمعنى قَصَدَ فقوله تعالى : ” فأمه هاوية ” يعني مقصده هاوية ،  كما أن آمّین في قوله تعالى : ” و لا آمّين البيت ” إسم فاعل و هو جمع آمّ و أصله آمِمٌ على وزن فاعل و معناه قاصدٌ  فقوله و لا آمين البيت يعني القاصدين للبيت .. كما أن الوالدة تسمى بالأم لأنها مقصد الأولاد و إليها يnجعون في أمورهم و شؤونهم في أفراحههم و أحزانهم و ..  فالمحكمات هن أم الكتاب و مرجع المتشابهات فيلزم للعارف بالقرآن أن يُرجعها إلى المحكمات إن قدر و إلا فعليه التوقف فيها و التمسك بالمحكمات فقط و الرجوع في المتشابهات إلى أهل القرآن و هم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدرجة الأولى و الراسخون في العلم بعده صلوات الله عليهم أجمعين ..

أيوب الجعفري