وردني مقطع من خطبة لمتحدث يدعي أن أهل البيت في آية التطهير هم نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم و ذلك بدليل أن أهل البيت يطلق على النساء و القرآن أيضاً قد أطلق هذا اللفظ على زوجة إبراهيم عليه السلام و لفظ الأهل على زوجة موسى عليه السلام ،  و في مقطع آخر تطرق لسبب حصر أهل البيت عند الشيعة في أولاد الحسين عليه السلام دون الحسن عليه السلام مع أنهما كليهما من أولاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، و قال : السبب في ذلك هو العنصرية الفارسية حيث أن زوجة الحسين كانت من فارس و هي بنت يزدجرد   

هذا خلاصة ما ورد في خطبته فكتبت رداً مختصراً على هذا الكلام  و إليكم نص الرد : 

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

 تعليقاً على ما ورد في كلام هذا المتحدث أقول أنه لم يقل أحد أن لفظ أهل البيت لا يشمل النساء في اللغة و كذا في بعض الآيات القرآنية ،  و إنما الكلام في شمول أهل البيت في آية التطهير لنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم مضافاً إلى أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام تنزيلاً و سائر الأئمة عليهم السلام تأويلاً  – كما أشرنا إلى بيان ذلك في بعض الأجوبة – و مدعي الشيعة هو أن مضمون الآية مضافاً إلى الروايات – أقصد روايات الشيعة و السنة معاً – يدل على أنه لا يمكن أن تكون نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مصاديق الآية ،  و بعبارة أخرى : المفهوم اللغوي لأهل البيت شامل للنساء و الأولاد و .. و لكن شمولية المفهوم اللغوي لا تعني كون الجميع مقصودين في جميع الخطابات القرآنية و النصوص الشرعية فمن الممكن أن يُستعمل لفظ له مفهوم عام و لكن يراد به بعض مصاديقه لوجود قرائن تدل على أن ذلك البعض هم المقصودون أو تدل على أن غيرهم غير مقصودين و نحن نقول بأن مفهوم ” أهل البيت ” لغوياً عام و لكن هناك قرائن قطعية تدل على أن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لسن من المصاديق المقصودة في الآية و ذلك بقرينة أن الآية تدل على العصمة أي عصمة من أراد الله إذهاب الرجس عنهم و تطهيرهم و ذلك بأدلة كثيرة مستفادة من نفس الآية و قد بيّنّا بعضها في بعض الأجوبة ، و من جملة التي لم نُشِر إليها سابقاً بهذا التقصير هو الحصر المستفاد من لفظ  ” إنما ” حيث حصرت الإرادة الإلهية التكوينية بإذهاب الرجس و بالتطهير  و كذلك الحصر المستفاد من تقديم  الجار و المجرور على المفعول به في قوله تعالى : ” ليذهب عنكم الرجس ” فقدّم ” عنكم ” على ” الرجس ” و هو يدل على أن من أريد إذهاب الرجس عنه هم أهل البيت فقط لا غيرهم ، و لو لم يكن المقصود من إذهاب الرجس و التطهير هو العصمة لما كان لحصر إرادة الله بإذهاب الرجس و التطهير  في أهل البيت عليهم السلام دون من سواهم وجهٌ ، و ذلك أن الله تعالى يريد بالإرادة التشريعية طهارة الجميع فكما يريد أن يكون علي و فاطمة و الحسن و الحسين و نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم مطهرين من الذنوب بأن يجتنبوها كذلك يريد ذلك لسائر المكلفين من الجنة و الناس أجمعين ، و لهذا تعم الخطابات القرآنية و النصوص الروائية التي تأمر بالطاعة و تنهى عن المنكر و المعصية جميع المكلفين ، و بذلك يتبين أولاً أن إرادة إذهاب الرجس و التطهير في هذه الآية ليست تشريعية بل هي تكوينية كما بيّنّا ذلك في جواب لنا عن رأي ابن تيمية في آية التطهير  ،  و ثانياً أن المقصود من ذلك العصمة لا طلب اجتناب المعاصي و الذنوب .. 

