سلام عليكم مولانا الشيخ الفاضل
سؤال :
يقال بأنّ ( حب النفس ) فطريّ ، أليس حبّ النفس – باصطلاح الأخلاقيين دون الفلاسفة – من المذمومات، فكيف إذاً يجعل الله هذا المذموم فطرياً؟
هذا طبعاً لأنّ المقول بناءً على معناه الأخلاقيّ المذموم.
فكيف التوفيق؟
ملاحظة :
حب النفس عند الفلاسفة ( النفس بمعنى الروح ) ولا يخفى عليكم ( كتاب النفس ، سفر النفس ) في إطلاقات الملا صدرا رحمه الله بمعنى (الروح).
_____________________________________
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حب النفس في العلوم العقلية ناظر إلى حب الذات ، فكل موجود يحب ذاته فيحب الكمال و السعادة لنفسه في الدنيا و الآخرة ، فكل ما يفعله فإنما يفعله لأجل تحصيل الكمال و السعادة و يدفع عن نفسه كل سوء و مكروه و ما يريد توجيه الخطر و الضرر إليه ، و هذا الحب للنفس قد يستلزم تحمل المشاق و المصاعب و يؤدي إلى الإيثار و التضحية و الجهاد و … و أما حب النفس في مصطلح الأخلاقيين فيعني حب الجانب الشهوي و الأنانية ، أو نقول بأن المراد الإفراط في حب النفس المؤدي إلى الإضرار بها و إيصالها إلى الشقاء بدلاً من السعادة و الكمال .. فبدلاً من الإيثار – الذي يعد من أسباب السعادة و الكمال و السيطرة على النفس الأمارة و .. – يُؤثِر نفسه على غيره ، و بدلاً من الجهاد الأصغر يختار الراحة و الرفاهية ، و بدلاً من الجهاد الأكبر ينتخب الالتذاذات المادية المنافية لسيره و سلوكه نحو الكمال و .. فلا يعرف لنفسه كمالاً غير المادة و الالتذاذات الجسمانية و …
و يمكن القول بأن من يحب النفس بمعناه الأخلاقي و المذموم قد التبس عليه معايير الكمال و اشتبه في ما هو حقيقة الإنسان فالتصق بمُلکه و نسي ملكوته و لهذا بحث و يبحث عن غذاء جانبه المُلکي و الملذات المادية و ترك و يترك غذاء ملكوته و عناصر كماله و سعادته الحقيقية ..
أيوب الجعفري
____________________________________
سؤال :
وهل يمكن عدّ حب النفس – بمصطلح الأخلاقيين- فطرياً ؟
الظاهر – كما أتذكر – قال الإمام الراحل ره في جنود العقل والجهل – أو غيره – بأن كل المصائب مِن حب النفس ، وهو فطريّ .
فأردت الاستفسار : كيف من الممكن أن يكون المذموم فطرياً ؟
نعم لو حملناه على اصطلاح الفلاسفة فالأمر سهل، لكن أن يكون هذا الحب للنفس – بمصطلح الأخلاقيين – فطرياً ، يحتاج إلى توفيق بين الفطرية والمذمومية.
_____________________________________
المقصود أن حب النفس في حد ذاته فطريّ و لكن تبدله إلى رذيلة أخلاقية يعتمد على كيفية إعماله ، فمثلاً الحرص أمر فطريّ كما قال تعالى : ” خُلق الإنسان هلوعاً ” و الهلع الحرص فإذا أعمله الإنسان في تحصيل الكمال بالعلم و العمل و المعرفة كان فضيلة و إن أعمله في كسب الدنيا و ملذاتها المؤدية إلى الغفلة عن الله عز وجل و عن القيامة كان رذيلة ، و بما أن الدنيا دار تكليف و امتحان يلزم أن يكون باب الخيارات المتضادة حتى في القوى الإدراكية و التحريكية مفتوحاً أمام الإنسان و سائر المكلفين ، و هذا من عجيب صنع الله تعالى في المكلفين لا سيما الإنسان حيث جعل فيهم قوى يمكن أن تكون من عوامل الفضيلة و الخير بفعل الإنسان و اختياره كما يمكن أن تكون من عوامل الرذيلة و الشر و ذلك أيضاً بفعل الإنسان و سوء اختياره ..
هدانا الله لفضائل الأخلاق و صالح الأعمال و وقانا رذائل الأخلاق و طالح الأعمال بحق محمد و الآل صلوات الله عليهم أجمعين ..