سؤال من احد المؤمنين
سلام عليكم شيخنا الكريم
هناك حديث متداول نصه أن (لو اجتمعت الجن والانس على أن يضروك لن يضروك إلا بإذن الله – بما كتبه الله لك – ولو اجتمعت الجن والانس على أن ينفعوك بشيء ما نفعوك إلا بإذن الله – بما كتبه الله لك-) وهناك تتمة تعارض اصول عقائدنا وهي (رفعت الأقلام وجفت الصحف).
السؤال الأول : هل لهذا الحديث صحة عندنا وهل رويت في مصادرنا؟
السؤال الثاني : طبعا لا يمكن لأي شيء في هذا الوجود التصرف او القيام بأي عمل سواء كان عملا نافعا أو ضارا إلا بإذن الله. فكيف يمكن الجمع بين ذلك وظلم الظالمين للمظلومين.
احسنتم وجزيتم خيرا
_______________
و عليكم السلام ورحمة الله و بركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
١ – هذه الرواية عامية نقلها العامة و ليست في مصادرنا ، نعم أصل كون كل شيء بإذن الله تعالى وارد بل قد ورد في القرآن الكريم : “و ما تشاؤون إلا أن يشاء الله ” فلا يتمكن أحد أن يشاء من دون مشيئة الله تعالى فكيف بالفعل الذي تتعلق به المشيئة فإن القدرة على المشيئة و الإرادة و الإختيار منحة إلهية ابتداءً و استمراراً .. و هذا راجع إلى التوحيد الأفعالي و مضمونه أنه لا مؤثر في الوجود إلا الله و سيتبين المقصود منه – بنحو اجمالي و مختصر – في الجواب عن السؤال الثاني ..
٢ – المقصود أنه لا يمكن أن يصدر شيء في هذا الكون و في عالم الوجود إلا بإذن الله تعالى و المراد من الإذن هو الإذن التكويني لا التشريعي ، و المقصود من الإذن التكويني هو أن الله تعالى هو من أعطى الناس و سائر المكلفين – و يعطيهم باستمرار – القدرةَ على فعل ما يريدون فعله من الأفعال الاختيارية – كما أن وجود جميع الأشياء من الله تعالى ابتداءً و استمراراً لانه قد أوجدهم و يفيض عليهم الوجود لحظة بلحظة و لو قطع عنهم هذا الفيض آنا ما لانعدموا، كذلك الأمر في جميع القوى الإدراكية منها و التحريكية فهي نِعَمٌ قد أفاضها الله تعالى و يستمر في إفاضتها عليهم لأنهم لا يملكون شيئا منها من ذواتهم و من تلقاء أنفسهم فكما أن وجودهم ليس من أنفسهم و لو انقطعت الإفاضة انقطع المفاض، كذا قدرةُ الانسان – و الإنسان كمثال و ليس حصرا – على المشيئة و الإرادة أيضاً فيضٌ إلهي ابتداءً و استمراراً فلولا أن الله تعالى يفيض عليه قوة المشيئة و القدرة عليها – أي على المشيئة – آناً فآناً لما تمكّن الإنسان من فعل شيء بل و لا أن يشاء فِعلَ شيء فإذا فعل شيئا من أفعاله الاختيارية فبهذه القدرة على المشيئة يفعله فهو بكامل إرادته يفعل ما يشاء و تصدر منه الأفعال الإرادية و الاختيارية و لكن قوته على الإرادة و الاختيار منحةٌ و نعمة إلهية ابتداء و استمرارا ..
فأفعال الإنسان اختيارية ناتجة عن مشيئته التي منحها الله تعالى إياه لأن العالم عالم التكليف المبتني على الاختيار فلو أجبره على العدل لم يكن العالم عالم التكليف و الاختيار فكما أنه لا يجبر الناس و سائر المكلفين على الظلم لا يجبرهم على العدل أيضا – أقصد أنه تعالى لا يجبرهم على أحد الأمرين من الناحية التكوينية ، نعم يطلب منهم العدلَ و ينهاهم عن الظلم من الناحية التشريعية – فيعطيهم القدرة على العدل و الظلم و بنحو عام يعطيهم القدرة على الطاعة و المعصية ليتحقق التكليف لا أنه يجبرهم على الظلم أو يدعوهم إليه بل يعطيهم القدرة على فعل ذلك و تركه و لولا أنه تعالى قد أعطاهم القدرة على ذلك لما صدر منهم الظلم و لا العدل و ما كانوا قادرين على الطاعة و لا المعصية فالله تعالى أوجدهم و أعطاهم القدرة على المشيئة و الاختيار فهم يختارون بتلك القدرة الممنوحة لهم من قبل الله تعالى، يختارون الظلمَ أو العدل فلا يتمكن أحد من فعل شيء من الخير و الشر و العدل و الظلم إلا بإذن الله تعالى بهذا المعنى فلا ينافي عدلَ الله تعالى، و ظلمُ الظالمين لا يعني انه تعالى أراد و أذن إذنا تشريعيا في الظلم أو أنه أجبر عباده على الظلم تكوينا بل بمعنى أنه مكّنهم من الإتيان بالأفعال الاختيارية و أعطاهم القدرة على ذلك و لكن الإنسان هو من يختار أن يُعمِل قدرته في الظلم و المعصية بسوء اختياره أو في العدل و الطاعة بحسن اختياره و .. هذا و قد فصلنا الكلام في هذا الموضوع في بعض الأجوبة التي تم نشرها سابقا ..
موفقين لكل خير و لا تنسوني من صالح أدعيتكم الخالصة ..
أيوب الجعفري
ليلة الجمعة ٧ ذو القعدة الحرام ١٤٤٢ ق
الموافق ١٨ / ٦ / ٢٠٢١ م