آجركم الله على ردكم الكريم، إن أمكنكم وقت فراغكم الإجابة على أسئلة متواضعة تدور في رأسي

١- قرأت في موقع مركز الابحاث العقائدية ردًا على سؤال يتعلق بزيارة القبور فأوردوا فيه ما يلي:

“واما تخصيص قبور خاصة بالزيارة فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه كان يخصص زيارة لقبور خاصة كشهداء احد في البقيع وقبر امه امنة رضوان الله عليها في مكة عام الفتح حيث روى مسلم في صحيحه (3/65) عن ابي هريرة قال : زار النبي (صلى الله عليه وآله) قبر امه فبكى وابكى من حوله فقال : ( استاذنت ربي في ان استغفر لها فلم يؤذن لي واستاذنته في ان ازورها فاذن لي فزوروا القبور فانها تذكر الموت).”

فسؤالي على الحديث المورَد حول أم النبي صلّى الله عليه وآله وعليها السلام، هل يصح الحديث؟ وإن صح فكيف يستقيم عدم الإذن الإلهي له بالاستغفار لوالدته المُعظّمة وقد علمنا أنه يتقلب في الساجدين روحي فداه، وأنه سليل الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة؟! فعدم استغفاره لوالدته دليلٌ على ماذا؟

٢- بخصوص أم المؤمنين سيدتنا خديجة سلام الله تعالى عليها ما هو اعتقادنا بخصوص عمرها؟ لأني رأيت رأيًا لدى بعض الشيعة الأبرار يختلف مع قول المخالفين من كونها كانت أكبر منه صلوات الله عليه وآله بل كان هو يكبرها سنًا.

٣-  

الآية الكريمة (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أن يخسف بكم الأرض…) ما تأويلها علمًا أن الحق سبحانه لا يُحد بحد ولا تخلو منه أرض ولا سماء فلما كان الإقتصار هنا على (من في السماء) وكأنه موقع تواجده وهو المنزه سبحانه عن الزمان والمكان.

وشكرا لجزيل عطائكم سددكم المولى سبحانه وأحسن إليكم.

_____________________________________

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

١ – نعتقد أن آباء و أمهات النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم و أهل بيته عليهم السلام كانوا موحدين و لم يشركوا بالله تعالى طرفة عين و الأدلة على ذلك كثيرة منها ما أشرتم إليه من قوله تعالى : “  و توكل على العزيز الرحيم ،  الذي يراك حين تقوم ،  و تقلبك في الساجدين ” الشعراء  ٢١٧  – ٢١٩ .. حيث ورد في بعض الأخبار أن المقصود تقلبه صلى الله عليه وآله وسلم في الاصلاب ،  و إن كان هناك روايات أخرى تدل على أن المقصود تقلبه صلى الله عليه وآله وسلم بين المصلين و المؤمنين و لكن لا منافاة بين التفسيرين فأحدهما تفسير لظاهر الآية و الآخر بيان لمصداق خفي أو باطني – و غالبية الروايات الواردة في التفسير تفسِّر الآيات بذكر مصاديق إما جلية أو خفية أو مختلف فيها أو عليا المصاديق  و توضيح ذلك مع ذكر مصادیق التفسير بالمصداق – بالأنحاء الأربعة – الواردة في الروايات موكول إلى محله – .. 

 

    و قد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ” لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات حتى أخرجني في عالمكم هذا  ” قال أمين الإسلام الطبرسي رحمه الله تعالى في مجمع البيان  ج ٤ ص ٩٠ : ” و لو كان في آبائه كافر ،  لم يصف جميعهم بالطهارة مع قوله تعالى {إنما المشركون نجس } .. 

