توضيح شبهة حول علم الله تعالى بذاته مع جوابها :
ذكر علماء الكلام – كما ورد في كتاب محاضرات في الإلهيات أيضاً – شبهة حول علم الذات المتعالية بنفسها و أنه يستلزم التعدد و الإثنينية في الذات المتعالية و أجابوا عليها بكفاية التعدد الاعتباري ، يرجى توضيح الشبهة مع جوابها ..
_____________________________________
الجواب :
من جملة صفات الله تعالى هو العلم و هو على نوعين – باعتبار متعلَّقه – فقد يكون المقصود علمه بذاته تعالى و قد يكون المقصود علمه بغيره جل و علا بمعنى أنه قد يكون متعلَّق علمه هذ الذات المتعالية و قد يكون متعلَّقه غيره ، و في علمه بغيره قد يكون العلم قبل الخلق و قد يكون بعده ..
و البراهين على علمه بذاته متعددة من جملتها كونه – أي العلم بالذات – كمالاً قد أفاضه الله تعالى على غيره – فالإنسان مثلاً يعلم بذاته علماً حضورياً و نعلم أن ذلك العلم كمال قد أفاضه الله تعالى عليه – و مفيض الكمال واجد له بنحو أتم و أكمل لأن فاقد الشيء لا يعطيه ..
و من جملة البراهين هو أن العلم هو الحضور – حضور المعلوم لدى العالم إما بنفسه كما في العلم الحضوري و إما بصورته كما في العلم الحصولي – و ملاك الحضور العلمي هو التجرد لأن المادة ليس لها وجود جمعي بل هي ذات أجزاء متفرقة غائبٌ بعضها عن البعض فباطن كف اليد مثلاً لا يُدرك ظاهرها ، كما أن المادة في حال التحول و التغير الدائم فلا يمكن أن تكون عالمة بشيء وهي تتغير و تتحول من شيء إلى شيء آخر بشكل مستمر ..
فإذا كان العلم هو الحضور و كان ملاك الحضور هو التجرد و كان الله تعالى مجرداً تاماً و جميع أنواع التركب كانت منفية عنه تعالى فلا محالة هو عالم بذاته ..
شبهة :
قد استشكل البعض على علمه بذاته بأن العلم نسبة بين العالم و المعلوم فيلزم أن يكون هناك عالم و معلوم ليتحقق العلم بوجود أو حدوث تلك النسبة بينهما ، و النتيجة أن العلم يستلزم الإثنينية و تعدد العالم و المعلوم ، و بما أنه قد ثبت في محله أن الله تعالى واحد و أحد – ليس متعدداً بل يمتنع الثاني بل يمتنع افتراضه ، كما أنه أحدي الذات بسيط ليس فيه أي نوع من أنواع التركب الخارجي و الذهني و التركب من الوجود و العدم و … – لا يمكن افتراض التعدد و الإثنينية في ذاته تعالى ..
فإذا كان العلم مستلزماً للتعدد و الإثنينية و كانت ذاته المتعالية بسيطة مجردة عن جميع أنحاء التركب بحيث لا يمكن افتراض الإثنينية فيه لزم نفي علمه تعالى بذاته ، و بتعبير آخر : إما أن ننفي التوحيد بمعناه الصحيح و الدقيق و إما أن ننفي العلم بالذات و بما أنه قد ثبت في محله بالبراهين القاطعة أنه واحد أحد لزم نفي العلم بالذات لئلا يلزم نفي التوحيد و الأحدية ..
الجواب :
لزوم الإثنينية و المغايرة بين العالم و المعلوم أمر مسلم إلا أن الإثنينية قد تكون حقيقية واقعية كالإنسان العالم و الكتاب المعلوم له ، و قد تكون اعتبارية فمع أنه شيء واحد و لكن بتعدد نظرتنا إلى مختلف المفاهيم الصادقة على ذلك الواحد الواقعي و المصداقي ننتزع منه عناوين مختلفة ..
و التغاير و الإثنينية الواقعية ليست ملاكاً لأصل العلم بما هو علم بل هو ملاك نوع خاص من العلم و هو العلم الحصولي ، و أما العلم الحضوري فيكفي فيه التغاير الاعتباري الذي ننتزعه من انطباق المفاهيم المختلفة على الشيء الواحد ، و فيما نحن فيه ننتزع ثلاثة مفاهيم العلم و العالم و المعلوم فباعتبار الإنكشاف ننتزع عنوان العلم و باعتبار مكشوفية الذات للذات ننتزع عنوان المعلوم و باعتبار كون الذات واقفة على الذات محيطة بها ننتزع عنوان العالم ، فلا منافاة بين أحدية الذات و بين العلم بالذات لأن الذات الواحدة الأحدية واحدة أحدية مصداقاً و واقعاً و لكن ينتزع منها عناوين مختلفة كما ينطبق عليها مفاهيم متعددة كما هو مبين في التوحيد الصفاتي حيث نقول هناك بوحدة المصداق و تعدد المفاهيم كالعلم و القدرة و الحياة ..
و مثالاً على ذلك في الأمور الاعتبارية – و لأجل التقريب إلى الذهن فقط و إلا فالمثال غير المُمَثَّل – بيع الوكيل السلعة على نفسه فهو بائعٌ و مشترٍ مع أنه خارجاً واحدٌ ، و لكنه باعتبار كونه وكيلاً ، بائعٌ ، و باعتبار كونه شخصاً مستقلاً يعمل لنفسه ، مشترٍ ، و فيما نحن فيه أيضاً الله تعالى باعتبار كونه محيطاً بذاته واقفاً عليها وقوفاً علمياً فهو عالم ، و باعتبار كون ذاته منكشفة له حاضرة لديه تعالى فهو معلوم .. فلا حاجة في تحقق العلم الحضوري إلى تعدد الذات و يكفي تعدد الاعتبارات الموجبة لتعدد العناوين المنتزعة ..
وفقكم الله الله لكل خير ..
أيوب الجعفري
https://telegram.me/ayoobaljafary