سلام عليكم شيخنا العزيز

 عندي سؤال

      يقول بعض علماء المسلمين الدعاء يساوي العباد ما رأيكم  عن هذي كلام

     و يقولون الذكر اهل البيت في مجالس عباده

       مامفهوم العباد و الدعاء ؟ 

__________________________________

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته 

بما أنكم طلبتم بيان معنى العبادة فاللازم قبل بيان المقصود من تلك الأمور تفسير العبادة لتزول بعض الشبهات التي تختلج في أذهان بعض المؤمنين جراء الإعلام الطائفي المضلل من قبل من لا يريد خير الأمة ، فنقول متوكلين على العليم القدير : 

العبادة كما فسرها العلامة الطباطبائي قدس سره الشريف هي نصب العبد نفسه في مقام المملوكية لربه، و كما فسرها بعض أكابر العصر بمعنى الخضوع والتذلل لموجود مع الإعتقاد بألوهيته و خالقيته ( و أنه المالك الحقيقي لمن سواه و بيده تدبير الكون و ..) فإذا كان منشأ الخضوع و التذلل للغير هو هذا الاعتقاد كان عبادة و إلا فهو مجرد تعظيم و إن كان في أعلى مراتبه كتعظيم أبوا النبي يوسف و إخوته في السجود له و كذا سجود الملائكة لآدم  ، بناءً على كون السجود لآدم و يوسف عليهما السلام كما هو ظاهر الآية ، لا لأجلهما فإنه محتمل في تفسير هذه الآيات فيكون السجود لله تعالى لأجل خلق آدم عليه السلام و لأجل العثور على يوسف و صيرورته عزيز مصر  و .. ، و لكن بناءً على كون السجود لهما لا يمكن القول بأنه عبادة لهما حيث لا يمكن أن يأمر الله تعالى بعبادة غيره لأن عبادة الغير شركٌ في العبادة و قد جاء جميع الأنبياء و الأولياء للدعوة إلى التوحيد و لا سيما التوحيد العبادي –  لا لأجل أن التوحيد العبادي أهم من التوحيد في الذات الإلهية من حيث الواحدية و الأحدية و سائر أقسام التوحيد بل لأن الشرك الرائج في أغلب الأعصار و الأمصار  لا سيما في عصر الرسالات السماوية ، هو الشرك العبادي – و قد وعد الله تعالى بالعفو و الغفران لمن يشاء و لكنه لا يغفر أن يُشرَك به و … فلا يمکن و لا يُعقل أن يأمر الملائكةَ بعبادة آدم أو أن يعبد نبي من أنبياء الله غيرَه تعالى و … و إن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن التذلل و الخضوع للغير ليس عبادة له و كذا السجود الذي يعد أعلى أو من أعلى مراتب التذلل و الخضوع ، و إنما يكون ذلك عبادة فيما إذا نشأ من الإعتقاد بألوهية المُتَذَلَّلِ له ،  و من الممكن أن يكون عمل ما جائزاً في شريعة من الشرائع الإلهية و ينسخ في سائر الشرائع فيحرمه الله بعد ما كان قد أحله سابقا مثلاً ، و أما أن يكون الشرك محرماً في شريعة جائزاً في أخرى فغير معقول بل هو منافٍ لهدف إرسال الرسل و الأنبياء و تنصيب الأئمة و الأولياء صلوات الله عليهم أجمعين كما قال جل و علا في محكم كتابه الكريم :  ” و لقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله و اجتنبوا الطاغوت  ” و لهذا يقول الجصاص – و هو من كبار علماء و مفسري أهل السنة في القرن الرابع الهجري – في كتاب أحكام القرآن ج ١ ص ٣٧ :  ( وقد كان السجود جائزا في شريعة آدم عليه السلام للمخلوقين ، و يشبه أن يكون قد كان باقيا إلى زمان يوسف عليه السلام ، فكان فيما بينهم لمن يستحق ضربا من التعظيم و يراد إكرامه و تبجيله بمنزلة المصافحة و المعانقة فيما بيننا و بمنزلة تقبيل اليد ، و قد روي عن النبي عليه السلام في إباحة تقبيل اليد أخبار ، وقد روي الكراهة إلا أن السجود لغير الله تعالى على وجه التكرمة والتحية منسوخ بما روت عائشة و جابر بن عبد الله و أنس ، أن النبي عليه السلام قال : ” ما ينبغي لبشر أن يسجد لبشر ، و لو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها  …. ) فعبارته صريحة في جواز السجود في بعض الشرائع السابقة ، و لو كان مجرد السجود عبادة لما حل لأحد فعله لغير الله تعالى بلا فرق بين شريعة و أخرى و لكن السجود للتعظيم لغير الله جل و علا من المحرمات في شريعة الإسلام فإذا سجد أحد لغير الله تعالى من دون أن يكون سجوده ناشئاً عن اعتقاده بألوهية المسجود له فقد ارتكب معصية كبيرة و لكنه ليس بمشرك كما تبين بما تقدم من البيان . 

