هل يثاب الإنسان بسجود ظله و ركوعه
سلام عليكم شيخنا… سؤالي غريب بعض الشئ…
*هل يجازى الإنسان بظله في حالة الركوع والسجود*
والله في محكم كتابه ذكر الظل بقوله : “أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا” .
__________________________________________
الجواب :
و عليكم السلام ورحمة الله و بركاته
الاستشهاد بقوله تعالى : “و لله يسجد من في السماوات و من في الأرض طوعا و كَرها و ظلالُهم بالغدوّ و الآصال” أقرب إلى المقصود من الآية التي تفضلتم بالاستشهاد بها فإن هذه الآية صريحة في سجود الظل لله تعالى لأن قوله جل و علا : “و ظلالُهم” معطوف على “من” الموصولة فيكون المعنى : “و لله يسجد .. ظلالُهم” ..
إلا أنه مع ذلك لا تدل هذه الآية – فضلا عما استشهدتم به – على ترتُّب الثواب للانسان على سجود ظله لله تعالى فإن قانون الجزاء متعلق بالأفعال الاختيارية للمكلف – من الجن و الإنس و غيرهما – و سجود الظل – سواء كان المقصود سجوده التكويني أو التشريعي أو كليهما – ليس باختيار الإنسان بل و ليس من فعل الإنسان ليكون اختياريا له أو غير اختياري بل هو فعل الظل نفسه حيث أن القرآن الكريم يشير في كثير من آياته إلى أن جميع الموجودات تسبح لله و تسجد له و تعبده، و التسبيح قد يكون تكوينيا بمعنى أن كل موجود من عالم الإمكان كما يدل على وجود من أوجده أي خالقه و هو الله تعالى يدل على نزاهته تعالى عن كل عيب و نقص فكل موجود إمكاني يُنَزّه اللهَ سبحانه و تعالى أي يسبحه و يدل على نزاهته و طهارته من العيب و النقص و عن كل ما يُعد من خصائص عالم الإمكان و الموجودات الإمكانية ..
و قد يكون التسبيح تشريعيا أي مبتنيا على أحكام قد شرّعها الله تعالى للمكلفين، و التكليف لا يكون إلا فيما إذا كان المكلَّف موجودا مختارا يتمكن من الفعل و الترك و من فعل هذا أو ذاك فإذا سبح الموجودُ ربَّه باختياره كان تسبيحه تشريعيا .. و القرآن يدل على كلا النوعين من التسبيح فالتسبيح التكويني واضح و لا حاجة لطرح الآيات الدالة عليه، و أما التشريعي فقوله تعالى : “إن من شيء إلا يسبح بحمده و لكن لا تفقهون تسبيحهم” دالٌّ عليه لان التسبيح التكويني يفقهه أو يتمكن أن يفقهه جميع العقلاء و إن لم يكن هناك دين و شريعة فما لا نفقهه من تسبيح الكائنات ( و الآية تدل على أن ذلك فعل جميع الكائنات لأن “شيء” نكرة في سياق النفي و هي تفيد الاستغراق و الشمولية مضافا إلى الحصر المستفاد من النفي و الاستثناء و الذي يفيد شمولية هذا التسبيح من قبل جميع الموجودات الإمكانية بلا استثناء ) هو التسبيح التشريعي فمهما تعقلنا و تأملنا لا نتمكن من أن نُدرك أن للجبل مثلا إدراكا و شعورا و من ثم اختيارا و تكليفا مُبتنيا على ذلك الاختيار فيلزم أن يكون للموجودات و من جملتها ظلالُ الناس تسبيحٌ اختياري تشريعي لا نفقهه ( طبعا العقل يتمكن من إثبات إمكان كون الموجودات المادية ذات شعور و إدراك و من ثم ذات تسبيح تشريعي و لكنه لا يتمكن من إثبات وقوع ذلك التسبيح التشريعي المبتني على الشرع و الوحي الإلهي .. ) ..
و مع ذلك كله : إثبات التسبيح التشريعي و العبادة الاختيارية للظلال لا يدل على أن تسبيحها و سجودها و عبادتها فعلٌ اختياريٌ لنا كي نُثاب عليه بل هو فعل للظلال و ليس لنا ( مع أن الآية لا تتحدث عن سجودها و إرادتها عند ركوعنا و سجودنا بل تذكر أنها تسجد لله تعالى سواء كنا نحن في حالة السجود و الركوع أم لم نكن ) فإذا كان هناك ثواب – و قلنا بان للموجودات و منها الظلال سجودا و تسبيحا تشريعيا مضافا إلى التكويني – فهو – أي ذلك الثواب – للظلال نفسها و ليس لنا ..
هذا كله حسب قانون الجزاء و المجازاة و أما من حيث فضل الله تعالى فلا يبعد من فضل الله تعالى أن يثيب عباده لسجود ظلالهم له تعالى ..
موفقين مسددين .
دعواتكم الكريمة ..
أيوب الجعفري
يوم الاثنين ٥ صفر ١٤٤٣ ق
الموافق ١٣ / ٩ / ٢٠٢١ م