شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ﴿١٣﴾ الشورى
الله عزوجل شرع لنا من الدين ما وصّى به نوح وبقية أنبياء أولي العزم ابراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام
ولكن لخاتم الرسل الخطاب تختلف كلياً الله يقول له ما أوحينا إليك
وهل الأنبياء السابقة لم تنزل عليهم الوحي ام ماذا؟
افيدونا شيخنا الجليل رحم والديك
______________________________________
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه الآية من الآيات الدالة على أن الشرائع الإلهية المستقلة خمسة شرائع و باقي الأنبياء و المرسلين من أتباع هؤلاء الأنبياء و من مبلّغي أديانهم عليهم جميعاً سلام الله ، و هي – أي هذه الآية – تشتمل على فضل النبي الخاتم على سائر أنبياء الله و منهم أولوا العزم ، و فضل الوحي الختمي على الوحي النازل على الأنبياء السابقين ، و ذلك من عدة جهات :
١ – من المعلوم أن للوحي درجات و مراتب متفاوتة ، و أعلى تلك الدرجات هو الوحي النازل على أولي العزم من الرسل باعتبارهم أفضل الأنبياء و الرسل و أعلاهم درجةً و أصحاب شرائع مستقلة ، و لكن عندما يقارن القرآن الكريم الوحي النازل على أولي العزم من الرسل السابقين سلام الله عليهم أجمعين ، بالوحي النازل على النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم يعتبره – أي الوحي النازل عليهم – مجرد وصايا أنزلها الله تعالى عليهم ، و الوحي الحقيقي هو ما نزل على خاتم الأنبياء والمرسلين عليه و آله و عليهم جميعاً سلام الله ، كما يطلق على أهل الفضل و العلم لفظ العلماء و لكن إذا تم مقارنتهم بالمعصوم نقول أن هؤلاء تلامذة للمعصوم عليه السلام و طلبة للعلم و ليسوا علماء ، و إن كانوا بحدّ ذاتهم – مع غض النظر عن مقارنتهم بالمعصوم – من أعلم علماء بلادهم ، و كذلك الوحي النازل على أولي العزم من أعلى درجات الوحي و لكنه قبال الوحي النازل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يعدّ وحياً بل مجرد وصية من الله تعالى إليهم ..
٢ – استعمال صيغة الغياب لسائر الأنبياء من أولي العزم عليهم السلام و الالتفات من الغياب إلى الخطاب لخاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم ، فهناك يقول وصّى به نوحاً و .. و ما وصّينا به إبراهيم و… – و الإسم الظاهر يعامل معاملة الغائب فيقال زيد هو من قال كذا فيؤتى بضمير الغائب ” هو ” – بينما يغير صيغة الكلام إلى الخطاب بالنسبة للنبي الخاتم فيقول : ” أوحينا إليك ” و لم يقل : ما وصى به نوحاً و أوحى إلى النبي الخاتم و وصى به إبراهيم… ، و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على العناية الخاصة بالنبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم فوق العناية بغيره من أولي العزم من الرسل ..
٣ – ذكر الوصية لنوح عليه السلام بصيغة المفرد : ” وصى ” و للنبي الخاتم وحده بصيغة الجمع: “أوحينا “ و لثلاثة من أولي العزم بالجمع أيضاً: ” وصينا ” إما تعظيما كما قيل أو بياناً لجامعية القرآن و الوحي النازل على النبي الخاتم بحيث يكون وحده مشتملاً على كثير من العطايا الإلهية من العلم و المعرفة و بيان العقائد و الأحكام بل كل ما يحتاج إليه البشرية إلى يوم الدين ، و كذا يشتمل على الرحمة و الشفاء و النور و الإعجاز العلمي و اللفظي و … فالله تعالى قد أنزل هذا الكتاب و الوحي بجمعية صفاته فالعليم القدير الرحيم الودود الغفور … قد أنزل هذا الوحي بمعنى أن هذا الوحي مظهر صفات الله الجلالية و الجمالية ، و ليس هكذا الوحي النازل على نوح فإنه قد يكون مظهراً لبعض الصفات ، كما أنه قد يكون مجموع الوحي النازل على إبراهيم و موسى و عيسى مظهراً لصفات متعددة لا الوحي النازل على كل واحد منهم …
٤ – استعمال ” ما ” الموصولة للوحي النازل على سائر أولي العزم و ” الذي” للنبي الخاتم ، و مع أنهما كليهما إسم موصول و لكن يقول الأدباء أن زيادة المباني تدل على زيادة المعاني ، و مع أن القرآن مبني على الإختصار و بيان أكثر المعاني بأقل الألفاظ ، و كان من الممكن أن يقول : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً و أوحى إليك و وصى إبراهيم و.. ، إلا أنه فصل بينهم أولاً و غيّر التعبير بلفظ يشتمل على حروف أكثر ثانياً و ذلك للتأكيد على أهمية هذا الوحي قبال الوحي على سائر أولي العزم عليهم جميعاً سلام الله تعالى …