بسم الله الرحمن الرحيم
وردني مقطع من خطبة أحد أئمة الجمعة يتهجم فيها الخطيب على الطائفة الشيعية و يتهمهم بطريقة لا تليق بعوام الناس فضلا عمن يدعي العلم و الفضل و التقوى ، فإن من يدعي العلم و التقى يجب عليه أن يكون مؤمناً تقياً و أن يكون في مناقشاته و أبحاثه موضوعياً فيقبل أو يفند قول الطرف الآخر بمنهجية علمية مع رعاية الأمانة العلمية لا بالإشارات على الآخرين و بأسلوب خطابي بعيد عن المنهجية العلمية و عن التقوى …
و على أية حال هناك نقاط في خطبته يلزم الالتفات إليها و ما يرد عليها ليتبين الحق من الباطل نشير إلى بعضها :
١ – يتحدث عن الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام و هو الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف و يقول بأنه كيف يكون قد دخل السرداب و بقي حياً إلى يومنا هذا ، أَمِنَ المعقول أن يبقى إنسان حياً طيلة ألف و مأتين سنة ؟
و الجواب أن إنكار وجود و حياة الإمام الحجة عليه السلام إنكار لكثير من النصوص الدينية ، فأولاً إذا كان بقاء إنسان حياً لمدة طويلة أمراً مستحيلاً لزم أن يكون بقاء المسيح و غيره ممن وردت النصوص ببقائهم أحياء إلى يومنا هذا أيضاً أمراً مستحيلاً ، و باتفاق الجميع على طول عمر المسيح و الخضر و .. عليهم السلام يتبين عدم استحالة البقاء حياً فترة طويلة و بمئات بل آلاف السنين … مضافاً إلى أن خلود أهل الجنة في الجنة و خلود أهل النار في النار أمر لا يمكن إنكاره ، فهل هو أمر ممكن أم مستحيل ؟ فإذا كان ممكناً فليكن البقاء حياً لمدة طويلة في الدنيا أيضاً أمراً ممكناً ، و في المقابل إذا كان البقاء مدة طويلة في الدنيا أمراً مستحيلاً لزم استحالة الخلود في القيامة بطريق أولى لأن الدنيا و الآخرة ظرفان للحياة و الظرف لا يغير مظروفه فالمستحيل مستحيل سواء كان في الدنيا أو في الآخرة ، كما لا يخفى على أحد …
و ثانياً : هل تشكّون في قدرة الله ؟ ألا يتمكن الله القادر على كل شيء أن يبقي إنساناً أو أي موجود آخر حياً لآلاف السنين ؟ إذا قلتم بأنه لا يتمكن فعليكم بتصحيح عقيدكم بالله و صفاته تعالى ، و إذا قلتم أنه قادر على ذلك فنقول: إذاً هو قادر على إبقاء صاحب الأمر عليه السلام حياً إلى يومنا هذا و إلى أي وقت شاء ..
و ثالثاً هناك روايات متفق عليها يستفاد منها ضرورة وجود الإمام المعصوم عليه السلام حاضراً كان أو غائباً قد تطرقنا لها و لدلالاتها الواضحة على وجود صاحب الأمر عليه السلام في أجوبتنا على بعض الأسئلة الواردة و لا داعي للإطالة بتكرارها و لكن إجمالاً حديث الثقلين و حديث : ” من مات و ليس عليه إمام مات ميتة جاهلية ” و حديث : ” هذا الأمر لا ينقضي حتى يكون فيهم اثنى عشر خليفة كلهم من قريش “ و .. كل هذه الأحاديث و أمثالها تدل على ضرورة وجود الإمام و الخليفة القرشي إلى يومنا هذا و إلا لافترق الثقلان اللذان قد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعدم افتراقهما و لكان موت جميع المسلمين على الجاهلية – أي على الكفر – لعدم وجود امام لهم و عليهم ، و هذا ما لا يلتزم به أحد من السنة و الشيعة …
