كيف يكون في قلوب المؤمنين غلّ يوم القيامة ليحتاج إلى أن ينزعه الله تعالى ؟!

قال تعالى : وَ نَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ  – الأعراف  ٤٣ 

و قال عز من قائل : ” وَ نَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ” الحجر  ٤٧

————————————————————

 السلام عليكم ورحمة الله 

كيف يكون في قلوب المؤمنين غلّ؟!

 على هذا فان الغل في القلب لا يكون مانعا من دخول الجنة

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته 

في الآية احتمالان الأول هو أن الله سبحانه سيزيل من قلوب أهل الجنة الأغلال و الأحقاد التي حدثت في قلوبهم في الدنيا لأجل خلافات قد يكون منشؤها الخطأ و الإشتباه في معرفة مقاصد الآخرين في أفعالهم  فينشأ في قلوبهم الحقد لأجل سوء الفهم – و قد لا يخلو من هذا النوع من الحقد قلب أحد من غير الكُمّل من عباد الله تعالى ، و الجنة درجات و ليست مختصة بالكمل فيدخلها من في قلبه شيء من الحقد و الغل الناشئ عن سوء الفهم و لكن بعد نزع ذلك الغل – بل قد ينشأ الحقد من عدم تهذيب النفس تماماً فمع أنه من أهل الجنة إلا أنه لا يخلو من هذا الغل ،  فالله سبحانه و تعالى سيزيله من القلوب لأمرين أحدهما هو كون الجنة دار طهارة فيجب أن تكون قلوب أهلها طاهرة لتتحقق السنخية بين الجنة و أهلها فيستحقوا دخول الجنة .. و ثانيهما كون الجنة محل الالتذاذ بنعم الله لذة خالصة و خالية عن أي نوع من منغصات العيش ، و وجود الغل الذي هو من مخلفات الحياة الدنيا من المنغصات فيلزم إزالتها لتتحقق اللذة الخالصة  ” قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ” فالطيبات من الرزق للذين آمنوا في الحياة الدنيا و لكنها غير خالصة فيها و ستكون خالصة يوم القيامة …. 

و الاحتمال الثاني – و هو الأقوى و إن لم ينفِ الاحتمال الأول فهما قابلان للجمع – هو أن الإنسان في الدنيا عندما يشاهد تنعم الآخرين بنعم قد حُرم هو منها قد يدخله الحسد  و الحقد على المتنعمين و هذا ما ينغص العيش على الإنسان الحاسد نفسه و لكن الجنة نعيم مقيم و لذة خالصة عن شوائب الحزن و الألم و عن جميع ما يوجب تنغيص العيش و اللذات فالله سبحانه و تعالى يزيل الغل من القلوب في الجنة بإزالة سببه ،  و قد كان سبب الغل و الحقد و الحسد في الدنيا تنعم البعض و حرمان البعض الآخر – و هناك أسباب أخرى يجمعها عدم تهذيب النفس و هذا ما يوجب حسد المتنعم على المتنعم أيضاً و لا يختص بالمحروم عن النعم – و لكن نعيم الجنة لا تنحصر ببعض دون بعض ،  و تنعم البعض – بالنعم المادية و المعنوية – لا يستلزم حرمان الغير  فلا معنى للحسد و الحقد هناك ، كما أن النفوس هناك طاهرة فلا يتحقق فيها حسد و حقد و عداء للغير ،  يقول السيد الجزائري رحمه الله تعالى في التحفة السنية ص ٤٨ : ” … دون علماء الآخرة لتهذيب أخلاقهم واقتصار هممهم على معرفة الله سبحانه و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر ، و المعرفة لا تضيق على العارفين بل المعلوم الواحد يعرفه ألف ألف عالم ويفرح بمعرفته ويلتذ ولا تنقص لذة واحد بسبب غيره بل يحصل بكثرة العارفين زيادة الأنس وثمرة الإفادة والاستفادة ومن ثمة لا محاسدة في نعم الجنة كما أخبر (تع) عن حال أهلها بقوله عز وجل ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً لأن المنزلة عند الله لا ضيق فيها فإن أجلّ ما عند الله سبحانه من النعم لذة لقائه وليس فيها ممانعة ولا مزاحمة كما لا مزاحمة على لذة النظر إلى زينة السماء بما فيها من الزواهر ومن ثمة لا يتحاسد فيها “ 

فتحصّل أنه بناءً على الاحتمال الأول معنى الآية أن الله تعالى سينزع أغلال القلوب التي حدثت في الدنيا ،  و بناءً على الاحتمال الثاني معناها أن الجنة ليست محلاً للتحاسد و العداوة بين المؤمنين فالله تعالى سيزيل هناك جميع ما يوجب الحسد و الضغينة فأهل الجنة متحابون متوادون لا يحسد بعضهم بعضاً و … و الخلاصة أنه بناء على الأول رفعٌ للغل و الحقد و الحسد و على الثاني دفعٌ للغل و الحقد  و الحسد .. 

   موفقين لكل خير