السلام عليكم شيخنا الكريم
أولًا: اَعْظَمَ اللهُ اُجُورَنا بِمُصابِنا بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهَ السَّلامُ، وَ جَعَلْنا وَ اِيّاكُمْ مِنَ الطّالِبينَ بِثارِهِ مَعَ وَلِيِّهِ الاِمامِ الْمَهْديِّ مِنْ آلِ مُحَمَّد عَلَيْهِمُ السَّلامُ
ثانيًا: حمدًا لله على سلامتكم، نسأل الله أن يلبسكم لباس العافية التامة، وييسر أموركم، ويقضي حوائجكم، ويجزيكم خير الجزاء.
ثالثًا: سؤالي عن موضوع قد سُئلتم فيه كثيرًا، ومع ذلك..
[ التطبير ]
ما أفهمه بحسب ما قرأته في قناتكم الكريمة، وبحسب ما أعرفه سابقًا أن تحريم التطبير إنما هو بالحكم الثانوي.. هذا إن كان فتوى، وربما يكون حكمًا ولائيًا يراه الولي الفقيه ولذا ينبغي تطبيقه على الجميع.. والسبب في هذا الحكم أنه يسبب توهينًا للمذهب، وينفر الآخرين من الإسلام..
لكن.. يدور في ذهني تساؤل بناءً على الملاحظات التالية:
١- شركاؤنا في المذهب قد لا يكونون مسلّمين بالوليّ الفقيه، وبالتالي فإن تطبيق هذا الحكم عليهم – رغم استحبابه بفتوى مراجعهم – أمرٌ عسير.
٢- هذا الموضوع منذ سنوات وهو الشوكة الواضحة في قلب الوحدة الشيعية، ومن المؤلم أن يكون تناول هذا الموضوع سواءً بالحرمة والمنع أو بالدفاع المستميت مثيرًا لشقّ الصف، وتعميق الشرخ بين الشيعة وهذا بحسب نظري القاصر توهين شديد للمذهب، فقوته في الوحدة، ولا نطلب الوحدة مع الآخرين لكن بين الشيعة يجب أن توجد الوحدة. (واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا).
٣- مراجع النجف، فعندما تشرفنا عدة مرات بلقاءات مختلفة لبعض مراجع النجف المعروفين، وكذا بعض كبار العلماء، طرحنا عليهم مرارًا موضوع التطبير.. وبالمجمل فإنهم دائمًا كانوا يدافعون عن التطبير بقوة ويعتبرونه من الشعائر الحسينية، كما ويعتبرون منعه أمرًا مستهجنًا، وقد سمعتهم بشكل مباشر، ولم يكن أحدٌ منهم يرى التطبير موهنًا للمذهب.
٤- الزمن تغيّر، وصار ينبغي على كلّ شخص أن يدقّق أكثر ليحكم على أي موضوع، فحتى غير المسلم الذي يشاهد التطبير ربما يكون نافرًا من هذا المذهب للوهلة الأولى، لكن لربما يرتفع هذا النفور مع مزيد من التدقيق.. إضافةً إلى أنه سيكون أقل نفورًا مقارنةً بالمذاهب والمعتقدات الأخرى التي قد تبيح القتل والذبح والتمثيل بدم بارد، فعلى الأقل هذا المذهب الذي فيه بعض الناس يطبرون يفعلون ذلك بإرادتهم، ولا يضرون إلا أنفسهم.
لا أريد بهذه النقطة أن أقول بأنه علينا أن نقبل بالأشياء التي توهن المذهب (والعياذ بالله)، لكن أريد القول بأن لدينا وضع معقد غير خالي من التزاحمات، وأمر التوهين قد يكون نسبيًا إن صح التعبير أو غير مسلم به عند الجميع..