٢ – إذا ثبت وجوده و حياته عليه السلام و عجل الله تعالى فرجه الشريف فهو حجة الله على الخلق و غيبته لا تنافي كونه حجة فإنه غائب لعدم وجود أرضية الظهور و الحضور من جوانب مختلفة لسنا بصدد الغور فيها في هذه العجالة فإن ذلك يتطلب مجالاً واسعاً … فكلامه من أنه كيف يكون حجة و هو غائب ، في غير محله و غير علمي ، كما أن قوله : ” كيف تستغيثون بشخص غير موجود ” كلام باطل حيث ثبت أنه موجود ، و غيبته لا تضر بصحة الإستغاثة به فإن الغيبة لا تعني عدم علمه بأحوال المؤمنين و غفلته عنهم فإنه من شهداء الأعمال و شهداء الأعمال يتلقون الأعمال ليشهدوا بها يوم القيامة و لازم ذلك أن يكون عليه السلام شاهداً ناظراً إلينا سامعاً لكلامنا و …
و قد ذكرنا في محله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم و الأئمة عليهم السلام مجاري فيض الله تعالى فيمكن الاستغاثة بهم و هم قادرون على الإغاثة بإذن الله تعالى .. و استناده – أي هذا الخطيب – إلى قوله تعالى : ” لا يستطيعون نصركم و لا أنفسهم ينصرون ” حملٌ للآية على خلاف المقصود منها فالآية تريد النهي عن عبادة الأصنام و الدعاء و الطلب منها على أنها آلهة قادرة على فعل ما يطلبه هؤلاء منها ، في حين أن الاستغاثة بأولياء الله تعالى في الواقع استغاثة بالله تعالى لأنهم لا يفعلون و لا يتمكنون من فعل شيء إلا بإذنه تعالى أي بقدرة موهوبة لهم من قِبَلِ الله عز و جل ، مضافاً إلى أنهم أولياء لله فإذا طلبوا منه جل و علا شيئاً استجاب لهم قطعاً ، فاستغاثتنا بهم طلب منهم لأن يدعوا الله تعالى ليقضي حوائجنا و مآل ذلك إلى الطلب من الله تعالى بطريق غير مباشر كما طلب أبناء يعقوب أن يستغفر لهم أبوهم عليه السلام فهم في الواقع قد طلبوا من الله تعالى بطريق غير مباشر أن يغفر لهم و ..
٣ – و أما ما ادعاه في مصرف الخمس و أن المراجع يأخذون الأخماس و يتصرفون فيها للتمتع و… فهذا بهتان و فرية ينبغي لمن يؤم الناس في صلاتهم الابتعاد عنه ، و لا أدري كيف يمكن لمن يدعي الدعوة إلى الله تعالى أن يدعو إلى دين الله تعالى بمخالفة الدين نفسه و بالإفتراء على الآخرين لمجرد أنهم يختلفون معه في العقيدة ؟ ألا يعلم بأنه : ” لا يطاع الله من حيث يُعصى ” أم أنه يعتقد أن الغاية تبرر الوسيلة كما يعتقدها اليهود ؟! كيف يمكن الدعوة إلى الله بالكذب و الإفتراء؟ أوليس الواجب على خطيب الجمعة أن يدعو الناس إلى التقوى ؟ فهل التقوى تعني الإفتراء على من يختلفون معه في العقيدة ؟ و ليت شعري كيف سيواجه الله تعالى يوم القيامة و …؟
إن لم يكن يعلم هذا الخطيب فليعلم أن مصرف الخمس هو دراسة و نشر الفكر الديني و أصول الدين و فروعه و أخلاقه من المعارف المتعلقة بالتوحيد و العدل و النبوة و الإمامة و المعاد و أحكام الشريعة و .. و فقهاؤنا يحتاطون في ذلك أشد احتياط فمع أنه تصلهم مبالغ كبيرة من الأخماس إلا أنهم لا يتصرفون فيها في أمورهم الشخصية و هناك من مراجعنا من لا يملك لنفسه بيتاً مع وصول الأخماس الهائلة إليه .
و في كلامه إشكالات كثيرة أخرى كقوله أن قول الشيعة : ” يا حسين ” يعني اقتلوا أهل السنة ! أليس هذا هو التحريض الطائفي الذي يتهم به الطائفة الأخرى ، مضافاً إلى أن هذا أمر غريب ممن يعيش في أوساط الشيعة و يرى و يسمع و يعلم أنهم يقولون ذلك منذ مئات السنين و لم يقم واحد منهم بقتل شخص واحد من أهل السنة و لا بإيذائه بل على العكس من ذلك يحترمونهم أشد احترام و يمتثلون أمر أئمتهم عليهم السلام في أهل السنة حيث أمروهم بالتعامل معهم بحسن الخلق و أن يعودوا مرضاهم و يشهدوا جنائزهم و يصلّوا خلفهم و .. كما أن أهل السنة أيضاً يتعاملون مع الشيعة بنفس الطريقة إلا أن الفكر و المسلك الأموي يختلف عن ذلك تماماً ..
أعاذنا الله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا ..
أيوب الجعفري