سلام عليكم .. شيخنا واستاذنا الفاضل .. 

 ماذا يقصد الامام الخميني رضوان الله عليه .. 

ان كمال الانقطاع هو تبديد الحجب الظلمانية والنورانية ..

لم افهم المقصود بالحجب النورانية ؟!!

وشكرا جزيلا لكم ..

______________________________________________

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته 

* مشاهدة الذات الإلهية كما هي و المعرفة بها على ما هي عليه من الكمال اللامتناهي أمر مستحيل لغيره تعالى كما ورد في دعاء الإمام الحسين عليه السلام في عرفة : ” يا من لا يعلم ما هو إلا هو ،  يا من لا يعلمه إلا هو ” و ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم و هو أول العابدين و أكمل العارفين : ” ما عبدناك حق عبادتك و ما عرفناك حق معرفتك  ” ،  و معرفة غيره تعالى به جل و علا يكون على قدر العارف لا كما هو سبحانه أهله ، و معرفة للأسماء و الصفات لا كنه الذات … و هذه المعرفة أيضاً لا تتحقق بشكل تام كما هو أهله فإن هناك حُجُباً تمنع من مشاهدته و معرفته تعالى بشكل كامل و كما هو أهله و يستحقه ، منها نورية و أخرى ظلمانية و قد ورد في الأدعية طلب نور القلب الذي تخرق  به القلوبُ  حجب النور المانعة من مشاهدة جلال الله و جماله عز و جل : ” و أنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة و تصير أرواحنا معلقة بعز قدسك … “ 

و الحجب النورية كالظلمانية كثيرة – و قد ورد أن لله تعالى سبعين  ألف حجاب – و لكن في تقسيم عام نقول أن كلاً منهما على قسمين فإما أن ترجع إلى الذات أو إلى الأفعال و الصفات ،  فالحجب الظلمانية الذاتية ناظرة إلى ظلمة وجود الخلق بالإمكان و المحدودية الذاتية و النقص و محدودية الإدراكات القلبية و العقلية ، فالمحدود الناقص في الذات و القوى الإدراكية لا يمكنه أن يحيط علماً باللامحدود ذاتاً و صفة فنقصه الذاتي حجاب ظلماني … فوجود الموجود الإمكاني عين النقص  و كفاه حجاباً ،  يقول الشاعر :  ” فقلت و ما أذنبت قالت مجيبةً  *  وجودك ذنب لا يقاس به ذنب ” .. و يقول الشاعر  الفارسي : ” ميان عاشق و معشوق هيچ حائل نيست  *  تو خود حجاب خودي، از ميان برخيز ” بمعنى أن الحجاب بين العاشق  و المعشوق ليس إلا نفس العاشق فيلزمه إزاحتها ليتم النظر إلى جمال الحق و جلاله بالقدر المستطاع ،  فنفسه الناقصة المحدودة لا يمكنها مشاهدة ذلك النور اللامتناهي كما هو ،  و من الممكن أن يكون المراد أن الأنانية و مشاهدة النفس تحجب الإنسان من مشاهدة جلال الله و جماله بعين القلب و البصيرة .. 

و أما الحجب الظلمانية الراجعة إلى الأفعال و الصفات فهي الذنوب و المعاصي و الجهل و الرذائل الأخلاقية للعبد كالبخل و الغضب ( قبال الحلم)  و الجبن و … فهي ظلمات و حجب ظلمانية تمنعه من مشاهدة جمال الله و جلاله .. 

و أما الحجب النورية فمنها ما هو راجع إلى الذات المقدسة الإلهية و منها ما يرجع إلى أفعال و صفات العباد ،  فتقدسه و عظمته و شدة نوريته و عدم تناهي وجوده و كماله اللامحدود و جماله اللامتناهي و ..  تحجب غيره من رؤيته و مشاهدة ذلك الجمال المطلق و الجلال اللامحدود كما أن شدة نور الشمس تمنع من مشاهدتها و النظر إلى عينها  و … 

