سلام عليكم شيخنا الجليل عندي سؤال اساله احد اخوه وهو بخصوص الغاية والعلة من تخليد الكافر في النار لماذا؟
وبكلمة اخرى ، ان العقاب لا بد ان تكون له غاية وحكمة منها التاديب او لوقف انتشار الفساد او الاتعاض للمؤمين فاين هذا في يوم القيامة؟
وما هي الغاية من تخليد الكافر او من استحق عقوبة التخليد في النار؟
____________________________________
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
قد تبين الجواب العام بما كتبناه في الجواب السابق ( حول حكمة خلق الكافر المبتلى) و هو أنه إذا ثبت صدور شيء من الله تعالى سواء كان في التكوين أو التشريع فلا بد له من حكمة علمناها أم لم نعلمها …
إلا أنه يمكن طرح البحث عن موضوع الخلود و الأبدية في النار بنحو تفصيلي كالبحث عن المقصود من الخلود و الأبدية في النار ، هل هو الخلود والأبدية بمعناهما العرفي أم المقصود الخلود الفلسفي بمعنى اللانهاية العقلية و عدم انتهاء أمد جهنم ، فإذا كان المقصود المفهوم العرفي بمعنى البقاء في النار مدة طويلة – كما يقال أن فلاناً قد حُکم عليه بالسجن المؤبد حيث يقصد به مدة طويلة كعشرين عاماً مثلاً – لم يبقَ محل للسؤال المذكور فهم – أي أهل النار المحكوم عليهم بالخلود – قد أذنبوا و عصوا الله تعالى فاستحقوا أن يُعَذَّبوا فترة من الزمن بحسب الذنب أو الذنوب التي ارتكبوها ..
و أما إذا كان المقصود من الخلود البقاء إلى ما لا نهاية له فهو يستدعي البحث عن حكمة البقاء في النار إلى ما لا نهاية له ، و هل البقاء يعني أنهم معذَّبون أيضاً أم أن البقاء في النار لا يستلزم ذلك ؟ و إذا كانوا معذَّبین فهل ینافي العدل الإلهي أم لا ؟ و ..
* هناك من يقول بأن الأبدية و الخلود – بمعنى البقاء إلى ما لا نهاية له – خاص بأهل الجنة فإن أمثال قوله تعالى ” عطاء غير مجذوذ ” تدل على عدم انقطاع نعيم الجنة و هذا لا يتحقق إلا مع بقاء الجنة مع أهلها إلى ما لا نهاية له ، و أما النار فآيات الخلود فيها محمولة على البقاء مدة طويلة ، فهذا القائل يفسر الخلود بما ذكرناه و يقول أن أمثال قوله تعالى ” و ما هم بخارجين من النار ” لا تدل على الإستمرار إلى ما لا نهاية له فهم لا يخرجون من النار و لكنهم يفنون مع فناء النار فلا يخرجون من النار و لا يكونون مخلدين معذبين فيها إلى ما لا نهاية له …
و لكن يرد على هذا القول أولاً أنه لا شاهد عليه و مجرد ادعاء بلا دليل و ثانياً هذا التفسير خلاف ظاهر الآيات التي يفهم منها الخلود بمعنى البقاء إلى ما لا نهاية له ، و ثالثاً تفسير عدم الخروج من النار بفناء النار بمن فيها غير صحيح لأن ذلك – أي فناء النار بمن فيها – يعني الخروج من النار الذي نفته الآية و ذلك لأن الخروج من النار قد يكون مع بقاء النار و قد يكون بفناء النار و بقاء أهلها و قد يكون بفنائهما معاً ، ففي جميع هذه الصور يصدق أنهم خرجوا من النار و …
* و القول الآخر هو أن الخلود و الأبدية بمعنى البقاء إلى ما لا نهاية له إلا أن الخلود بهذا المعنى يختص بالقلة القليلة من أهل النار فإن المستفاد من إشارات بعض الآيات و ظواهر بعض الروايات أن الموحدين لا يُخَلَّدون في النار بل سيخرجون من النار يوماً ما و يدخلون الجنة ..
و لكن يبقى السؤال الذي سبقت الإشارة إليه و هو أنه : ألا يتنافى ذلك و العدل الإلهي ؟ و هل كانت ذنوب أهل النار غير متناهية حتى يعذَّبوا إلى ما لا نهاية له ؟ و قد يجاب عن ذلك بأن المشرك المستحق للخلود هو الروح و الروح لا يدخل في حيّز الزمان لأنها موجود مجرد فإذا تحول الشرك إلى طبيعة ثانویة للروح فالشرك يبقى مع الروح مادامت الروح باقيةً و بما أن الروح من المجردات فلا معنى لفنائها فإذاً يبقى شركها معها و قد قال تعالى : ” و لو رُدّوا لعادوا لما نهوا عنه ” بمعنى أن المشركين الذين أدخلهم الله تعالى النار لو أرجعهم الله جل و علا إلى الدنيا مرة أخرى لعادوا لما نهوا عنه من الشرك و الضلال و الطغيان فلا يستحق المشرك أن يخرج من النار و الله سبحانه قد أخبر أنه ” لا يغفر أن يُشرك به ” فهذا هو الحكمة بل و العلة في الخلود في النار بهذا المعنى ..
نعم ذهب العرفاء إلى أنه لا ملازمة بين وجودهم في النار و بين أن يكونوا معذَّبین بل سیعذَّبون مدة خاصة طالت أو قصرت و بعد ذلك سيتحولون إلى موجودات نارية لا تتعذب بالنار ، و لم أجد من تطرق بعد هذا لحكمة البقاء في النار من دون عذاب ، فمن الممكن أن نقول أن من جملة الحِکَم إزدياد سرور و التذاذ أهل الجنة بنعيمها و أنه لولا إيمانهم و أعمالهم الصالحة لكانوا مثل هؤلاء فيكونون على ذُکْرٍ دائمٍ من ذلك ، فيزدادون سروراً و التذاذاً بما هم فيه من النعيم المقيم و يحمدون الله تعالى على أن وفقهم و هداهم لما فيه سعادتهم الأبدية و فلاحهم الدائم بحياة بلا موت و صحة بلا مرض و علم بلا جهل و عز بلا ذل و غنىً بلا فقرو التذاذ بلا حزن و أمن بلا خوف و نعيم بلا عذاب و …
وفقنا الله و إياكم لمعرفة الدين و نشره بحق محمد و آله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين