سلام

ممكن اتفسر لا يمسه الا المطهرون ماالمقصود

و شكرا

______________________________________

 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته 

يعني أن الكتاب المكنون المذكور في قوله تعالى : ” إنه لقرآن كريم ،  في كتاب مكنون ،  لا يمسه إلا المطهرون ” و هو اللوح المحفوظ يشتمل على علوم دقيقة و معارف عميقة و بواطن غزيرة لا يمكن الوصول إليها إلا لمن طهّره الله تعالى و هم المعصومون بالعصمة الكبرى عليهم آلاف التحية و الثناء الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً كما أخبر عن ذلك في آية التطهير و هي قوله تعالى : ” إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيراً ” ، فاللوح المحفوظ لا يمكن أن يدرك عميق معارفه و دقيق معانيه و باطن مغازيه إلا المعصومون عليهم السلام الذي يعرفون ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ بتعليم من الله تعالى …  

  هذا إذا أرجعنا الضمير في قوله تعالى ” لا يمسه ” إلى الكتاب المكنون كما هو الأظهر و الأقرب لأنه أقرب المرجعين(القرآن – الكتاب المكنون)  ،  و أما إذا أرجعناه إلى القرآن كما عليه كثير من المفسرين  – و قد يكون ذلك لأجل كون القرآن محور الكلام و محط البحث في الآية – فمعناه لا يختلف عن المعنى الأول ،  حيث أن المراد على هذا هو أن القرآن الحاكي لما في اللوح المحفوظ أيضاً يشتمل على معارف دقيقة و معاني عميقة و … لا يعرف تمام مغازيه و بواطنه إلا المعصومون عليهم السلام كما ورد أنه  ” إنما يعرف القرآن من خوطب به ” و صحيح أن القرآن خطابٌ لجميع الناس و بيانٌ لجميع المكلفين كما قال تعالى: ” هذا بيان للناس ” و الناس شامل للمعصومين عليهم السلام و غيرهم إلا أن ذلك يتعلق بظاهر القرآن و عباراته و أما ما يكون فوق الألفاظ و العبارات الظاهرية فالمخاطب به من بلغ درجة يمكن أن يكون محلاً للخطاب بذلك فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : ” كتاب الله على أربعة أشياء : على العبارة و الإشارة و اللطائف و الحقائق ،  فالعبارة للعوام و الإشارة للخواص و اللطائف للأولياء و الحقائق للأنبياء ” و لهذا نقول أن المخاطب بالعبارات و ظواهر الآيات هم العوام ،  و المخاطب بالإشارات هم الخواص و العلماء ، و المخاطب باللطائف هم الأولياء الذي قد هذبوا أنفسهم و بلغوا درجة من صفاء القلب يمكنهم به إدراك المعارف الدقيقة و لطائف المعاني المعرفية ،  و المخاطب بالحقائق هم المعصومون من الأنبياء ( و هو شامل للأئمة عليهم السلام و سيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام بطريق أولى لكونهم عليهم السلام في درجة أعلى من العصمة و سائر مراتب الكمال كما هو مبَیَّنٌ قي محله فإذا كانت الحقائق للأنبياء كانت لأهل البيت عليهم السلام بطريق أولى ،  هذا و  توضيح الإشارات و اللطائف و الحقائق أيضاً يتطلب مجالاً آخر )  و من المعلوم أن كل من كان مخاطباً لمرتبة أعلى من مراتب القرآن الكريم فهو مخاطب للمراتب التي هي دون تلك المرتبة أيضاً و العكس غير صحيح ، فالمخاطب بالإشارات مخاطبٌ بالعبارات أيضاً ،  و المخاطب باللطائف مخاطبٌ بالإشارات و العبارات أيضاً ،  و المخاطب بالحقائق مخاطبٌ باللطائف و الإشارات و العبارات أيضاً دون العكس بمعنى أن المخاطب بالعبارات ليس بالضرورة مخاطباً بالإشارات القرآنية و هكذا .. ،  و نتيجة ذلك أن المعصومين من الأنبياء و الأئمة عليهم السلام مخاطبون بجميع مراتب القرآن الكريم و أما من دونهم فهم مخاطبون ببعض مراتب القرآن الكريم وفقاً لمرتبتهم الكمالية و درجتهم الوجودية ،  فمن يعرف جميع القرآن هم الأنبياء و أهل البيت عليهم السلام و هم من قد طهّرهم الله تعالى فهم المطهَّرون الذين يمسون و يلمسون جميع المعارف الإلهية الواردة في ظاهر القرآن و باطنه بجميع مراتبه – و هم أيضاً على مراتب كما أشرنا فأهل بيت النبوة الختمية في أعلاها – ،  و أما من سواهم فكل منهم يلمس من معارفه بقدر طهارة روحه و صفاء باطنه و نور قلبه إلى أن يصل إلى العبارات التي يفهمها – أو من المفترض أن يفهمها – كل من يعرف اللغة العربية … 

هذا هو المعنى الذي ، يتبادر إلى الذهن من قوله تعالى : ” لا يمسه إلا المطهرون ” ،  و هناك احتمال آخر  – أو أنه من جملة مداليل الآية – و هو أنه لا يجوز مس كتابة القرآن الكريم لغير المتطهر  ،  و هو  – أي عدم جواز مس كتابة القرآن الكريم من دون طهارة – في حدّ ذاته صحيح قد دلت عليه روايات معتبرة و صحاح و أفتى به غالبية الفقهاء ،  إلا أن المحققين من الفقهاء و المفسرين يرون عدم دلالة الآية على هذا المطلوب و إن ورد في بعض الروايات الاستناد إليها لإثبات حرمة مس كتابة القرآن الكريم على المُحْدِث و لكنها ضعيفة السند،  مضافاً إلى أن الآية تتحدث عن أن القرآن الكريم لا يمسه إلا المطهرون ،  و المحدث الذي لا يجوز له مس كتابة القرآن الكريم إذا تطهر بالوضوء أو الغسل أو التيمم فهو من المتطهرين لا المطهرين فإن المطهرين إسم مفعول من باب التفعيل و المتطهرين إسم فاعل من باب التفعّل  و المعنى  المستفاد من البابين مختلف كما نبه عليه بعض الفقهاء ، مضافاً إلى أن ظاهر قوله تعالى ” لا يمسه ” أن لا نافية و ليست ناهية فالآية في مقام الإخبار عن عدم إمكان الوصول إلى أعماق القرآن لغير المطهرين و ليست في مقام النهي عن مس القرآن الكريم ،  نعم بناءً على قراءة : ” المطّهّرون ” بتشديد الطاء و الهاء معاً يكون من باب التفعّل  إذ أصله حينئذ المتطهرون ،  فيمكن القول بأن ” لا ” في قوله: ” لا يمسه ” ناهية تنهى عن مس الكتابة قبل التطهّر  أو أنها نافية في مقام النهي – و إستعمال الجمل الإخبارية في مقام الإنشاء كثير  في اللغة و الأدلة الشرعية – فيكون المعنى لا يجوز مس كتابة القرآن إلا للمتطهر من الحدث أو من الحدث و الخبث معاً ،  و لكن بناء على هذا المعنى يلزم جعله من جملة معاني الآية لا تمام مدلولها فإن المعنى الأول هو الأظهر إن لم نقل أنه الظاهر ،  و لا ضير في تعدد مداليل الآيات القرآنية الصادرة و النازلة من الرب العظيم لا سيما مع أخذ اشتمال القرآن على الظاهر و الباطن و كذا تضمنه للعبارة و الإشارة و اللطائف و الحقائق  ، بعين الاعتبار  كما لا يخفى على من تأمل فيما ذكرناه …

أيوب الجعفري