سؤال :   

ما المقصود من قوله تعالى  ” لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ” ؟ فما هي الأشياء التي ينهانا القرآن عن السؤال عنها ؟ 

__________________________________

الجواب : 

بسم الله الرحمن الرحيم 

الآية بصدد بيان أن أحكام الله تعالى تكاليف للعباد يلزمهم العمل بها  – إن كانت من الأحكام الإلزامية كالواجبات و المحرمات –  و يكفيهم أن يأتوا بما أُمروا به من دون السؤال عن التفاصيل التي قد توجب تضييق دائرة ما كُلِّفوا به فيصعب عليهم تطبيقه كما في مسألة البقرة التي قد أُمر اليهود بذبحها في القصة المعروفة المذكورة في سورة البقرة حيث أن الله تعالى أمرهم بذبحها فقال عز من قائل : ” وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ” فكان من الممكن أن يذبحوا بقرة بأية صفة و أي لون و في أي سن و ..  و لو كانوا قد فعلوا ذلك لكانوا قد امتثلوا التكليف الذي كان عليهم و لكنهم سألوا خصوصياتها فجاء التحديد و التضييق الموجب لصعوبة العمل و الإمتثال و كلما أضافوا سؤالاً عن خصوصيات جديدة ازدادت الحدود و التضييقات لموضوع الحكم ،  فانظروا إلى أسئلتهم و إلى ازدياد التضييقات و الحدود لموضوع الحكم : ” قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ  قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ  قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ” فكان الواجب هو ذبح بقرةٍ ما أيةِ بقرةٍ كانت ،  و لكنهم بسؤالهم المتزايد حددوها و ضيقوا دائرتها إلى بقرة عوان بين الفارض و البكر و صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ذلول تثير الأرض و لا تسقي الحرث و .. 

فالقرآن الكريم يأمر المؤمنين أن يمتثلوا التكاليف الإلهية كما وردت و لا يسألوا عن التحديدات التي ” عفا الله عنها ” فيؤدي إلى التضييق عليهم و صعوبة أداء التكليف كما فعله هؤلاء اليهود ، فالله تعالى لم يسكت عن تلك القيود و التحديدات نسياناً بل تخفيفاً و لهذا قال : ” عفا الله عنها و الله غفور حليم ” فعليكم أن لا تضيقوا على أنفسكم بالسوال عن تلك التحديدات ،  و يؤيد ذلك ما ورد في روايات الشيعة و السنة  : ” خطبنا رسول الله صلى الله عليه و آله سلم فقال : يا أيها الناس كتب الله عليكم الحج فقام عكاشة بن محصن الأسدي فقال : أفي كل عام يا رسول الله ؟ قال : أما إني لو قلت : نعم لوجبت ، و لو وجبت ثم تركتم لضللتم اسكتوا عنى ما سكت عنكم فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فأنزل الله : ” يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم …  ” و عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : إن الله افترض عليكم فرائض فلا تضيعوها و حدّ لكم حدودا فلا تعتدوها ، و نهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت لكم عن أشياء ولم يدعها نسيانا فلا تتكلفوها .. ” .. 

و من أراد التفصيل و معرفة الوجوه الأخرى في الآية فليراجع التفاسير كتفسير الميزان حيث ذُكر للآية وجوه أو مصاديق أخرى قد تلقاها البعض بالقبول و لكن العلامة الطباطبائي قدس سره الشريف يرى عدم انطباق الآية عليها .. 

موفقين لكل خير 

أيوب الجعفري