سلام عليكم شيخنا الجليل يرجى التوضيح لأنه قد اشتبه الأمر على البعض و تصور أن السيد دام ظله يأخذ عقيدته من هذا الديوان لا القرآن

“الخامنئي و يصف ديوان المثنوي ( جلال الدين الرومي) بأنه أصل أصل أصول الدين!” 

on YouTube – https://www.youtu.be/reGcDmduSJo

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته سيدنا الجليل .. 

المقصود أن الدين لا ينحصر بالأحكام و لا ينحصر إثبات المعتقدات بالأدلة و البراهين العقلية ،  بل هناك بعد آخر و بتعبير  ثان : هناك طريق آخر للوصول إلى معرفة الله تعالى  و هو المعرفة القلبية لله تعالى و بلوغ أعلى مراتب التوحيد بالشهود القلبي ،  فبتهذيب النفس و سلوك هذا الطريق يمكن مشاهدة الله تعالى بالقلب حيث أنه ورد أن ” القلب حرم الله فلا تسكن حرم الله غير الله ” فالله يدخل في القلب بمعرفته وشهوده قلبياً ، و من يشاهد الرب و التوحيد بعين قلبه لا يمكن أن يشتبه عليه الحق و الباطل بشبهات المضللين ،  بمعنى أن من يستدل على وجود الله و توحيده و ..  بالأدلة و البراهين العقلية و النقلية يمكن تشكيكه فيما يعتقده بالشبهات العقلية و غيرها و لكن من يشاهد شيئاً لا يمكن تشكيكه فيما يراه بل لو أقام أصحاب الشبهات ألف دليل و برهان على أنه لا يشاهد شيئاً لم يتمكنوا من إيجاد أي تزلزل في عقيدته لأنه سيقول لهم : ” أنا أقول أنني أشاهد و أنتم تقولون لي أن ما تشاهده غير موجود !  ” …  فالمعرفة الشهودية القلبية من أتقن المعارف بل هي أتقنها و لا أتقن منها لعدم إمكان إزالتها بالشبهات ،  و العرفاء قد أخذوا هذه المعارف من الكتاب والسنة و شرحوها للسالكين ، فعندما يقال أن ما ذكره جلال الدين الرومي هو أصل أصول الدين معناه أن جلال الدين الرومي قد بيّن المعارف الإلهية بطريقة العرفاء و هي طريقة الشهود القلبي التي لا يمكن إحداث تزلزل فيها و لا يمكن تشكيك العارف المشاهد فيما يشاهده بقلبه ، كما أن العرفاء قد فهموا التوحيد بمرتبة لم يعرفها غيرهم من العلماء وعلى حد تعبير العلامة الطباطبائي قدس سره الشريف التوحيد المستفاد من القرآن لم يفهمه الكثيرون من الناس في ذلك عصر  النزول و ما يليه من العصور  و هذه عبارته  :  ( فالذي بينه القرآن الكريم من معنى التوحيد أول خطوة خطيت في تعليم هذه الحقيقة من المعرفة، غير أن أهل التفسير والمتعاطين لعلوم القرآن من الصحابة والتابعين ثم الذين يلونهم أهملوا هذا البحث الشريف، فهذه جوامع الحديث وكتب التفسير المأثورة منهم لا ترى فيها أثراً من هذه الحقيقة لا ببيان شارح، ولا بسلوك استدلالي ، ولم نجد ما يكشف عنها غطاءها إلا ما ورد في كلام الامام علي بن أبي طالب عليه أفضل السلام خاصة ، فإن كلامه هو الفاتح لبابها، والرافع لسترها وحجابها على أهدى سبيل وأوضح طريق من البرهان ، ثم ما وقع في كلام الفلاسفة الاسلاميين بعد الألف الهجري ، وقد صرحوا بأنهم إنما استفادوه من كلامه عليه السلام ..)  فالفلاسفة و العرفاء عرفوا معنى التوحيد الحق و الوحدة الثابتة لله تعالى و هي الوحدة غير العددية التي ذكرها أمير المؤمنين في قوله عليه السلام :” واحد لا بعدد ” – و توضيح ذلك يتطلب مجالاً أوسع بكثير من هذا المختصر وأكتفي هنا بالإشارة إلى أن الواحد العددي هو القابل للتعدد أو افتراض تعدده و أما الواحد لا بعدد فهو من لا ثاني له بل لا يمكن أن يكون له ثان بل و لا يمكن افتراض الثاني له و هو الموجود البسيط الحقيقة اللامتناهي حيث أن اللامتناهي لا يمكن افتراض غيره لأنه إذا افترضنا غيره يعني أننا افترضنا تناهيه و أن له حدوداً و قد قلنا أنه غير متناهٍ ،  فلا يمكن افتراض الثاني له مع أنهم يقولون أن المحال لا يمكن أن يتحقق و لكن يمكنؤافتراض تحققه و لكن في هذا المورد حتى الإفتراضي مستحيل لما أشرنا إليه ، و أكتفي بهذا المقدار في هذه العجالة – فهذا التوحيد قد بينه هؤلاء الأكابر بالاستفادة من القرآن و السنة المباركة و خطب أمير المؤمنين عليه السلام و كذا فيما يتعلق بسائر المعتقدات ،  و بعد هذا لا عجب في أن يقال أن ديوان المولوي أصل الأصول لأنه يبين لنا أعلى مراتب التوحيد المستقى من الكتاب و السنة ،  فليس المقصود أن هذا الديوان أعلى مرتبةً من القرآن الکریم حتى يستشكل عليه بهذه الطريقة بل المقصود أن هذا الديوان بيان للتوحيد الخالص الذي جاء به القرآن و أشار إليه أمير المؤمنين – و كما أشرنا التوحيد مثال و ليس حصراً فإن الكلام جارٍ في سائر المعارف الإلهية أيضاً و إن أمكن إرجاع الكثير منها إلى التوحيد  – فببيان أمثال هؤلاء نعرف الأصول التي جاء بها القرآن و النبي الخاتم و أهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين … 

و لا تنسوني من صالح دعواتكم الخالصة ..

                                        أيوب الجعفري