قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
لعن الله المجادلين في دين الله على لسان سبعين نبيا، ومن جادل في آيات الله فقد كفر، قال الله عز وجل: ” ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد ” و من فسر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب، ومن أفتى الناس بغير علم لعنه ملائكة.
السماوات والأرض ، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة سبيلها إلى النار … ( و ينقل المستفسر روايات أخرى ورد النهي في بعضها عن التفسير بالرأي و في بعضها عن ضرب القرآن بعضه ببعض و في طائفة منها أن القرآن بعيد عن عقول الرجال و … ثم يقول المستفسر : )
سلام عليكم شيخنا .. يستدل البعض بهذه الأحاديث في إثبات أن تفسير القرآن يكون من أحاديث أهل البيت ع فقط .. فماذا تجيبون ؟
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
هذه الروايات لا تدل على حصر التفسير بما ورد عن أهل البيت عليهم السلام بل ينهى بعضها عن التفسير بالرأي و بعضها غير مرتبط بالتفسير أساساً مضافاً إلى ضعف سند بعضها .. – و قد فُسِّر ضرب القرآن بعضه ببعض بالضرب الظاهري استخفافاً به أو لنفض الغبار عنه كما فُسِّر بالتفسير بالرأي أيضاً و هو الأظهر – و من المعلوم أن تفسير القرآن بالرأي ممنوع و محرم شرعاً و يعد تلاعباً بالقرآن و الشريعة المقدسة و منافياً لغرض المولى الكريم مِن بَعْثِ النبي و إنزال القرآن الكريم ، و المقصود من التفسير بالرأي هو تفسير القرآن بما بشتهيه الإنسان حسب الأهواء و الرغبات النفسانية أو أهواء الآخرين من الأغنياء أو الحكام أو .. ممن تكون مصلحته في الترويج لهم و تبرير أفعالهم كسباً للدنيا و طمعاً في الأموال و المناصب و .. كما كان يفعله بعض أصحاب معاوية و قد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال أن أباه الإمام الباقر عليه السلام كان يقول – يعني كراراً و باستمرار – : ” من دخل على إمام جائر فقرأ عليه القرآن يريد بذلك عرضاً من عرض الدنيا لُعِنَ القارئ بكل حرف عشر لعنات و لُعِنَ المستمع بكل حرف لعنة ” ، هذا فيمن يقرأ القرآن عند الجائر لغرض دنيوي فكيف بمن يفسر القرآن بحسب أهواء و رغبات الجائر و …
و أما تفسير القرآن وفقاً للموازين العلمية الصحيحة مضافاً إلى اللغة و القواعد العربية و أصول البلاغة فليس من تفسير الرأي في شيء بل قد ورد في النهج الشريف أن أمير المؤمنين عليه السلام قال : ” كتاب الله تبصرون به ، و تنطقون به ، و تسمعون به و ينطق بعضه ببعض ، و يشهد بعضه على بعض ” …
هذا و قد جاء في القرآن الكريم و ورد في الروايات ذم الأخذ بالمتشابهات من دون ردها إلى المحكمات و أن من في قلبه زيغ يتبع المتشابهات ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله و .. ففي كثير من الموارد نجد أن النهي كان عن اتباع المتشابهات من دون إرجاعها إلى المحكمات و أما إذا كان مع الإرجاع إليها – إذا كان القائم بذلك أهلاً له و متمكنا منه و مؤهلاً علمياً – فهو ممدوح ففي عيون أخبار الرضا عليه السلام أنه قال الإمام الرضا عليه السلام : ” من رد متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم ثم قال : إن في اخبارنا متشابهاً كمتشابه القرآن ومحكماً كمحكم القرآن فردوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا ” و هذا الحديث مضافاً إلى دلالته على إمكان تفسير القرآن و معرفة مغازي محكماته قد دل على حسن إرجاع المتشابهات إلى المحكمات و أن من يفعل ذلك فقد هدي إلى صراط مستقیم و لولا إمكان معرفة القرآن الكريم و محكماته لما كان وجه لإثبات الهداية لمن يُرجِع المتشابهات إلى المحكمات ، ثم نبّه على أن ذلك لا يختص بالقرآن بل الأحاديث أيضاً تشتمل على المحكمات و المتشابهات و يلزم إرجاع متشابهاتها إلى محكماتها ليهتدي الإنسان إلى الصراط المستقيم و … فلو كان وجود المتشابهات مانعاً من تفسير القرآن لما أمرنا باتباع المحكمات و كذا المتشابهات بإرجاعها إلى المحكمات ، و لكان الإشكال وارداً في الروايات أيضاً لوجود المتشابهات و المحكمات فيها فلا نتمكن من تفسير القرآن بالروايات لعدم إمكان معرفتها لوجود المتشابهات فيها ..
و كان الأولى بهم – أي القائلين بعدم جواز التفسير إلا بالمأثور – أن يتمسكوا بأمثال قولهم عليهم السلام ” إنما يعرف القرآن من خوطب به ” ثم يقولوا بأن المخاطب بالقرآن هم أهل البيت عليهم السلام فيلزم الرجوع إليهم في تفسير القرآن ، و لكننا قد بيّنّا في بعض الأجوبة أن ذلك أيضاً لا يدل على عدم إمكان التفسير أو عدم جوازه فإن القرآن الكريم بيان للناس كما ورد في القرآن نفسه فإذن الناس المخاطبون به يعرفونه بمقتضى نفس هذا الحديث ، نعم للقرآن مراتب مختلفة و له ظاهر و باطن و فيه العبارة و الإشارة و اللطائف و الحقائق و قد قال أمير المؤمنين عليه السلام أن العبارة للعوام و الإشارة للخواص و اللطائف للأولياء و الحقائق للأنبياء فالعوام يفهمون أو من المفترض أن يفهموا العبارات كما أن العلماء يفهمون أو من المفترض أن يفهموا الإشارات و إذا فهموها أمكنهم تفسيرها للعوام ، و الأولياء و الأنبياء يفهمون اللطائف و الحقائق فنرجع إليهم فيها – و قد بينا ذلك باختصار فيما سبق فلا نعيد – …
هذا كله مضافاً إلى أن الأحاديث غالباً تفسر الآيات بالمصاديق لا المفاهيم كما أشرنا إليه في بعض الأجوبة و قد نُوَفَّق لشرحه في وقت آخر و ضمن موضوع و بحث مستقل إن شاء الله تعالى ..
موفقين لكل خير
أيوب الجعفري