*الحفاظ على القلب من الوسواس*
*بسم الله الرحمن الرحيم*
تم نشر حديث المعراج ضمن الأحاديث التي يتم نشرها بعنوان : حديث اليوم من سلسلة “أنوارٌ إلهية و دُرَرٌ ولائية” : فطرح بعض الإخوة سؤالا أو لنقُل إستفساراً حول فقرة من الحديث يتعلق بوسوسة القلب، فإليكم تلك الفقرة من الحديث مع الاستفسار المذكور و جوابه :
بحار الأنوار – العلامة المجلسي رض – ج٧٤ ص٢٢ في حديث المعراج : .. يا أحمد و عزتي و جلالي ما من عبد مؤمن ضمن لي بأربع خصال إلا أدخلته الجنة : يطوي لسانه إلا بما يعنيه، و يحفظ قلبه من الوسواس، و يحفظ علمي و نظري إليه، و تكون قرة عينه الجوع ..
*الاستفسار :*
شيخنا العزيز، طوي اللسان وحفظ العلم والجوع، ممكن التحكم فيه اراديا لكن القلب صعب التحكم فيه اراديا، أوليس تمت تسمية القلب قلبا لتقلبه، فكيف يمكن للانسان أن يصون قلبه، ( هل ) بالاعمال الصالحة والتوسل باهل البيت؟
*الجواب :*
*بسم الله الرحمن الرحيم*
للأعمال و الصفات الراسخة ( الملكات القلبية ) تأثيرٌ و تأثُّرٌ متقابل في بعضهما البعض فالإتيان بعمل ما قد لا يكون متأثِّرا من صفة قلبية راسخة و لكن يصدر ذلك العمل من الإنسان فيراه أو يحسبه حسنا فيكرره و بتكراره تتولد صفة قلبية و بإكثار تكراره تترسخ تلك الصفة و تصبح عادة أو ملكة نفسانية ( فإن كثيرا من الصفات تتولد بالأعمال و تترسخ بتكرار تلك الأعمال ) .. فهنا نجد أن العمل هو الذي ولّد الصفةَ النفسانية و لكن بعد ما أصبح العمل ملكة نفسانية ينعكس الأمر فتصدر الأعمال وفقاً لتلك الصفة النفسانية فعادته أو ملكته النفسانية تدعوه للقيام بذلك العمل – بنحو الاقتضاء احياناً و العلية أخرى – و طبعا لا ينفي ذلك أن يبقى للعمل تأثير في القلب و صفاته و ملكاته فمع أنه يعمل وفقا لصفته و ملكته إلا أن العمل أيضا إذا صدر مرة أخرى أثَّر في ترسُّخ تلك الملكة أكثر فأكثر .. قال تعالى : ” قل كل يعمل على شاكلته ” فالشاكلة النفسانية و ما تَشَكَّلَ به القلب منشأُ صدور الأعمال كما أنها سبب تلوُّن العمل بالصبغة المناسبة لها فالعمل الصادر من الشجاع حين حدوث مناشئ الخوف غير الصادر من الجبان كما أن العمل الصادر من السخي الكريم حين بروز حاجة إنسانٍ ما ، يختلف عن التصرف الصادر من البخيل اللئيم و .. إلا أن الكَرَم و السخاء و البُخل و اللؤم و كذا الشجاعة و الجبن و غيرها من الصفات ناتجة عن الأعمال في بداية الأمر كما أن ترسُّخها أيضا ناتج عن تكرار تلك الأعمال بكثرة .. فالقلب يتقلب و لكن تقلبه ليس بالضرورة غير اختياري بل هو اختياري أحيانا و اضطراري ناتج عن اختيار، أخرى .. ففي الحديث المذكور يمكن التفسير بهذه الطريقة : الوسواس قد يكون متعلقا بالأفعال و قد يكون متعلقا بالعقائد و الأفكار ، ففي الأعمال : ما يوجب حدوث الوسوسة أمور متعددة منها الشك فعليه التغلب على الشك و أن يعمل بالوظيفة المقررة في الشرع في موارد الشك و بذلك يكون قد عمل بوظيفته، كما يكون قد منع من تأثير الشك في القلب ليتحول إلى صفة راسخة فيصبح بذلك شكاكا ثم تتحول شكاكيته إلى الوسوسة فعليه السيطرة على الشكوك من بداية الأمر كي يحافظ على قلبه من الوسواس ، فقد يكون الإنسان الوسواسي مضطرا في فعلِ ما توسوس به نفسه إلا أن هذا الاضطرار ناتج عن اختياره فهو من مشى وراء الشكوك و لم يسيطر عليها بالعمل بما بيّنه الشرع و كلّفه به فأدى ذلك إلى سيطرة الوسوسة على قلبه و غلبتها عليه و ذلك ما نشاهده في الوسواسيين في مسألة الطهارة و النجاسة و في الصلاة و أدائها بشكل صحيح و ..