 و أما ما ورد فيما نقلتم من مركز الأبحاث العقائدية فهو استدلال على جواز زيارة أهل القبور بروايات أهل السنة حيث أن هناك منهم من يحرِّم زیارة أهل القبور  فيلزم الاستدلال بما يقبله هؤلاء ، و الصحاح من أهم مصادرهم الروائية التي يتلقونها تلقّي الصحيح المقطوع به ،  و لا يخفى عليكم أن من جملة طرق الاستدلال هو الجدال بالتي هي أحسن كما ورد في القرآن الكريم و الجدال الحسن هو الاستدلال بما يقبله الخصم سواء كان مقبولاً لدى المستدل أيضاً أم لا  كما أن الجدال بالتي هي أحسن هو الاستدلال بما يقبله الخصم مع مقبوليته لدى المستدل أيضاً ،  فنحن و لأجل إلزامهم بجواز زيارة أهل القبور نستدل بما ورد في مصادرهم و صحاحهم ، و لا يعني ذلك أننا نعتقد بصحة جميع ما ورد في روايات زيارة أهل القبور الواردة في الصحاح لأننا لا نعتقد بصحة جميع الروايات حتى المنقولة في مصادرنا فكيف بمصادر غيرنا ،  و بطبيعة الحال صحة الصحاح أيضاً مجرد ادعاء لا يلتزم به أصحابه – أي أصحاب هذا الإدعاء -أيضاً حيث أن في الصحيحين ما لا يلتزم به هؤلاء و … و توضيح ذلك موكول إلى محله  ..  و الخلاصة أن نقل الحديث إنما كان لإثبات جواز زيارة أهل القبور لا لإثبات كفر والدي النبي صلى الله عليه و آله و سلم  فيمكن إلزام من يرى الحرمة بهذا الحديث ( و إلزامه بذلك في هذا الجانب من مصاديق الجدال بالتي هي أحسن)  و أما ذيله فنحن لا نقبله لورود روايات كثيرة عندنا دالة على أن والدي رسول الله و أميرِ المؤمنين و جدهما عبد المطلب و سائر أجدادهما و جداتهما كانوا موحدين لم يشركوا باللهو لم يسجدوا لصنم قط …. 

   ٢ – هناك اختلاف في عمرها الشريف حين زواج النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بها ، فمنهم من يقول بكونها آنذاك في سن الأربعين و منهم من يقول بأنها كانت في الخامسة و العشرين أي أنها كانت في سن النبي صلى الله عليه وآله وسلم و … ، و لكن ليس هذا الأمر مهماً كي يقوم الباحث بالتدقيق و التحقيق فيه ،  و المهم هو معرفة كمالات الأولياء و الكُمّلِ من الناس للإقتداء بهم و السير على خطاهم لنيل تلك الكمالات أو مراتب منها ،  و أما معرفة سن هؤلاء الكُمَّلِ حين الزواج أو عند الوفاة و الإستشهاد فليس بذلك الأمر المهم إذ لا مدخلية لذلك في كمالهم و في لزوم الإقتداء بهم و السير على خطاهم و ..  نعم أحيانا يكون لمعرفة السن مدخلية في معرفة عظمة الشخصية و اتصاله بما وراء الطبيعة و بعالم الملكوت و … فمعرفة سن الإمام الجواد عليه السلام حينما تلبس بالإمامة الفعلية و كذا عندما أجاب على سؤال يحيى بن أكثم حول صيد المحرم ،  بما یحيّر  العقول و یعجز عنه أرباب العلوم ،  معرفة سنه عليه السلام آنذاك يدلنا على أن هذه الشخصية إلهية متصلة بعالم الملكوت و أن علم هذا الإنسان العظيم من العلوم اللدنية المفاضة عليه من قبل رب العالمين و ليس من العلوم الإكتسابية بالتحصيل و الدراسة ،  حيث لا يمكن لمن هو في هذا السن و لم يكن له مجال لدراسة الفقه بهذا التفصيل مع هذه التفريعات الكثيرة أن يجيب على سؤال أعلم علماء العامة بما أوجب تلجلجه – كما في تعبير الرواية – إلا إذا كان علمه لدنياً و كان من أصدق و أعلى و أجلى مصاديق قوله تعالى : ” و علمناه من لدُنّا علماً ” ..  فمعرفة السن في أمثال هذا المورد مُفيد جداً بل قد يوجب هداية البعض إلى الحق  … و أما معرفة سن ولي من الأولياء حين زواجه أو مماته فليس أمراً مهماً كما أنه ليس من الأمور التي يلزم الإعتقاد و الالتزام بها 

