سؤال:
الشرك و إثبات وسائط الفيض :
من صناديق البلاء
يقول المثل البحراني…
((سبعين عمار ما قدروا على خراب )).
ولكن المشتكى لله ….
أود تعليقا من سماحتكم يا . . . .
( و الجدير بالذكر أن الأستاذ حفظه الله طلب من هذا العبد الرد على محاضر ينفي كون الأئمة عليهم السلام معلمي الملائكة و أنه بهم ينزل الغيث و .. و يعتبر ذلك غلواً و كفراً و .. ) فكتبت في الجواب ما يلي :
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته و أسعد الله صباحكم بكل خير و عافية ..
الجواب : قد أجبت على بعض شبهات هذا الشخص فيما سبق فهو قد اشتبه عليه كثير من المفاهيم الدينية و من هو أكمل المخلوقات و مسألة وساطة الفيض في قوسي النزول و الصعود في جانبي التكوين و التشريع ، و الفرق بين كون موجود ما واسطة الفيض و بين الغلو و ترفيع درجة الإنسان الكامل إلى الربوبية و ..
* إذا تبين و ثبت من الأدلة الشرعية و العقلية أن الإنسان الكامل هو أعلى و أكمل الموجودات الامكانية فلا ضير في أن يكون واسطة الفيض في الخلق و الشرع ، في أصل وجود الموجودات الدانية و في تكميلهم بالعلم و المعرفة و .. بل من الضروري أن يكون كذلك لأن الله تعالى أبى أن يجري الأمور إلا بأسبابها ، فإذا لم يكن تدبير الأمور عن طريق المدبرات ” و المدبرات أمراً ” شركاً لزم أن لا يكون نزول الغيث مثلاً بواسطة الإنسان الكامل المتمثل في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و أهل بيته عليهم السلام ، شركاً و كفراً ، و إذا كان نزول الغيث مثلاً بواسطة هؤلاء شركاً و كفراً لزم أن يكون تدبير الأمور بواسطة الملائكة المدبرات أيضاً شركاً و كفراً ، و بما أن القرآن قد صرح بأن من الملائكة من هم مدبرات لأمور الكون فيلزم أن لا يكون التدبير بواسطتهم شركاً و كفراً و إذا لم يكن شركاً و كفراً لزم أن لا يكون نزول الغيث بواسطة أمير المؤمنين عليه السلام مثلاً شركاً و كفراً ..
* هذا من ناحية النقض عليه و أما حل المسألة فهو أن الشرك هو اتخاذ إله خالق مشرِّع غير الله مستقل عنه تعالى يكون عِدْلاً له و في قباله جل و علا ، و أما إذا قلنا بأن الله ينزل الغيث بواسطة مدبرات الأمر أو الكُمّل من الناس ، أو أن الإنسان الكامل يُعلّم الملائكة بما علمه الله تعالى من المعارف الإلهية و … فليس من الشرك في شيء بل هو عين التوحيد ، بل يمكن القول بأن التوحيد ينافي صدور كل شيء من الله تعالى بلا واسطة و ذلك لأجل ما تقرر في العلوم العقلية من أن الواحد لا يصدر منه إلا الواحد و يعنون بذلك أن صدور الكثير بما هو كثير من الواحد بما هو واحد و بسيط الوجود – الذي لا تركب في وجوده و ذاته المتعالية بأي نحو من أنحاء التركب – غير ممكن لأن ذلك ينافي أحديته و بساطة وجوده و يلزم منه تركبه تعالى عن ذلك علواً كبيراً – و بيانه موكول إلى العلوم العقلية – و التركب يستلزم أولاً أن لا يكون “أحداً” و إن كان واحداً – و لكن سيكون واحداً بالعدد لا واحداً بلا عدد كما ستأتي الإشارة إليه – ، و ثانياً أن يكون محتاجاً إلى الأجزاء ، و ثالثاً أن تكون الأجزاء سابقةً في الوجود عليه تعالى – سبقاً رتبياً على أقل تقدير – و رابعاً أن يكون محتاجاً إلى من يركِّب تلك الأجزاء و .. و هذا كله يستلزم النقص و العيب و الحاجة و أن يكون مسبوقاً بالعدم و أن يكون له موجد و .. و كل ذلك ينافي وجوب وجوده و ألوهيته و ربوبيته تعالى لجميع من و ما سواه و …
فتبين أن نفي الوسائط في الفيض الرباني هو الموجب للشرك لا إثباتها لأنه ينافي الأحدية – و غير خافٍ على أهله أنه إذا انتفت الأحدية انتفت الواحدية بمعناها الصحيح أيضاً حيث أننا نعتقد أن الله لا شريك له و لا يمكن أن يكون له شريك بل و لا يمكن افتراض الشريك له أيضاً لأنه موجود غير متناهٍ و غير المتناهي لا يمكن افتراض الثاني له و عدم امكان افتراض الثاني لا يتحقق إلا في الوجود البسيط الذي لا تركب في وجوده بل هو محض الوجود و … و هذا هو المقصود من قول أمير المؤمنين عليه السلام في توصيف الله تعالى : “واحد لا بعدد” … فالواحدية بالمعنى الصحيح لا تتحقق إلا في ظل الأحدية و قد يكون هذا من جملة أسباب ذكر الأحدية قبل الواحدية في سورة التوحيد و التعبير عن الواحدية بقوله : ” و لم يكن له كفواً أحد ” دون ” ليس له كفواً أحد ” كما لا يخفى ..
* و من جانب آخر : الآيات و الروايات هي التي تثبت كونهم عليهم السلام وسائط فيض الله تعالى كما أنها تثبت أنهم أكمل خلق الله تعالى و ليس ذلك من مخترعات الناس حتى نخطئهم فيما قالوا – بمعنى أن ذلك من الناحية العقلية مبتنٍ على أسس و قواعد عقلية متقنة و لكن مع ذلك يسانده الدليل النقلي الشرعي – و قد قالوا صلوات الله عليهم أجمعين : ” نزهونا عن الربوبية و قولوا فينا ما شئتم ” ، فلا أدري بماذا يريد أن يرد على هذا البيان المعرفي المتقن المستند إلى العقل و النقل ؟ أبهذا الكلام الخطابي الذي لا يستند إلى دليل علمي لا من العقل و لا من الشرع ؟
أعاذنا الله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا …
أيوب الجعفري