فتساؤلي بعد هذه الملاحظات هو:
ألا يخلق الوضع الراهن موضوعًا جديدًا لحكم آخر غير تحريم التطبير ومنعه؟ باعتبار أن له مؤيدين من المراجع الكبار لا يرتضون بمنعه، وأنه محبّبٌ عند فئة لا يستهان بها من المؤمنين، وأن المنع منه يسبّب فتنة بين هذه الفئة وتلك من الشيعة، ويرسخ البغضاء والعداء والتحدّي بين الفئتين ممّا يوهن المذهب بشدة.. فما الأهون؟ التوهين بعدم الاعتراض على المطبرين أم التوهين بالتفكّك والتشرذم؟ مع الأخذ بالاعتبار سعي الظالمين المستميت اليوم لاستهداف الشعائر الحسينية وإخمادها، وربما اختلافنا يشدّ عضدهم.. أحب أن أرى رأيكم في ما ذكرت..
وجزاكم الله خير الجزاء
_____________________________________
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وعظم الله لكم الأجر و بارك الله فيكم و وفقكم لكل خير …
هذا العبد لا يرضى و لم يكن ليرضى بوقوع الفتن و النزاع بين المؤمنين ، و ينظر إلى جميع أتباع أهل البيت الملتزمين بنهجهم عليهم السلام بنظرة و عين واحدة و يراهم جميعاً شيعة أمير المؤمنين عليه السلام ، و كنت و لا زلت من دعاة الوحدة بين المؤمنين حفظهم الله تعالى و رعاهم و أبعد عنهم كل سوء و مكروه ، إلا أن ذلك لا ينفي البحث و النقاش العلمي المستند إلى الأدلة الشرعية و قد ورد أن “ اختلاف أمتي رحمة ” و الاختلاف بكلا معنييه رحمة على الأمة ، الاختلاف بمعنى التزاور بين المؤمنين و هذا معلوم أنه رحمة إلهية كما أنه سبب لنزول الرحمة الإلهية و لا داعي لتوضيح ذلك لسماحتكم ، و كذا الإختلاف بمعنى اختلاف وجهات النظر و لولا الاختلاف لما تكاملت الأفكار و لولاه لما عرف أحد أنه مصيب في رأيه أم مخطئ إلا نادراً … و بهذا الاعتبار يكون الاختلاف سبباً للتكامل العلمي و المعرفي و الأخلاقي و .. و أحاول أن تكون مكتوباتي ذات طابع علمي – نعم أحاول ذلك مع أنني لا أعد نفسي من العلماء – بلا تجريح أحد ، و قد يؤثر ذلك في تجديد النظر من قبل المختلفين في الآراء و لا سيما في الشعائر فبدلاً من أن يتنازعوا فيفشلوا – على حدّ تعبير القرآن الكريم – يتحولوا إلى النقاش العلمي الهادف و المبتني على الأدلة الشرعية من دون إدخال وجهات النظر الشخصية و المبتنية على الرغبات النفسية أحياناً و الخطوط و التيارات السياسية أخرى .. فمن وجهة نظري القاصر الذي أدعي أنه مبتنٍ على الأدلة الشرعية التطبير في هذا العصر على أقل تقدير لا يعدّ شعيرة مؤدية لغرض الحسين عليه السلام فما هو الهدف الأساس في جميع الشعائر هو تبليغ رسالة الحسين عليه السلام و بيان أنه لماذا شاء الله أن يراه قتيلاً و لأي سبب شاء الله أن يرى نساء أهل البيت عليهم السلام سبايا ، و يكفي في هذا الأمر اللطم على الصدور و ضرب ما يسمى بالزنجيل ( الزنجير) مع قراءة المدائح و المراثي المبيِّنة لهدف الحسين عليه السلام و … و أما التطبير فلا أرى أنه يؤثر في إيصال الهدف و تبليغ مقاصد أبي عبد الله الحسين عليه السلام إلى أتباع سائر الطوائف و الأديان بل نرى جميعاً أن الأعداء كيف يتخذونه ذريعة لإظهار المذهب الحق بمظهر الوحشية و لإيقاع الخلاف بين أتباع هذا المذهب الغني بالمعارف العميقة ، و نحن جميعاً نعلم أن الأعداء لا يتمكنون من مواجهة المذهب الحق علمياً و لهذا يبحثون عن أمور فرعية لیست من صلب العقيدة الحقة لأتباع أهل البيت عليهم السلام فيُبعدون الناس بذالك عن التفكر في الاقتراب إلى المذهب بل عن أن يخطر ببالهم و في مخيلتهم أن يميلوا إلى المذهب ومراجعة أدلة أتباعه …
