سلام عليكم
شيخنا الفاضل عندي استفسار إذا ممكن ..
أنا دائما أطلب من الله عز وجل أن يخرج حب الدنيا من قلبي!!
فهل طلب الملذات يعتبر من حب الدنيا؟؟!
كما نعرف أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالذات في هذه العشر الأواخر من هذا الشهر الكريم ( شهر رمضان) كان يوقظ أهله للعبادة وهو كذلك ويبتعد عن النساء .. ، فهل يعتبر ذلك من حب الدنيا أم لما لهذه الأيام من فضل وشرف عظيم عند الله عز وجل ؟؟؟؟؟
وأنا بالفعل أود معرفة ما هو حب الدنيا الذي يجب الابتعاد عنه غير حب المال والجاه وغيره…
_____________________________________________
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حب الدنيا بمعنى التعلق القلبي بها بحيث يكون همّ الانسان تحصيلها و الحفاظ على الموجود منها ، و بعبارة أخرى النظر الى الدنيا على أنها الغاية و الهدف لا أنها وسيلة إلى نيل الكمال المتمثل في القرب العبودي إلى الله تعالى ، فإذا كانت الدنيا و ملذاتها هي الهدف و الغاية فَعَلَ الانسان كل ما بوسعه و استعمل جميع قواه الظاهرية و الباطنية لتحصيلها سواء كان ما يقوم به مُرضیاً للمولى الكريم و المحبوب الحقيقي أم لا ، سواء كان معصية أم لم يكن و سواء كان موجباً لحدوث و رسوخ رذائل أخلاقية في النفس أم لا و .. ، كما أن الحب يجذب المحب إلى محبوبه و يوجب الغفلة عما سواه لا سيما إذا بلغ – أي هذا الحب ـ إلى درجاته العليا من العشق و ما فوقه، فإن بلغ هذه الدرجة فسوف ينقطع العبد عن مولاه و محبوبه الحقيقي و هو الله تعالى حيث أن الإنسان و أي موجود عاقل آخر بل أي ذي شعور و إدراك و إن كان ضعيفاً في شعوره و إدراكه يبحث عن سعادته و كماله و يدرك بأنه كلما تكامل وجد أنه لم يبلغ ما تدفعه نفسه إليه أي أنه لم يصل إلى أعلى مراتب الكمال الذي يوصله إلى الطمأنينة و الاستقرار و الأمن و الأمان و دار السلام .. ، و في الواقع ليس هناك كمال سوى الله تعالى بل هو عين الكمال و لا يستقر العبد إلا بالوصول و القرب العبودي إليه جل و علا ، و إذا كان المحبوب هو الدنيا انقطع المحب عن محبوبه الحقيقي و هذا يعني الفشل في نيل الهدف و المقصود الحقيقي والمطلوب الواقعي ، و الشعور بخيبة الأمل و هذا الشعور ملازم له ما دام القلب متعلقا بالدنيا و… و إذا أردنا أن نلخص آثار ذلك الحب ” حب الدنيا ” في نقاط – من دون حصر – نقول : إن حب الدنيا يوجب :
١ – الانشغال عن هدف الخلق وغايته الحقيقية ..
٢ – ارتكاب المعاصي لنيل المحبوب ( الدنيا)..
٣ – حدوث و من ثم رسوخ الرذائل الأخلافية في القلب ..
٤ – عدم الوصول إلى حالة الاستقرار و الطمأنينة التي يحتاج إليها كل موجود حي لا سيما العاقل منه ..
٥ – العذاب الروحاني في الدنيا حيث أنه لا يصل إلى مطلوبه و محبوبه أبداً فيكون الشعور بخيبة الأمل ملازماً له ما لم ينزع ذلك الحب من قلبه فهو معذب بعدم نيل المطلوب أبداً و المطلوب هو الكمال و هو لا يطلبه وبعبارة أخرى : ما يطلبه ليس بكمال و ما هو كمال لا يطلبه ، مع أنه ليس له هدف سوى نيل الكمال و لكنه أخطأ الطريق …
٦ – الانتهاء إلى النفرة و الاشمئزاز و الضجر فيما إذا نال شيئا من الدنيا فإنه إذا تعلق الحب بالدنيا و الماديات فبتحقق الوصال يتبدل المحبوب إلى المنفور ، و الحب إلى الاشمئزاز ( كما هو مقرر في محله) …
٧ – العذاب الروحاني في الحياة التي تلي هذه الدنيا أي البرزخ و الآخرة حيث أنه قد تعلق قلبه بحب ما فارقه و ليس بموجود حالياً و لا يمكنه تحصيله و الوصول لتعذر عوده إلى الدنيا مرة أخرى .. قال تعالى: ” و حيل بينهم و بين ما يشتهون كما فُعل بأشياعهم من قبل ..”
و لهذا و غيره ورد أن: “حب الدنيا رأس كل خطيئة “ .. و أي عذاب أشد من وجود الحب في القلب مع عدم التمكن من وصال المحبوب ..
و هذا لا يعني عدم الاستفادة من الدنيا و ملذاتها و زينتها ” قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياةخالصة يوم القيامة.. ” بل يعني أن لا يتعلق القلب بحب الدنيا فكم من محظوظ بنعم الدنيا متنعم بها و لكنه مع ذلك لم يتعلق قلبه بها فيستفيد منها للآخرة و للقرب إلى الرب الكريم و .. و كم من محروم منها و لكنه متعلق القلب بها لا هم له سواها فكان ممن خسر الدنيا والآخرة ، فالمهم ليس عدم التنعم بل عدم التعلق القلبي ، المهم ليس أن يكون الانسان معدِماً لا مال له بل المهم أن يتمكن من استعمال ما لديه في سبيل نيل الهدف و الغاية من خلقه ، المهم أن ينظر إلى الدنيا على أنها وسيلة لا هدف كما روي في النهج الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : ” من أبصر بها بَصَّرَتْهُ و من أبصر إليها أعمته “..
دعواتكم .
أيوب الجعفري