ألا ينافي مضاعفة ثواب السادة و عذابهم الحكمة الإلهية ؟

( وردني سؤال من أحد فضلاء السادة يقول فيه ما مضمونه : هل صحيح ما هو شائع بين البعض من أن ثواب السادة في أعمالهم الصالحة ضعف ثواب غيرهم و عذابهم في معاصيهم ضعف عذاب الآخرين ؟ و على افتراض صحته نعلم بأنه لا ينافي العدل لعدم استحقاق أحد شيئاً على الله تعالى و لكن أليس ذلك منافياً لحكمته تعالى ، فلو أن شخصين أحدهما من السادة و الآخر من غيرهم كانا مطيعين لله تعالى عاملين بالصالحات و .. في درجة واحدة ، ألا يحق لذلك الشخص الذي ليس من السادة أن يتساءل : لماذا أصبح ثواب السيد ضعف ثوابي مع أنه لم يأت بأكثر مما جئت به ؟ … ( فكتبت في الجواب ما يلي )

_____________________________________

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته سيدنا الجليل …

* لم أجد رواية تدل على أن ثواب السادة ضعف ثواب غيرهم و عذابهم ضعف عذابهم فإن الله قد خلق الجنة لمن أطاعه و أحسن و لو كان عبداً حبشياً و خلق النار لمن عصاه و لو كان سيداً أو ولداً قرشياً – كما في بعض الروايات – ، نعم وردت مضاعفة العذاب و الثواب لأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن الكريم و ذلك لأجل نفس الطاعة أو المعصية و لأجل الحفاظ على حرمة البيت النبوي و هتكها ، مضافاً إلى أنهن كنّ مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيرين معاجزه و محاسن أخلاقه و نزول الوحي عليه و تعبده لله جل و علا و … فالمرتقب منهن الطاعة و البعد عن المعصية أكثر من غيرهن ، أضف إلى ذلك أن صلاح البيت النبوي صلى الله عليه وآله وسلم يوجب تشويق الآخرين بالعمل بشريعة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فيصبحن بذلك قدوتهم كما أن تخلفهن عن الشرع و ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوجب تجرؤ سائر الناس على ارتكاب الذنوب و المعاصي و … فإذا أخذنا كل ذلك بعين الاعتبار تبين لنا بجلاء أن مضاعفة الثواب و العذاب كما لا ينافيان العدل لا ينافيان الحكمة أيضاً … و أما بالنسبة للسادة فكما قلت لكم لم أجد رواية تدل على ذلك إلا أنه يمكن القول بأنه إذا تحقق الملاك في مورد ما أمكن الالتزام بتلك المضاعفة و لكن لا يختص ذلك بالسادة فإذا كان العالم مثلاً ملتزماً بالدين ورعاً تقياً أصبح قدوة لعامة الناس و بذلك يستحق الثواب المضاعف لأجل ورعه و تقواه مضافاً إلى كونه قدوةً للناس و سبباً لهدايتهم و سلوكهم صراط التقوى و سبيل الورع و الهدى ، و إذا لم يلتزم بالدين و لم يعمل بما يعلم أصبح سبباً لتجرؤ الناس على العصيان و ارتكاب الموبقات بل قد يسبب ذلك استهزاءهم بأصل الدين و الخروج منه أحياناً و بذلك يستحق العذاب ضعفين بل أضعافاً مضاعفة أحياناً ، قال تعالى : ” ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة و من أوزار الذين يضلونهم بغير علم .. ” و قال جل و علا : ” و ليحملُنّ أثقالهم و أثقالاً مع أثقالهم .. ” .. و السيد أيضاً إذا أصبح موقعه الإجتماعي بحيث يقتدي به الناس ، أو كان السيد – و لأجل سيادته – في عرف مجتمع ما قدوةً للناس فلا يتوقعون منه إلا الطاعة و الصلاح و الإصلاح لا التمرد على الله تعالى و كانت طاعته سبباً لهداية الناس و الإقتداء به في الصالحات ، و معصيته سبباً لتجرئهم على ارتكاب المعاصي ، لم يبعد الإلتزام بذلك في حقه فيكون مستحقاً بالطاعة ضعف الثواب و بالمعصية ضعف العقاب ..