هذا كله مع أن إظهار الحزن و الظهور بمظهر الحزين المصاب بمصيبة الحسين عليه السلام العظيمة لا يحتاج إلى ضرب الرأس بالقامة فعلينا أن لا نخلط الهدف بالوسيلة فمن المعلوم أنه ليس الهدف جرح النفس أو هذا الطقس و هذه الممارسة أو تلك بل الهدف – و كما أشرت – إيصال رسالة الامام الحسين صلوات الله عليه إلى الناس و هذا يتأدّى بالمحاضرات و ذكر المصائب و قراءة المراثي الهادفة و اللطم على الصدور و .. و أما التطبير فغاية ما يقال فيه هو الاستحباب ، و المستحب حتى إذا كان ثابتاً لم يجب العمل به كصلاة الليل و النوافل اليومية و الصدقات المستحبة و الصوم في غير الأيام التي يجب فيها الصوم و الحج المندوب و العمرة و… فكيف بما إذا كان أصل شعيريته محل خلاف و على افتراض الاتفاق على ذلك فهو محل خلاف حسب حكمه الثانوي أيضاً .. لا سيما أن من أمسك بزمام قيادة الأمة – ألا و هو السيد القائد – يراه خلاف مصالح الأمة و المذهب الحق فلماذا نخالفه فنوقع النزاع بين أتباع مذهب واحد ، نعم لو كان ذلك الفعل من الواجبات التي لا بديل لها في نظر مرجع من المراجع لقلنا بأنه لا محيص لمقلديه من العمل بواجبهم الشرعي حسب رأي مرجعهم و هم معذورون في ذلك و أما المستحب – على افتراض ثبوته – فلا يجب العمل به – لا نقول عليه أن لا يعتقد باستحبابه بل لا يطبق هذ المستحب عملاً – لا سيما إذا كانت له بدائل متعددة فلماذا نخالف حامل لواء التشيع بل الاسلام في هذا العصر المستميت في حماية الدين ، و حتى لو اختلفنا معه في الرأي و لكن ما هو الدافع والداعي إلى مخالفة أمره مع عدم وجوب هذه المخالفة لكون العمل من الأساس غير واجب ، فيلزم التأمل الأكثر في جميع ممارساتنا و أقوالنا و تصرفاتنا كي لا نقع في مخالفة الشرع من حيث لا نعلم و لو من باب الأحكام الثانوية من تشويه سمعة المذهب و النزاع في أمثال هذه الأمور التي يمكن تجاوزها بأبسط عزم و إرادة .. نعم هذا العبد لا يعتقد بمواجهة المطبرين في البلاد التي لا يكون ولي الفقيه مبسوط اليد فيها بل يلزم فتح باب البحث و النقاش العلمي الهادف للتوصل إلى النتيجة المطلوبة ، و ما ذكرته في أحد مكتوباتي المتواضعه هو أن ولي الفقيه إذا أمر بشيء من باب الحكم الولائي كان ذلك قانوناً في الدولة التي يكون مبسوط اليد فيها فلا يحق لأحد مخالفته في العلن و شأن ذلك شأن سائر القوانين التي لا تنافي الشرع و التي وُضعت لمصالح المجتمع أو لتنظيم مسيرة الحياة المجتمعية …
و بارك الله فيكم و وفقكم و إيانا لكل خير و لسلوك صراط الله المستقيم صراط العبودية و التسليم له تعالى .. و لا تنسوا هذا العبد من خالص دعواتكم الكريمة و الخالصة ..
جزيل الشكر لكم شيخنا الفاضل على ما تفضلتم به
ولكن أريد أن أضيف توضيحًا..