٣ – ليس المقصود أن الله تعالى موجود في السماء دون الأرض فإن الله تعالى أولاً ليس موجوداً جسمانياً حتى يكون له حيّز و مكان و ثانياً ليس موجوداً محدوداً بل هو موجود غير متناهٍ و هو عين الوجود و لا يخلو منه شيء بمعنى أنه حاضر في كل مكان و عند كل من له مكان و من ليس له مكان حضوراً قيومياً و علمياً و ..  لا بمعنى حضور جسم عند جسم أو في جسم  بل بمعنى أن كل شيء قائم به في أصل وجوده و استمراره فهو من أفاض الوجود على جميع الموجودات و يفيض عليها الوجود آناً فآن و الموجودات تستفيض الوجود منه تعالى باستمرار دون انقطاع – فإن المعلول قائم بعلته في أصل وجوده و في استمرار وجوده – فلو لم يُفِضِ الوجود آناً واحداً لانعدم جميع الموجودات ،  فهو مع كل شيء معية قيومية ، كما أنه حاضر مع و عند كل شي حضورياً علمياً فلا يغيب عنه شيء و لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات و لا في الأرض  و لا  يخرج عن حيطة قدرته أحد …  

و بذلك يتبين أنه ليس المقصود أن الله تعالى موجود في السماء قبال الأرض فهو في السماء إله و في الأرض إله و ألوهيته سارية في جميع الوجود و عالم الإمكان ،  بل المقصود أحد أمرين الأول : من في السماء هم الملائكة المدبرات للأمور ” و المدبرات أمراً ” الذين هم في السماء ،  و الإتيان بصيغة المفرد في قوله “أن يخسف” باعتبار لفظ ” من ” الموصولة حيث أنه إذا كان مصداقها الجمع جاز إرجاع ضمير الجمع إليها باعتبار المعنى كما يجوز إرجاع ضمير المفرد إليها باعتبار اللفظ ..  فيكون المعنى : ءأمنتم أن يخسف الملائكة المستقرون المقيمون في السماء المدبرون لأمور و شئون العالم ،  يخسفوا بكم الأرض أي يشقوها و يدخلوكم في باطنها بإذن من الله تعالى …

و الثاني أن يكون المراد ممن في السماء هو الله تعالى لا الملائكة و لكن بتأويل أن تدبيره تعالى في السماء كما قال جل و علا : ” يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ” فبما أنه سبحانه و تعالى موجود مجرد تام  لا يمكن أن يكون له محل و مكان و حيّز و إلا لما كان مجرداً تاماً بل كان مركباً و المركب محدود و محتاج إلى أجزائه و إلى من يركِّب تلك الأجزاء ليوجد ذلك المركب في الخارج و هذا يستلزم الحدوث أيضاً فلا يمكن أن يكون هو الله الواجب الوجود بذاته لأنه سبحانه و تعالى واجب الوجود بالذات من جميع الجهات غير حادث و لا محتاج بل هو قديم أزلي بالأزلية الذاتية غني بالذات و على الإطلاق ،  فلا يمكن أن يكون في السماء بأن تكون السماء مكاناً له  محيطاً به و يكون هو محاطاً بها ، بل يكون تدبيره لشئون الكون من السماء ..  كما أنه من الممكن أن يكون المقصود من السماء المقام العالي لأن السماء من السُمُوّ بمعنى العُلُوّ  فإن استُعمل في السماء الجسماني كان المقصود جهة العلو  و إن استُعمل في الأمور المعنوية و المعرفية كان المقصود العظمة أو المعرفة العالية أو المقام العلي العظيم  فيكون المعنى ءأمنتم من هو في المقام العالي العظيم أن يخسف بكم الأرض    فبأي هذه التفاسير فسّرنا “من في السماء”  و ” السماء ” لم يلزم كون الله تعالى في السماء بمعنى تحديده جل و علا بمكان دون مكان

وفقنا الله و إياكم لمعرفة الدين و نشره بحق محمد و آله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين

أيوب الجعفري