*إذاعة سر أهل البيت عليهم السلام
*سؤال :*
( ورد في الروايات : ) “كمن يذيع اسرارنا” كثيرا ما أقرأ هذه العبارة و لكن لا أعرف المقصود، فهل يمكنكم بيان المراد ؟
*الجواب :*
بسم الله الرحمن الرحيم
ورد في بعض الروايات النهي عن إفشاء أسرار أهل البيت عليهم السلام و ذم من يذيعها كما ورد أن كتمان السر من سنن الله تعالى ففي وصية الامام الصادق المصدق عليه السلام لعبد الله بن جندب : “رحم الله قوما كانوا سراجا و منارا، كانوا دعاة إلينا بأعمالهم و مجهود طاقتهم ليس كمن يذيع أسرارنا” – تحف العقول ص ٣٠١ – و عن الإمام الرضا عليه السلام : [ لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال : سنة من ربه و سنة من نبيه و سنة من وليه، فأما السنة من ربه فكتمان السر قال الله عز و جل : “عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول” و أما السنة من نبيه فمداراة الناس فإن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه و آله بمداراة الناس فقال : “خذ العفو و أمر بالعرف” و أما السنة من وليه فالصبر في البأساء و الضراء] ..
و أما المقصود من إذاعة السر فنقول مختصرا : إن معنى و مفهوم إذاعة سر أهل البيت عليهم السلام واضح لا يحتاج إلى بيان فإن كان هناك غموض فهو من حيث المصداق و تحديد الموارد التي تعد من أسرار أهل البيت عليهم السلام و يصدق على إذاعتها و إفشائها إذاعة سرّ اهل البيت عليهم السلام، و يمكن القول بأن لإذاعة السر مصاديقَ متعددة منها المعارف الإلهية الدقيقة و العميقة التي ليس بمقدور كل أحد فهمها و بلوغ مغزاها لا سيما من لم يأخذ معارفه من أهل البيت عليهم السلام فإننا لا نجد المعارف الدقيقة و العميقة عند غيرهم و عندما نراجع كلمات هؤلاء نجدها خالية عن تلك المعارف الإلهية الدقيقة، بينما نجد في المعارف الإلهية التي بيّنها لنا أهل البيت عليهم السلام ما تتحير العقول من عمقها و يعجز البعض و أحيانا جميع من سواهم عليهم السلام من فهمها و بلوغ عمق مغزاها و أحيانا يحسب من لا باع له في المعارف الإلهية منافاتها للمعتقدات الحقة الثابتة كالتوحيد فيلزم إخفاؤها كي لا نُتّهم بما يتنافى و المعتقدات الحقة الثابتة و الواضحة للجميع ..
و من جملة المصاديق مقامات أهل البيت عليهم السلام فنعلم أن لهم مقاماتٍ من القرب إلى الله تعالى و كمالاتٍ وجوديةً و فضائلَ روحانيةً لا يدرك عمقها غيرهم صلوات الله عليهم أجمعين و .. فذكرُ جميع تلك المقامات لجميع الناس إفشاء لسر من أسرارهم التي لا يريدون وصولها للجميع لأنهم سيكونون في معرض الاتهام بالغلو، و أهل البيت عليهم قد ذكروا لنا أننا لا نتمكن من معرفة مقاماتهم كما هي بحسب الواقع فأمرونا – كما ورد في حديث مشهور – بأن نُنَزِّلَهُم أو نُنَزِّهَهُم عن الربوبية و نقول فيهم ما شئنا فإننا لا نبلغ حقيقة ما هم عليه فإفشاء هذا السر لغير أهله أيضا ممنوع للحيلولة دون توجه الاتهام بالغلو إلى أتباع أهل البيت عليهم السلام العارفين بحقهم صلوات الله عليهم أجمعين ..
و من جملة الأسرار الإمام المعصوم الذي استخلفه الإمامُ السابقُ عليه السلام فإن الحكام كانوا يبحثون أحيانا عن الامام التالي ليقتلوه فمثلا لما استُشهد الإمام الصادق عليه السلام أمر المنصور الدوانيقي والي المدينة ( محمد بن سليمان ) بأن يبحث عمن أوصى الإمام الصادق عليه السلام به و استخلفه للإمامة بعده و يقطع رأسه و بحث والي المدينة عنه فوجد أن الإمام الصادق عليه السلام قد أوصى إلى خمسة ( و ذلك لأنه إمام معصوم يعلم بما سيجري بعده فأوصى إلى خمسة للحفاظ على الإمام الكاظم الذي هو الامام بعده صلوات الله عليهما ) و هم منصور الدوانيقي نفسه و والي المدينة و عبد الله بن جعفر ( الابن الأكبر للامام الصادق عليه السلام ) و الامام الكاظم و حميدة زوجة الإمام الصادق عليه السلام ، و لما أخبر والي المدينة المنصورَ بذلك غضب و قال كيف يمكن قتل جميع هؤلاء و .. فحافظ الإمام الصادق على الإمام الكاظم عليهما السلام بهذه الطريقة و كان من الواجب على الجميع إخفاء هذا السر و هو أن الإمام الذي أوصى به الإمام الصادق عليه السلام في السر لخُلّص الشيعة هو الإمام الكاظم عليه السلام و نفس الأمر كان في عصر الإمام العسكري عليه السلام حينما وُلد الإمام المنتظر المهدي عليه السلام و عجل فرجه الشريف فكان من الواجب إخفاء سر ولادة صاحب الأمر عليه السلام و عجّل الله فرجه و ذلك للحفاظ عليه صلوات الله عليه و بلغ التشديد على ضرورة إخفاء هذا السر إلى درجة تحريم ذكر اسمه الشريف صلوات الله عليه ..
و من جملة المصاديقِ مواردُ التقية التي تُعرِّض الشيعة و المؤمنين للخطر فعلى جميع من يرى نفسه أنه مؤمن مراعاة التقية للحفاظ على أرواح المؤمنين التي كانت معرَّضة للخطر في كثير من العصور و نجد ذلك في عصرنا أيضا في بعض الأوساط و عند بعض الفرق التكفيرية الضالة و ..
موفقين لكل خير ..
دعواتكم الكريمة .
أيوب الجعفري
يوم السبت ٢٧ ذو الحجة الحرام ١٤٤٢ق
الموافق ٧ / ٨ / ٢٠٢١م