الجميل الذي رأته زينب الكبرى عليها السلام في كربلاء 

سلام عليكم شيخنا العزيز

 اي جميل رأته زينب لما قالت (ما رأيت إلا جميلا)

_____________________________________

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته 

المصائب توجب تأذّي الإنسان و وقوعه في مصاعب و مشاكل و لكن التأذّي إنما يكون في البُعد المُلکي وأما في الجانب الملكوتي فالأمر مختلف تماماً فإنها من هذه الجهة تربي الانسان على قوة القلب والصمود أمام مشاكل و أحزان الدنيا و ترسِّخ صفة الصبر فيه و الصبر موجب لنيل عليا درجات القرب من الله تعالى و مؤدٍ إلى استحقاق الجنة بغير حساب و قبول الأعمال الصالحة بأعلى درجات القبول – كما يستفاد ذلك من آيات الصبر – … فما رأته زينب الكبرى سلام الله عليها و إن كان من أعظم المصائب في البعد المُلكي الدنيوي إلا أنه لم يكن إلا جميلاً في البعد الملكوتي .. 

 و من جانب  آخر فالمصائب إما أن تكون لأجل تكفير الذنوب أو لأجل ترفيع الدرجات و كلاهما لطف من الله تعالى فإن المذنب إذا قدّر  الله تعالى أن يؤاخذه بذنبه فدار أمره بين المؤاخذة في الدنيا بالمصائب و بين المؤاخذة في الآخرة بعذاب الله تعالى في النار ،  فمن المعلوم جلياً أن المصيبة في الدنيا قبال عذاب الآخرة نعمة بل جَنّةٌ فإنها مهما كانت فهي في النهاية قابلة  للتحمل و أما عذاب الآخرة والنار فلا يمكن استحماله أبدا و لا لحظة واحدة فـ ” كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب ” و لهذا ورد أن الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر ،  فمهما أحاطت المصائب و المشاكل بالكافر في الدنيا كانت حالته في الدنيا قياساً إلى وضعيته في الآخرة جنة  و كذا في صورة العكس كما سنشير إليه … ،  إذن مصائب الدنيا إما أنها تكفير للذنوب  و إما أن تكون ترفيعاً للدرجات و الدرجات التي ينالها المؤمن في الآخرة غير قابلة المقارنة مع مصائب هذه الدنيا فيودّ المؤمن هناك أن لو كان قد تقطع في الدنيا إرباً إرباً لينال درجة أعلى مما نالها ،  و بما أن أهل البيت و سيدتنا العظيمة زينب الكبرى سلام الله عليهم أجمعين مصونون من الذنوب فلا يمكن أن تكون المصائب بالنسبة لهم تكفيراً للذنوب فلا محالة هي ترفيع لدرجاتهم عليهم السلام ،  و لو شاهد المؤمن تلك الدرجات التي ينالها يوم القيامة لرأي أن الدنيا مهما كان الانسان منعماً فيها ليست إلا سجناً قد سُجن فیه ، و لا یدرك المؤمن المتوسط ذلك إلا بعد الموت و دخوله جنة البرزخ ومن ثم جنة الآخرة ،  و أما الكُمّل من المؤمنين و المؤمنات من أمثال زينب الكبرى سلام الله عليها فهم يرون الجنة و النار و هم في الدنيا فإنهم قد بلغوا درجة اليقين التي توجب مشاهدة الملكوت و الجنة و النار  ” كلا لو تعلمون علم اليقين لتروُنّ الجحيم ثم لتروُنّها عین اليقين ..  ” و من يكون بدرجة أدنى من هؤلاء ينطبق عليهم ما ذكره أمير المؤمنين في خطبة المتقين  :” فهم و الجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون ،  و هم و النار كمن قد رآها فهم فيها معذبون..  ” فأهل اليقين يرون النار و أهل التقوى لا يرونها و لكنهم كمن يراها ..  فلو شاهد الإنسان الكامل الجنة و نعيمها المادي الجسماني و المعنوي الروحاني و رأى ما يناله من عظيم الدرجات و الجنة و الرضوان قبال المصائب العظيمة في الدنيا لما رأى تلك المصائب قبال هذه الدرجات العُلى إلا جميلاً و جمالاً … 

و من جهة ثالثة نعلم أن جميع ما يحدث في الكون لا يكون إلا بتقدير و قضاء من الله تعالى – سواء كانت من الأفعال الاختيارية للإنسان أم من غيرها بلا منافاة بين الأمرين أي بين كونها تقديراً إلهياً و بين كونها أفعالاً اختيارية للإنسان فإن الثاني في طول الأول و ليس في عرضه وبيانه موكول إلى الأبحاث العقائدية – و من المعلوم أن الله تعالى خلق الخلق و قدّر ما قدّر و قضى ما قضى و شرع الشرائع و ..  لأجل الخير و الرحمة للمخلوق  – من دون عود نفع إليه بل النفع جميعاً عائد إلى الخلق و لهذا الأمر أيضاً تفصيل خارج عن نطاق هذا المختصر و خلاصته أن الله عين الكمال و ما يفعله عين الكمال إنما يفعله لأنه كمال لا لأجل الوصول إلى الكمال ففعلها حکمة بل حِکَمٌ و فوائد و لكن لا يلزم في كون الفعل حكيماً من حكيم أن يكون النفع عائداً إلى الفاعل بل يكفي كونه ذا حكمة و نفع عائد إلى الفعل و فيما يتعلق بالله تعالى يستحيل عود النفع إليه لكونه عين الكمال فصدور الفعل و الفيض منه إنما هو لأجل كونه كمالاً لا لأجل تحصيل الكمال كما أن الجواد يجود لكونه جواداً لا لأن يصبح جواداً خلافاً لغير الجواد حيث يجود ليصبح جواداً لا لكونه جواداً .. فجميع ما يفعله الله تعالى فإنما يعود نفعه إلى الخلق و الخلق يتكامل بذلك إن استفاد منه كما ينبغي و يليق …  – و لا فرق في ذلك بين كون ما يفعله خيراً من وجهة نظرنا المُلكي الدنيوي أم مصيبة و بلاءً …  فما يفعله ليس إلا جميلاً و جمالاً ، و هذا غير بَيّنٍ إلا لمن يرى الملكوت بعين بصيرته … وزينب الكبرى سلام الله عليها قد شاهدت الجميل و الجمال في تلك المصائب العظيمة من البعد الملكي بعينها الملكوتية و بصيرتها الربانية ،  أضف إلى ذلك المقامات المعنوية الروحانية العليا  التي كانت زينب الكبرى قد بلغتها من قبل و برزت نتائحها في مصائب كربلاء و ما بعدها فرضاها برضا الله و تسليمها لأمر الله و … أدت إلى مشاهدة أن المصائب عين الجمال و الجميل … و هذا و أمثاله يفسر لنا ما ورد من أن الامام الحسين عليه كلما اقترب من ظهر يوم عاشوراء ازداد وجهه نوراً و إشراقاً ،  و ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام حينماضربه ابن ملجم اللعين: ” فزت و رب الكعبة ” و ما قاله القاسم لعمه الحسين عليهما السلام ليلة العاشر عندما سأله كيف الموت عندك فقال:  ” أحلى من العسل ” و ما قالته زينب الكبرى في جواب ابن زياد عليه لعائن الله والملائكة و الناس أجمعين إلى أبد الآبدين : “ما رأيت إلا جميلاً ” و … 

وفقنا الله و إياكم للمعرفة و درجات الكمال العليا بحق محمد و آله الطاهرين صلوات الله عليهم…

                                           أيوب الجعفري