و أما ما تفضلتم به من أنه إذا افترضنا سيداً مع شخص آخر من غير السادة قد أطاعا الله تعالى طيلة عمرهما و لم يرتكبا معصية ، ألا يحق لذلك الشخص أن يتساءل عن موجب الفرق بينهما في الثواب ؟ فالجواب هو أنه أولاً لم يثبت الفرق بينهما و ثانياً على افتراض ثبوته – و لو كان لأجل الملاكات السابقة – نقول أنه لو كان الأمر متعلقاً بجانب الثواب فقط لكان لذلك التساؤل وجه إلا أنه غير منحصر به إذ المفروض أنه يستحق ضعف العقاب و العذاب أيضاً إذا كان ارتكب المعصية ، ألا يحق للسيد حينئذ أن يتساءل عن وجه مضاعفة عذابه مع أنه لم يرتكب أكثر مما ارتكبه غيره ؟ فالحل هو أن للمضاعفة في كلا الطرفين ملاكاً و حكمةً فعصيانه لا ينحصر بجانبه الفردي بل يسري إلى عامة الناس فيؤدي إلى ارتكابهم المعاصي كما أن ورعه و تقواه لا يتعلق بخصوص شخصه بل يؤدي إلى اقتداء الناس به و … ( كما أن من له الغُنْم فعليه الغُرْم – بمعنى أنه إذا كان ثوابه مضاعفاً فلا ضير في كون عذابه أيضاً مضاعفاً و لكن يلزم أن يكون ذلك لجهة و ملاك كما بيّنا ) .. هذا كله فيما إذا ثبت أن عذابه و ثوابه مضاعفان أو كان ممن يُقتدى به لجهة خاصة أو لسيادته كأن يعيش في مجتمع يرون للسادة موقعاً يجعلهم قدوة للناس .. و أما إذا لم يثبت ذلك و لم يكن له ذلك الموقع الذي يجعله قدوة للغير و لم يكن عصيانه هتكاً لحرمة البيت النبوي صلى الله عليه وآله وسلم و طاعته سببا للحفاظ عليها ، لم يكن وجه للمضاعفة كما لا يخفى …

و بارك الله فيكم و وفقكم لكل خير و لا تنسوني من صالح دعواتكم الخالصة

أيوب الجعفري

———————————————————————————–

استفسار من أحد السادة المؤمنين دام عزه بعد قراءة الجواب السابق :

شيخنا سمعت قبل سنوات في احد محاضرات السيد دستغيب عن الامام السجاد ع :
للمحسن منا اجران و للمسيء عقابان.
هل يمكنكم التحقق منها.
بارك الله فيكم.

و الجواب :

نعم ورد ذلك في بعض المصادر كالبحار و ظاهر الروايات اختصاص ذلك بالمعصومين عليهم السلام و لا يعم جميع السادة حيث قال الإمام السجاد عليه السلام : إني لأرجو للمحسن منا أجرين و أخاف على المسيء ، و في خبر آخر أنه قال له رجل : إنكم أهل بيت مغفور لكم ، قال : فغضب و قال : نحن أحرى أن يجري فينا ما أجرى الله في أزواج النبي صلى الله عليه وآله ، من أن نكون كما تقول ، إنا نرى لمحسننا ضعفين من الأجر و لمسيئنا ضعفين من العذاب ، ثم قرأ الآيتين .. فالرواية الثانية تدل على الاختصاص لا سيما مع التعبير بقوله عليه السلام: ” نحن أحرى ” ، نعم لو قلنا بعموم الرواية الأولى كان الملاك ما ذكرناه في الجواب السابق ..

أيوب الجعفري