  و من جانب آخر نعلم يقيناً نحن و جميع الأمة الإسلامية شيعةً و سنةً  أن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لسن معصومات بالعصمة العملية فكيف بالعصمة العلمية ،  و لم يدّعِ أحد لا من أهل السنة و لا من غيرهم أنهن معصومات ، مضافاً إلى أن القرآن يدل على عدم عصمتهن كما في قوله تعالى في سورة التحريم في قصة إسرار النبي حديثاً لبعض أزواجه : ” إن تتوبا فقد صغت قلوبكما و إن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين و الملائكة بعد ذلك ظهير ،  عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات قانتات … ” حيث تدل من عدة وجوه على عدم عصمتهن كقوله تعالى : ” إن تتوباً ” و قوله جل و علا  :” فقد صغت قلوبكما ” و قوله عز و جل : ” و إن تظاهرا عليه .. ” و قوله عز من قائل: ” أزواجاً خيراً منكن مسلمات …  ” كما لا يخفى بأدنى تأمل ( و الجدير بالذكر أن الجملة الأخيرة – وهي قوله تعالى: أن يبدله أزواجاً خيراً منكن.. – تدل على وجود من هن خير من نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المؤمنات آنذاك ، و لو كانت نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم معصومات لما كان في المؤمنات من هن خير  منهن ،  مضافاً إلى أن الآية تدل على أعلى مراتب العصمة فلا يُتصوَّر أن تكون درجة من العصمة أعلى من العصمة التي أريدت لأهل البيت في آية التطهير  فلو كانت النساء مشمولات لآية التطهير لما أمكن تصور وجود من هي خير من نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإما أننقول بأنهن – أي نساء النبي – غير مشمولات لآية التطهير و إما أن نقول بأنه لا يوجد و لا يمكن أن يوجد في النساء من هن خير منهن و بما أن القرآن قد هدّدهن باستبدالهن بمن هن خير منهن ما يدل على وجود من هن خير منهم لزم الالتزام بالشق الأول و هو عدم كونهن مشمولات لآية التطهير … )   

و النتيجة : أن آية التطهير تدل على العصمة لأهل البيت عليهم السلام ،  و قد ثبت أن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكُنَّ معصومات ،  و لازم ذلك عدم شمول آية التطهير لنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم . هذا مضافاً إلى ما استفدناه من قوله تعالى : “..  أزواجاً خيراً منكن.. “ 

و أما أن سياق الآية تدل على أن المقصود نساء النبي فهذا مما لا يُلتَفتُ إليه لشدة ضعفه فإن السياق إنما يفيد فيما إذا كانت الدلالة واضحة لا فيما إذا كانت الدلالة على خلاف مقصودكم واضحةً ، مضافاً إلى أن الضمير قد تغير من المؤثر إلى المذكر فهناك أكثر من عشرين ضميراً مؤنثاً و فجأة نجد أن الضمير قد تغير إلى الضمير المذكر  فقال ليذهب عنكم .. و يطهركم ، فلو كان المقصود النساء لما غيّر الضمير و بما أنه قد غيّره  يتبين أن المخاطب في قوله تعالى ” ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيراً ” غير المخاطب في الآيات السابقة و اللاحقة ، فالسياق أيضاً لا يساعدكم و لا یُسعفکم في مدعاكم ،  و إن قلتم أن الضمير إنما تغيّر لأجل أن هذا القسم من الآية يشمل نساء النبي مع سائر أهل البيت فغيّر الضمير لوجود بعض الرجال في المخاطبين فجاء بالحمار المذكر من باب التغليب ، قلنا أن ذلك ينافي ما ذكرناه من أن الآية تدل على العصمة و نساءُ النبي لسن معصومات فلسن من جملة المقصودات بلفظ أهل البيت ،  فالمضمون الذي ندعيه و نستدل عليه نحن بالبراهين القاطعة مؤيَّدٌ بالسیاق أيضاً لا أن السياق ينافيه كما تدّعون …  

    و بما ذكرنا يتبين لنا ارتباط آية التطهير بما قبلها و بعدها و أن الآيات بصدد بيان الطهارة الروحانية للبيت الروحاني للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بذكر أن الله قد أراد بالإرادة التكوينية عصمة أهل هذا البيت إلى جانب طلب الطهارة بطاعة الله و عدم ارتكاب المعاصي من أهل البيت الجسماني له صلوات الله عليه و آله … 

