السلام عليكم ورحمة الله. 

شيخنا الجليل كيف احوالكم 

تقبل الله اعمالكم 

هناك سؤالان وجههما لي احد الاخوة المؤمنين و هو يبحث عن الجواب الانسب لهما 

1. ما هي الغاية من خلق الله – عز و جل – لهذا الوجود؟

2. اذا كان بعض الناس يعيشون المرارة في حياتهم في الدنيا و لا يؤمنون بالله ثم يستحقون العقاب في نار جهنم فلماذا خلقهم الله اصلا؟

 الم يكن الافضل لو تركهم دون ان يخلقهم

______________________________________

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته 

الحمد لله رب العالمين ،  بخير ببركة دعواتكم الكريمة .. 

١ – قد بين الله تعالى الغاية من الخلق في القرآن الكريم و الروايات  فجعل العلم و المعرفة من جانب و العبودية لله و التقرب العبودي إليه تعالى من جانب آخر حكمة للخلق ، و نحن نعلم – من جهة أخرى – أن الله تعالى حكيم لأن الحكمة من صفات الكمال و لا يمكن أن يكون من هو عين الكمال فاقداً لشيء من الكمالات ،  و من معاني الحكمة كون فعل الحكيم ذا هدف و بما أن الله تعالى هو العالم بكل شيء و القادر على كل شيء و لا يخلو فعل من أفعاله عن الحكمة فخلقه لمن سواه قطعاً سيكون ذا حكمة و هدف سواء علمنا الحمكة و ذلك الهدف أم لم نعلم ،  كما عن الإمام الحسن عليه السلام عندما اعتُرض عليه بشأن صلحه مع معاوية قال للمعترض بأنه : ”  يا أبا سعيد إذا كنتُ إماماً من قِبل الله تعالى ذكره لم يجب أن يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة و إن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبساً .. ”  ثم  يستشهد بخرق السفينة و قتل الغلام و إقامة الجدار من قبل الخضر التي أوجبت سخط موسى لاشتباه وجه الحكمة عليه ،  و هذا بعينه جارٍ في الخلق بنحو أقوى حيث أن الله إذا كان عالماً و علمه مطلق و بلا حدود و كان قادراً على كل ما يشاء و حكیماً لا يفعل ما يخالف الحكمة و لا يصدر منه ما لا هدف له و..  لزم التسليم له في جميع ما يفعله في التكوين و التشريع معاً – و هذا من جملة ما يوجب التسليم و التعبد لله تعالى في الأحكام الشرعية فلا نقول لماذا أوجب الله كذا أو حرم كذا .. – سواء علمنا وجه الحكمة أم لم نعلم لأننا إجمالاً نعلم أنه يستحيل صدور ما ينافي الحكمة منه تعالى و لأمثال هذا السبب يقول عز و جل : ” لا يُسأل عما يفعل و هم يُسألون “..  و لكنه جل و علا مع ذلك قد بيّن لنا – و كما أشرنا إليه – حكمة الخلق و أنها وصول الخلق إلى الكمال المطلوب لهم بالتقرب إلى الله تعالى بجناحي العبودية له و معرفته ،  فقال تعالى : ” و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ” و قال تعالى : ” و اعبد ربك حتى يأتيك اليقين ” و ورد في الحديث القدسي أنه تعالى قال : ” كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف “،  و بذلك يتبين أن كون فعل ذا حكمة لا يلزم أن تكون الحكمة و الفائدة عائدة إلى الفاعل بل إذا كانت الفائدة عائدة إلى نفس الفعل ( المخلوق)  كفى في صدق كون الفعل ذا حكمة ،  و بالنسبة إلى الله تعالى : بما أن الله جل و علا عين الكمال و الغنى و لا يتصور وجود نقص أو عيب أو حاجة فيه ، لا يمكن أن يخلق ليستفيد فلا يمكن أن تكون الحكمة و الفائدة عائدة إليه نفسه و إلا لزم النقص و الحاجة المنفيتين عنه سبحانه قطعاً – لأن الحاجة و النقص يتنافيان و كونه إلهاً واجب الوجود بالذات كما هو مبيَّنٌ في محله – و قد بينا ذلك في بعض أجوبتنا على أسئلة المؤمنين (و قلنا أن كل من يفعل شيئاً فإنما يفعله لنيل الكمال و أما إذا كان موجودٌ ما عینَ الكمال فإنه إذا عمل شيئاً فإنما يفعله لأجل أنه كمال لا لأجل تحصيل الكمال ،  كما أن عدم الخلق مع القدرة عليه بخل في الفيض و هو منزه عنه و سنشير إلى ذلك مرة أخرى .. ) .. و لهذا نقول أن للخلق حكمة و الحكمة هو وصول الخلق إلى الكمال بالقرب العبودي و المعرفي إلى الله تعالى  … 

