كمثل حبة أنبتت سبع سنابل

أحد المؤمنين : السلام عليكم مولانا .. ممكن توضح تفسير الآيات بشكل مبسط .. رحم الله والديكم

أقول : يشير المستفسر الموقر إلى ما ذكره متحدث في ملف مرئي من أن قوله تعالى : “مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مأة حبة و الله يضاعف لمن يشاء و الله واسع عليم” لا يعني أن أجر الإنفاق هو هذا المقدار بل المنفق نفسه سيصبح كحبة أنبتت سبع سنابل .. كما أن إبراهيم كان أمة ..

فطلب مني المستفسر الموقر أن أبيّن ذلك بشكل مبسط فأقول في الجواب مستعينا بالله تعالى :

و عليكم السلام ورحمة الله و بركاته

مراد المتحدث هو أن الآية في مقام بيان أن الإنسان المنفق هو من يتضاعف و يصبح بمنزلة سبعمأة إنسان أو أكثر كما أن إبراهيم كان أمة .. و طبعا هذا المعنى ( أي صيرورة الإنسان أمة – و لیس بالأسلوب الذي يطرحه المتحدث من أنه يصبح الإنسان سبعمأة إنسان و أكثر – ) لا بأس به في حدّ ذاته بل هو أمر واقع و قد كان ابراهيم عليه السلام أمة إلا أنه لا يتناسب و سياق الآية لا سيما اذا أخذنا قوله تعالى : “و الله يضاعف لمن يشاء” بعين الاعتبار حيث أن المضاعفة حسب هذه الجملة تكون “لمن” يشاء الله تعالى فتكون المضاعفة لصالح المنفق لا أن المنفق هو من يتضاعف، و لهذا نجد أن المفسرين عادة يقدّرون محذوفا في الكلام فيقولون أن تقدير الآية : “مثل ( إنفاق ) الذين ينفقون أموالهم كمثل حبة ..” أو : “مثل الذين ينفقون أموالهم كمثل ( مَن زرع ) حبة أنبتت سبع سنابل ..” فيكون المعنى مضاعفة أجر ما ينفقه الإنسان في سبيل الله – لا مضاعفة نفس المُنفِق و صيرورته أمةً – و يؤيده ما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال : ” .. يا مغرور ألا تحمد من تعطيه فانيا و يعطيك باقيا، درهم يفنى بعشرة تبقى إلى سبعمأة ضعف مضاعفة من جواد كريم .. ” ..

فالتفسير الأول الذي أشار إليه المتحدث – و هو مضاعفة ثواب الإنفاق و ليس مضاعفة المنفق نفسه – و نفى صحته، صحيحٌ لا إشكال فيه بل تؤيده الروايات مضافا إلى ما فهمه المفسرون من الآية، و أما التفسير الثاني الذي رأى المتحدث أنه هو الصواب و هو أن الذي يتضاعف هو المنفق فيصبح في وحدته أمةً، فهذا التفسير – و كما أشرنا – لا يتناسب و ظاهرَ الآية و إن كان في حد ذاته – مع غض النظر عن الآية و مضمونها – قابلا للقبول و التصحيح بل إذا أردنا أن نفسر الآية بما يدل على ارتقاء درجة نفس المنفق من كونه فردا إلى كونه أمة أي أن الانفاق يؤدي إلى صيرورته أمة فهناك تفسير معرفي آخر أدق منه و قد يكون قابلا لانطباق الآية عليه ، و إجماله هو أن الإنفاق في سبيل الله يزيل صفة البخل و الشح من نفس المُنْفِق و إذا أزال السالك بإنفاقه صفةَ البخل و الشح من نفسه فقد أنبت محلها صفةَ الكرم و السخاء و إذا أنبت ذلك في قلبه تولدت منه خصال حميدة أخرى و ترتبت عليه آثار و بركات عظيمة من قبيل الانقطاع عن الدنيا و ما يفنى و الانقطاع إلى الله تعالى و التعلق بما يبقى، و بزوال حب الدنيا عن القلب و بتعلقِه – أي القلب – بالله تعالى ستزول جميع الرذائل من القلب و سيتحلى بالفضائل فيكون الإنفاق سببا لتحوّل المنفق إلى انسان كامل – بقدر انقطاعه عن الدنيا و حبِّها و بقدر حبه لله و تعلقِه القلبي به و بجنة الرضوان – فيكون قلبُ هذا الإنسان مجمعَ الفضائل نتيجة الإنفاق أي أنه قد عمل عملا واحدا و هو الإنفاق و نتج عنه فضائل و كمالات عظيمة كما تنبت من حبة واحدة سبعُ سنابل في كل سنبلة مأة حبة و الله يضاعف لمن يشاء و الله واسع عليم، و المضاعفة – كما أشرنا – تكون على قدر درجة الخلوصِ و الانقطاعِ إلى الله تعالى و عن الدنيا و عالم المُلك و ظلمته و كدوراته .. كما أن أجر و ثواب الإنفاق نفسه على قدر درجة الخلوص و التقوى فقد يكون الأجر سبعمأة و قد يتضاعف إلى ألف و أربعمأة ( و الله يضاعف لمن يشاء ) و قد يكون بما لا يحصيه الإنسان ( و الله واسع عليم ) فكما أن أجر الإنفاق سيتضاعف كذلك سيتضاعف درجة المنفق حتى يصبح بمفرده أمة فتكون مضاعفة درجات المنفق و كمالاته إلى أن يصبح أمة من جملة مصاديق قوله جل و علا : “و الله يضاعف لمن يشاء” أي يضاعف الدرجات لمن يشاء إلى أن يصبح أمة قانتا لله ..

موفقين مسددين  ..
دعواتكم الكريمة .

أيوب الجعفري

ليلة الأحد ٧ جمادى الأولى ١٤٤٣ ق
الموافق ١٢ / ١٢ / ٢٠٢١ م