هذا التساؤل لديّ منذ زمن، ولم أر في أيّ ما كتبتم ما يثير الفتنة والفرقة على الإطلاق، بل كل ما كتبتموه إنما هو كلام علمي مبني على الأدلة الرصينة، وأعتذر منكم لأني لم أوصل المعلومة لكم بشكل جيد..
أقصد بما يثير الفرقة بعض اللطميات والقصائد التي تدافع دفاعًا مستميتًا عن التطبير وتتهم الطرف الآخر بأنّه ليس حسينيًا، وأننا إذا قابلناها بقصائد جديدة تنهى عن التطبير باعتباره مؤذيًا للحسين ع قد لا يتحقق الهدف المرجو.. وكذا النقاشات غير العلمية بين الطرفين أو التحديات غير المباشرة .. هذا ما قصدته، أما المناقشات العلمية فهي الشيء الوحيد الذي نرجوه لأنها عبارة عن البحث في الأدلة وما تؤدي له.. ولأني قرأت في القناة أسئلة تدور حول هذا الموضوع فهذا شجعني على طرح سؤالي، فإنني أثق كثيرًا في دقتكم، وما تتفضلون به علينا..
وقد تعلّمنا منكم أن الأحكام تدور مدار موضوعاتها، وبملاحظاتي تلك قلت لربما الزمن اليوم قد غيّر الموضوع، فسؤالي عن فرصة تغيّر الحكم (فقهيًا).. وهل فعلًا تغيّر الموضوع في الواقع أم أن ملاحظاتي ربما ليست دقيقة.. هذا ما أردت به زيادة توضيح منكم..
_____________________________________
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
لم یتبین لي تغير الموضوع فالوهن و تبليغ الوحشية ضد المذهب الحق لا زال موجوداً مضافاً إلى أن الفقهاء المانعين منه لا زالوا مصرين على ذلك فلو ثبت لديهم تغير الموضوع لبينوا الحكم الجديد وفقاً لذلك التغير و لكن ما نشاهده هو العكس فالشيخ مكارم الشيرازي طلب من المطبرين ترك ذلك قائلاً لهم أنني أقبّل أيديكم و أطلب منكم اجتنابه ، مضافاً إلى ما أشرت إليه من أن المهم إبراز الحزن و البکاء لإيصال رسالة الحسين عليه السلام إلى سائر الناس لا تنفيرهم من المذهب الحق بل من أهل البيت أنفسهم عليهم السلام ، و لهذا لا ينحصر الأمر بالتطبير بل إذا كان الضرب على الطبول بعد منتصف الليل و أثناء استراحة الناس مثلاً مزعجاً لهم و من ثم أوجب ابتعادهم عن الحق ، كان ذلك عملاً مضاداً لحركة الحسين عليه السلام و أهداف ثورته ، فنحن نريد ببرامج التعزية أن نَحْمِل الآخرين على التأمل حينما يروننا نعزي فيسألون لمن تعزون فيقال لهم الحسين ، من هو الحسين؟ ابن بنت رسول الله الذي استشهد قبل حوالي ١٤٠٠ عام .. فهذا يخلق في الأذهان تساؤلات عن الحسين و شخصيته و أهدافه في ثورته و قتلته ، من هذا الحسين الذي قُتل قبل ١٤٠٠ عام و الناس لا زالوا يلطمون صدورهم و يبكون و ينوحون له ، فيؤدي إلى تمعن أهل الفكر و المثقفين منهم، في القضية و السؤال و مراجعة المصادر التاريخية و الكتب المؤلفة حول الحسين عليه السلام فيصبح سبباً و وسيلة للهداية أحياناً فحتى لو اهتدى شخص واحد بهذا الطريق كانت هدايته غنيمة لنا و للدين و المذهب الحق ، و لكن إذا أتينا بالمنفِّرات كان الأمر بالعكس تماماً ، و في تصوري لم يتغير الموضوع ليتغير الحكم ليقال أن هذا العمل لم يعُد من الموهنات المنفرات في هذا العصر ، بل كلما ارتقت ثقافة الناس و تقدم العلم كان أمثال هذه الطقوس أكثر وهناً و أشد تنفيراً للنفوس …