٢ – و أما بالنسبة للسؤال الثاني فيلزم القول بأن الإنسان يختلف عن سائر المخلوقات – فالملائكة مجردات و عقول محضة لا معنى لصدور الذنب منهم و الحيوانات قد جعل فيها القوى الشهوية و الغضبية فلا تعمل وفقاً للعقل و إن كان لكل منها غريزة خاصة تنظم حياتها بل نقول بوجود إدراك و لو كان ضعيفاً يصحح نوعاً من التكليف فيها و بيانه موكول إلى محله – فإنه أي الإنسان أشرفها و ملاك أشرفيته هو كونه موجوداً مختاراً يسلك صراط الكمال الذي أشرنا إليه باختياره و إرادته و إذا أعطي الاختيار مع جميع ما له دخلٌ في الاختيار في وجوده و في باطنه و في العالم الخارجي ( خارج وجوده) استلزم أن يكفر البعض و يؤمن البعض الآخر لأنه موجود مختار و فيه الغضب و الشهوة من جانب و العقل و الفطرة من جانب آخر فإذا كانت الأهواء و القوى الشهوية هي المسيطرة عليه بسوء اختياره كان كافراً معانداً أو عاصياً متمرداً على المولى و … و إن كانت الفطرة و العقل و الشريعة الربانية هي الغالبة على وجوده بحسن اختياره كان مؤمناً صالحاً … فصيرورته كافراً أمر راجع إليه و لم يخلقه الله تعالى كافراً و إن كان يعلم بأنه سيكفر و لكن العلم ليس علة الكفر بل هو انكشاف للواقع كالمصباح الذي ينير الدرب و ليس صانعاً له و.. 

لا يقال : لماذا خلقه و هو يعلم بأنه سيكفر ، لأننا نقول في الجواب أنا قد أشرنا إلى أن أشرفية الإنسان إنما هو بكونه قادراً على الوصول إلى أعلى الكمالات – أعلى من الملائكة المقربين – باختياره كما أنه قادر على الحركة نحو حضيض الوجود باختياره أيضاً فإذا لم يخلقه كان نقصاً في الفيض بمعنى أن الله تعالى مع قدرته على خلق الأشرف لم يخلقه و هذا نقص في الفيض الإلهي و هو منزه عنه ..

 و في بعض أجوبتنا على أسئلة المؤمنين ما يمكن أن يفيد في هذا المجال و لهذا سأرسل لكم تلك الأسئلة مع الأجوبة ( و قد تم إرسالها لمرسل السؤال )  .. 

  و أما الفقر و المحنة و العيش بمرارة في الدنيا فذلك ظلم من العباد و الله تعالى قد أوجد الخلق و أوجد لهم جميع ما يحتاجون إليه من النعم الظاهرية و الباطنية ،  الجسمانية و الروحانية ،  المادية و المعنوية و .. و بما أن الدنيا دار تكليف فالعباد مكلفون بالتوزيع العادل و كذا التعامل مع بعضهم البعض وفقاً للعدل و الإحسان و الأخلاق الفاضلة و ..  فإذا وقع أحد في المحنة – مؤمناً كان أم كافراً – فهو نتيجة عمل العباد و قضية عالم التكليف و لم يكن ذلك بظلمٍ من الله تعالى و عوذاً به ،  و قد قلنا أن علمه بتحقق ذلك لا يوجب عدم الخلق – أن لا يخلق – من الأساس كما لا يخفى  … و أما العقاب في الآخرة فهو أيضاً نتيجة عمل العبد نفسه بل هو – وفقاً لبيان القرآن الكريم – عين العمل حيث أن للعمل مُلْکاً و ملكوتاً فملكه الغيبة أو القتل أو أكل مال اليتم ظلماً مثلاً و ملكوته العذاب بمعنى أن باطن العمل هو العذاب بعينه كما أن تناول السم ملكه تناوله و ملكوته الموت و لهذا يقول تعالى : ” هل تجزون إلا ما كنتم تعلمون ” فجعل الجزاء نفس أعمالهم ، و الآيات الدالة على ذلك كثيرة ،  و مسألة العلم جوابها نفس الجواب فلا نكرر ..

و بارك الله فيكم و قضى حوائجكم و وفقكم لكل خير ..