و أما الحجب النورانية المتعلقة بأفعال و صفات العباد فنفس العلم و العبادة و الطاعة و السير و السلوك و الكرامات الحاصلة للسائر السالك حجب نورية بمعنى أن هذه الأمور أنوار معنوية فإذا ابتلي الإنسان بالنظر الاستقلالي إليها توقف عندها و لم يتمكن من اجتيازها و جعلها وسيلة لمشاهدة ذلك الجمال و الجلال فهي أنوار و لكنها حجبته عن مشاهدة نور الأنوار  حيث أنه انشغل بها و بات ينظر إلى تلك العبادات و العلوم و الكرامات الحاصلة  و لا يرى ما وراءها و لا يتمكن من مشاهدة ذلك الجمال و الجلال الإلهي لا سيما إذا قارنتها الأغراض الدنيوية الدنية كالرياء و العجب و … التي تعد حجباً ظلمانية قارنت تلك الحجب النورية فزادت في سمكها و ضخامتها … 

و الحجب المتعلقة بالذات ، النورانية منها و الظلمانية غير قابلة للإزالة و لهذا يبقى ” ما عرفناك حق معرفتك ” على حاله للجميع بلا استثناء فلا الذات المقدسة تخرج عن الإطلاق و التقدس و شدة النورية اللامتناهية ،  و لا العباد يخرجون عن النقص و الإمكان و القصور  و … و لكن الحجب المتعلقة بالأفعال و الصفات الراجعة إلى العباد أنفسهم النورانية منها و الظلمانية فهي قابلة للإزالة فيمكن اجتناب المعاصي و الذنوب و تهذيب النفس و تطهيرها عن الرذائل كما يمكن عدم التوقف عند العلوم و المعارف و الكرامات و العبادات فيمكن جعلها وسيلة لمشاهدة الجمال و الجلال الإلهي و الوصول إلى القرب العبودي الذي جُعل حكمةً لخلق الجن و الإنس في قوله تعالى: ” و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ” و قد يكون قوله عليه السلام : ” حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور … ” ناظراً إلى ذلك أو يكون ما ذكرنا من جملة مصاديق الحجب النورية التي يمكن خرقها  و الوصول إلى معدن العظمة و بذلك تتعلق الأرواح بعز قدسه جل و علا و تكسب القداسة الموجبة للعزة  “‘و لله العزة و لرسوله و للمؤمنين ” كل بقدر وصوله و تعلقه بذلك العزيز القدوس … 

  

قال الميرزا حبيب الله الخوئي قدس سره في منهاج البراعة  حول نتائج ارتفاع تلك الحجب  : ” …  فترتفع الحجب بينه و بين الله سبحانه في الجملة فيحرق ما يظهر عليهم من أنوار جلاله تعيناتهم و إرادتهم و شهواتهم فيرون بعين اليقين كماله سبحانه و نقصهم ،  و بقاءه و فناءهم،  و عزه و ذلهم ،  و غناه و فقرهم ،  بل يرون وجودهم المستعار في جانب وجوده الكامل عدماً ،  و قدرتهم الناقصة في جانب قدرته الكاملة عجزاً ،  بل يتخلون عن إرادتهم و علمهم و قدرتهم فيتصرف فيهم إرادته و قدرته و علمه سبحانه ،  فلا يشاؤن إلا أن يشاء الله و لا يريدون سوى ما أراد الله و يتصرفون في الأشياء بقدرة الله فيحيون الموتى و يردون الشمس و يشقون القمر كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية بل بقوة ربانية ،  و المعنى الذي يمكن فهمه و لا ينافي أصول الدين من الفناء في الله و البقاء بالله هو هذا المعنى  …. 

                                           أيوب الجعفري

______________________________________________

 

سؤال من أحد القراء الكرام :

سبحانك ربنا ماعرفناك حق معرفتك ولا عبدناك حق عبادتك
الله الله هذي المواضيع احب اقرأ عنها كثيرا شيخنا عن السير والسلوك ورفع الحجب ،، نريد المزيد شيخنا لوسمحت ،،، اللهم اعننا علی مجاهدة انفسنا ياارب ، اللهم انا نعوذ بك من الرياء والعجب ومن غضبك ياالله
زادك الله نورا علی نور وجعلك من العارفين السالكين لايمنعك اي مانع من الوصول الی معدن العظمة شيخنا الفاضل ،
رحم الله والديك وجزاك الله خير الجزاء