    و إذا تبين ذلك تبين بأن تعظيم الوالدين – كما أمر القرآن الكريم بخفض جناح الذل لهما .. – و كذا الأساتذة و العلماء فضلاً عن المعصومين عليهم السلام بتقبيل أيديهم و جباههم و تقبيل القرآن الكريم و كل ما له قداسة لأجل وجود نوع إضافة أو صلة بينه و بين الله تعالى ، ليس شركاً كما يروّج له البعض بل عرفت أن الجصاص قد ذكر أن هناك أخباراً تدل على جواز تقبيل اليد و إن قال بوجود روايات تدل على الكراهة أيضاً و لكن الشرك في العبادة لا يمكن أن يكون مباحاً أو مكروهاً فإنه أكبر الكبائر التي لا تُغفز .. 

   و أما فيما يتعلق بموضوع سؤالكم فنقول أن للعبادة مفهومين أو معنيين : عبادة بالمعنى الأخص ( و ليس المقصود هنا العبادة بالمعنى الأخص بالمفهوم الفقهي و الأصولي الذي يكون توقيفياً و .. بل أعم من ذلك ليشمل ما لا يكون توقيفياً ) و هي ما تقدم تفسيره و هذا المعنى شامل للدعاء أيضاً بل الدعاء من أهم مصاديق العبادة لأن حقيقة العبادة الخضوع و إظهار العبودية لمن خلقنا و هو إلهنا و إله جميع الخلق و حقيقة ذلك يرجع إلى إبراز الحاجة إليه تعالى و من المعلوم أن الدعاء الذي هو طلب الداني من العالي إبراز لهذه الحاجة و هو ما یُذَکِّرُ الانسان بحقیقته التي هي كونه عين الحاجة و الفقر إلى الله جل و علا كما قال تعالى : ” يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله و الله هو الغني الحميد “،  كما أن الصلاة تشتمل على الدعاء في كثير من حالاتها كالقنوت و السجود بل في سوره الحمد أيضاً حيث نحمد الله تعالى بصفاته و رحمته الرحمانية العامة و الرحيمية الخاصة وأنه المالك ليوم الدين و هو – أي حمد الله و ذكر محامده و أسمائه الحسنى و الثناء عليه و … – من آداب الدعاء ثم نطلب منه أهم ما يمكن طلبه وهو الهداية إلى صراطه المستقيم و هو الطريق الموصل إلى القرب العبودي و المعرفي منه تعالى و هو السعادة الحقيقية و الكمال المطلوب لكل مخلوق .. فالدعاء يوجب معرفتنا بحقیقتنا التي هي عبوديتنا لله و فقرنا الذاتي إليه و هو الموجب لقربنا من معبودنا الكريم ، فهو مخ العبادة كما في الحديث …

و أما العبادة بالمعنى الأعم فهي كل ما يقرب العبد إلى ربه الكريم و يوجب نيل الكمال و السعادة والثواب و هذا الأمر صادق على كثير من الأعمال الصالحة بل من الممكن أن يقصد الإنسان القربة إلى الله تعالى بالمباحات كما لا يخفى عليكم و العرفاء بالله تعالى لا يرضون أن تضيع عليهم لحظة من عمرهم الذي هو رأسمال الإنسان و يجب أن يصرفه قبال كمال يحصل عليه و لهذا ينوون القربة إلى الله تعالى في جميع أفعالهم فتصبح حياتهم عبادة … و بناءً على ذلك يمكن القول بأن كل عمل يقوم به العبد لله تعالى فهو عبادة و موجب للقرب إليه جل و علا و لهذا و ورد أن النظر إلى الكعبة عبادة و النظر إلى الوالدين عبادة و النظر إلى العالم عبادة و النظر إلى آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم عبادة و النظر إلى وجه علي عليه السلام عبادة ، و في كون النظر إلى وجه علي عبادة روايات متعددة نقلها أهل السنة والشيعة كما في المستدرك للحاكم النيسابوري ج ٣ ص ١٤٢ و … 

فالنظر إلى هؤلاء حباً لهما ينشأ من حب الله تعالى و حب الله عز و جل مقرب إلى الله تبارك و تعالى و كل ما يقرب إلى الله جل جلاله فهو عبادة بالمعنى الأعم كما يقال ذلك في الإصغاء إلى الغير أيضاً حيث ورد أن من أصغى إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله و إن كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان ، فالإصغاء لأجل الطاعة نوع من العبادة فإذا كان الإصغاء إلى أولياء الله و الناقلين لكلام الله كان عبادة مقربة إلى الله جل و علا و هو راجع إلى التوحيد في الطاعة .. 

موفقين لكل خير 

                                  أيوب الجعفري 

ليلة الأحد ٩ ( ١٠) من شهر رمضان المبارك ١٤٣٨ هـ ق  الموافق   ٤ / ٦ / ٢٠١٧ م