و أما إذا كانت الوسوسة في الأفكار و الأمور العقدية فيلزم السيطرة عليها بمجرد حدوث أيّ شك بشأن أحد المعتقدات الحقة من وجود الله تعالى و التوحيد في مختلف أبعاده و العدل و النبوة و الامامة و المعاد و … فإن الشيطان يوسوس للإنسان أحيانا فيجعله يشك في أبده البديهيات، و ما يجب فعله على هذا الإنسان هو التغلب على هذه الوسوسة أولاً بتقوية عقائده بالأدلة و البراهين العقلية و النقلية و ثانيا بذكر الله تعالى و من جملتها الإكثار من الحولقة و ثالثا بالدعاء و الطلب من الله تعالى أن يعينه في السيطرة على وساوس الشيطان – و هناك أدعية خاصة تعين الإنسان على دفع أو رفع و إزالة الوسوسة ففي مستدرك الوسائل ج ٦ ص ٤٢٤ – ٤٢٥ : الحديث ٧١٤١ / ٤ عن كميل بن زياد، عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنه قال في وصيته عليه السلام له: يا كميل إذا وسوس الشيطان في صدرك، فقل : “أعوذ بالله القوي، من الشيطان الغوي، و أعوذ بمحمد الرضي، من شر ما قُدِّرَ و قُضِي، و أعوذ بإله الناس، من شر الجنة و الناس أجمعين، و سلم” ( يحتمل أن يكون المراد من قوله عليه السلام : “و سلّم” أن يقول السلام عليكم كما يحتمل أن يكون المراد السلام على النبي و آله صلوات الله عليهم أجمعين بأن يقول : السلام عليك أيها النبي و على آل بيتك الطيبين الطاهرين ، و هذا الاحتمال أقرب لا سيما مع أخذ الرواية التالية بعين الاعتبار لأنها تختم الدعاء بالصلاة على النبي و آله صلوات الله عليهم أجمعين ) .. و في رواية أخرى “أعوذ بالله القوي، من الشيطان الغوي، و أعوذ بمحمد الرضي، من شر ما قُدِّرَ و قُضِي، و أعوذ بإله الناس، وأعوذ بإله الطيبين من شر الجنة و الناس أجمعين، سبحان الله العظيم و الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد و آل محمد” . و رابعا بالتوسل بالمقربين لدى الله تعالى فهم وسائط فيض الله تعالى كما أن الله تعالى لا يرد لهم دعاء – و تفصيله موكول إلى محله و قد بيّنّا جانبا منه في بعض الأجوبة – و بذلك يتمكن من المحافظة على القلب المتقلب من التقلب الناتج عن الوساوس الشيطانية ..
موفقين لكل خير و لا تنسوني من صالح أدعيتكم الخالصة ..
أيوب الجعفري
يوم الاحد ٢٨ شعبان المعظم ١٤٤٢ق
الموافق ١١ / ٤ / ٢٠٢١ م