* احب القراءة عن العارف رجب الخياط والشيخ بهجت والطباطبائي وماحصل لهم من كرامات والعارفين الأفاضل وطي المنازل وما حصل لهم بسبب مجاهدة النفس ومخالفة الهوی ، اعتقد هو مناسب ان ينطبق علی ما ارسلته حضرتك من الانوار الالهيه ام المقصود اكبر من ذلك ؟؟
————————————————————

الجواب :

بارك الله فيكم و قضى حوائجكم و وفقكم للسير و السلوك …
المعارف الإلهية بحر عميق لا يتمكن كل أحد من الوصول و الغور في أعماقه و هذا العبد فقير في هذا الجانب خالي اليد من تلك المعارف و أكتب أحياناً شيئاً بسيطاً عسى الله أن يوفقني لنيل قطرة من ذلك البحر العميق ببركة دعوات المؤمنين و المؤمنات .. و ما أرسلته إشارة إلى قطرة تبقى على جناح بعوضة من بحر تلك المعارف…

أيوب الجعفري


سؤال من القارئ الموقر المذكور :

ماشاء الله الموضوع الذي ارسلته رائعععع جدا رائع شيخنا ،،، وفقك الله الی كل خير شيخنا الفاضل ،، ماشاء الله ماشاء الله …..

انا فقط عندي سؤالين لها علاقة بنفس الموضوع شيخنا :

الاول _ هل من الضروري للسالك الی استاذ هل ام علمه كفاية ؟

الثاني _ قرأت انه اذا وصل العارف الی مرحلة الفناء تكون له عين برزخية ،،، مثل الشيخ بهجت قدس سره الشريف ،، فهل هذا معناه انه هنا وصل للطريق ؟؟

————————————————————-

الجواب :

* نعم السير و السلوك يحتاج إلى أستاذ لئلا يُبتلى السالك بسلوك طريق خاطئ يبعده عن المقصد بدلاً من تقريبه …

* تحقُّقُ مشاهدة الباطن و الحقائق و ملكوت الناسِ و أعمالِهم و طي الأرض و أمثال ذلك ( و عموماً الكشف و الشهود و سائر الكرامات ) هدايا يتفضل الله تعالى بها على السالك كي لا ييأس من الوصول إلى الكمال المطلوب له ألا و هو القرب العبودي إلى الله تعالى و التوحيد الخالص في جميع أبعاده و الوصول إلى مرتبة لا يرى معها غيرَ الله تعالى و لا يرى تلك المرتبةَ غیرُ الله جل و علا ، و هو من جملة معاني مرتبة الفناء ، فليس مقصد السالك طي الأرض و مشاهدة باطن الناس و الإخبار عن المستقبل و عما يجري في البرزخ و .. بل الهدف الأسنى و المقصد الأعلى بل الوحيد هو خالص التوحيد ، و لكن بما أن الإنسان ضعيف قد يتوانى عن استمرار السير و يتوقف عن الحركة نحو الكمال الحقيقي قبل الوصول إليه يتفضل الله تعالى عليه ببعض هدايا الطريق ليواصل السير و لا ييأس من نيل ذلك الكمال فإنه ما لم يتذوق لذة الوصال بالمحبوب الحقيقي لا يحصل له طمأنينة القلب و حالة الاستقرار فیُشوِّقه الله عز و جل بتلك الهدايا إلى أن يصل إلى تلك المرتبة و إذا وصل لم يُبالِ بالكرامات و الكشف و الشهود لأنه منشغل بلذة أعلى و ابتهاج أرقى و إن لم تَخْلُ تلك المرتبة عن الكشف و الشهود و الكرامات لا محالة إذ أنها مرتبة يترتب عليها الولاية الإلهية الموجبة للقدرة على التصرف و لكنه – أي الواصل – لا يعتني بعد ذلك بأمثال هذه الأمور لما أشرنا إليه من انشغاله بلذة لا تقاس معها لذة و ابتهاج لا يدانيه ابتهاج …

وفقنا الله و إياكم للمعرفة و نيل الكمال بالقرب العبودي إليه جل و علا ..

أيوب الجعفري

https://telegram.me/ayoobaljafary