هذا كله من حيث دلالة آية التطهير – و قد أجملنا و لم نفصل ، و تطرقنا لبعض دلالاتها لا كلها – و أما من حيث الأدلة الروائية فروايات أهل السنة أيضاً لا تساعد على إرادة نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أهل البيت في آية التطهير ففي مسند أحمد بن حنبل ج ٤ ص ١٠٧ : حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد ابن مصعب قال ثنا الأوزاعي عن شداد أبى عمار قال دخلت على وائلة بن الأسقع وعنده قوم فذكروا عليا فلما قاموا قال لي ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت بلى قال أتيت فاطمة رضى الله تعالى عنها أسألها عن علي قالت توجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي وحسن وحسين رضى الله تعالى عنهم آخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل فادنى عليا وفاطمة فأجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهم ثوبه أو قال كساء ثم تلا هذه الآية إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا وقال اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق .  و راجع المصدر نفسه ج ٦  ص ٢٩٢ و ٣٠٤  و ..  و في سنن الترمذي ج ٥ ص  ٣٠ الحديث  ٣٢٥٨  : حدثنا قتيبة أخبرنا محمد بن سليمان بن الأصبهاني عن يحيى بن عبيد عن عطاء بن أبي رباح عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) في بيت أم سلمة فدعا فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء و علي خلف ظهره فجلله بكساء ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا . قالت أم سلمة : و أنا معهم يا نبي الله ، قال أنت على مكانك وأنت على خير ” . و راجع المصدر نفسه ص ٣٢٨ الحديث : ٣٨٧٥ و ص ٣٦١ الحديث الحديث : ٣٩٦٣ ، و قال بعد نقل الحديث : هذا حديث حسن صحيح و هو أحسن شيء روي في هذا الباب ،  و في المستدرك للحاكم النيسابوري ج ٣ ص ١٤٦  : ” عن أم سلمة  قالت في بيتي نزلت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ،  قالت : فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى علي و فاطمة والحسن و الحسين فقال هؤلاء أهل بيتي ” و قال الحاكم بعد نقل الحديث : هذا حديث صحيح على شرط البخاري و لم يخرجاه كما ينقل نفس المضمون في ص ١٤٧ ثم قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه ..  و قد روى أهل السنة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى الفجر فيقول : الصلاة يا أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا  – راجع مسند أحمد بن حنبل ج ٣ ص ٢٥٩ و ص ٢٨٥ بن و سنن الترمذي ج ٥ ص ٣١ الحديث٣٢٥٩  و المستدرك للحاكم النيسابوري ج ٣ ص ١٥٨ و قال الحاكم بعد نقل الحديث: هذا حديث صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه … و هناك مصادر أخرى نقلت أمثال هذه الأحاديث ،  و دلالة هذه الروايات على أن أهل البيت عليهم السلام هم فاطمة الزهراء و أمير المؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السلام دون من سواهم واضحة جداً فلا داعي للشرح و الإطناب في بيان ذلك … 

و بهذا يتبين أن الذي دعا الشيعة بالقول بأن أهل البيت في الآية هم فاطمة و علي و الحسن و الحسين عليهم السلام تنزيلاً و سائر الأئمة عليهم السلام تأويلاً هو أولاً دلالات و مضامين بل و سياق نفس الآية و ثانياً الروايات المعتبرة التي لم تنفرد الشيعة بنقلها بل قد نقلها أهل السنة أيضاً في مصادرهم الروائية المهمة … 

و أما ما قاله في مقطع آخر من كلامه من أنه لماذا أصبح الأئمة من ولد الحسين عليه السلام دون الحسن عليه السلام ؟  ثم أجاب بأن ذلك يتعلق بالعنصرية الفارسية حيث أن زوجة الحسين كانت فارسية ،  فأولاً هذا اتهام صرف لا يستند إلى دليل و لا شبه دليل مضافاً إلى أن كثيراً من علماء الشيعة لم يكونوا من أهل فارس فهناك الكثير منهم من العرب أو القوميات الأخرى ،  فهل يعتقد هؤلاء بإمامة أولاد الحسين عليه السلام دون الحسن عليه السلام لأجل عنصريتهم ؟! و ثانياً الإمامة متقوِّمة بالكمالات الروحانية العظيمة – و لسنا بصدد بيان تلك المقوِّمات  حالياً – و لا تتعلق بالإرتباط الجسماني فمن كان واجداً لتلك المقومات أصبح إماماً و من لم يكن كذلك لم يستحقها بلا فرق بين أبناء الإمام الحسن و الإمام الحسين عليهما السلام ، و ثالثاً الأئمة عليهم السلام ليسوا من أولاد الحسين عليه السلام فقط بل هم من الإمام الباقر عليه السلام إلى الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر عليه السلام و عجل الله تعالى فرجه الشريف من أحفاد الحسنين عليهما السلام كليهما فإن الإمام الباقر من أولاد الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام و فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى عليه السلام فالإمام الحسن عليه السلام جد للأئمة من وُلد الإمام السجاد عليه السلام لأمهم و الإمام الحسين عليه السلام جدهم لأبيهم   

وفقنا الله و إياكم لمعرفة الدين و نشره بحق محمد و آله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين