إثبات الغيب عقلاً
السلام عليكم شيخنا،،
أريد أدلة عقلية لوجود الغيب وعالم المجردات ؟ من عندكم أو ترشدونا إلى شيء نستفيد منه.
___________________________________________________
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
غيب الغيوب هو الله تعالى و قد ثبت وجوده بالأدلة العقلية و النقلية و العلمية ، كما ثبتت رسالة الأنبياء إجمالاً و نعلم أن النبي إذا كان نبياً حقاً لا يمكن أن يصدر منه الكذب و ما هو خلاف الواقع ، و الأنبياء جميعاً قد أخبروا بوجود الملائكة و نزولها عليهم و الإتيان بالوحي و تدبير الأمور بإذن الله تعالى و … فإذا كانوا صادقين في كلامهم ثبت وجود المجردات ، و المجردات من الغيب ..
و ثانياً لا يمكن صدور المادي البحت من الله تعالى بشكل مباشر – و النقص في قابلية القابل لا فاعلية الفاعل – كما ثبت في محله ، فيلزم خلق المجردات – التي هي أيضاً مركبات بنوع من أنواع التركب إذ لا يخلو مخلوق من التركب و على أقل تقدير أخس أنواع التركب و هو التركب من الوجود و العدم و هو محتاج لشرح و بيان ( و يمكن استفادة ذلك من قوله تعالى في سورة الذاريات : ” وَمِنْ كُل ِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِين ” ببيان يطول ذكره هنا) … و لكن تركبها ليس بمعنى جسميتها فإن التركب لا ينحصر بالتركب الخارجي و المادي ، فإذا كانت مركبة أمكن أن يصدر من الله تعالى بواسطتها ما تركبه أشد ” و لله جنود السموات و الأرض ” …
كما أننا نجد من أنفسنا أننا نحيا و نموت مع أن الجسم هو الجسم و العين نفسها و الأذن هي بعينها نفس الأذن و لكن نمشي و نبصر و نسمع و نستشم و نذوق و .. بهذه الأعضاء و الجوارح و الحواس حالة الحياة و لا نفعل و لا ندرك بها شيئاً من المذكورات و غيرها بمجرد الموت فإذن يلزم أن يكون هناك شيء ٱخر هو من يفعل و يدرك و لكن بواسطة هذه الأعضاء و الجوارح و الحواس و هو – ذلك الشيء الآخر الذي يعبر عنه القرآن بالخلق الآخر في قوله تعالى : ” ثم أنشأناه خلقاً آخر ” فهو أمر آخر غير الجسم الذي بيّن مراحله المختلفة قبل ذلك – أمر غيبي و من عالم الملكوت ( قل الروح من أمر ربي) لا يراه أحد و لا يدركه الغير ، و هذه الحقيقة – أي الروح التي هي حقيقة الإنسان – هي ما نشير إليه بقولنا : ” أنا ” فنقول أنا سمعت و أنا رأيت و أنا قلت و أنا مشيت و أنا … أو نقول أنا رأيت بعيني و سمعت بأذني و … فنجعل العين وسيلة لمشاهدتنا و الأذن واسطة لسماعنا و استماعنا و .. و لا نقول رأتْ عيني و سمعتْ أذني و شمّ أنفي و مشت رجلي و … مع أن هذه الأفعال و الإدراكات منتسبة إلى هذه الأعضاء و الحواس و صادرة منها بحسب الظاهر إلا أن الذي يدرك و يفعل هو الروح الإنسانية و لكن بواسطة هذه الأعضاء و الجوارح و الحواس ، فالروح حقيقة غيبية تدبر بدن الإنسان و قواه الإدراكية و التحريكية – و كذلك بالنسبة للحيوانات – و …
و طبعاً يمكن الإستفادة من هذا الأمر في معرفة الله عز و جل في مبحث التوحيد و الصفات الإلهية و هو من جملة مصاديق قولهم عليهم السلام : ” من عرف نفسه فقد عرف ربه ” فهذه الأمور من جملة الآيات الإلهية لمعرفة الله تعالى لإثبات أصل وجوده و معرفة توحيده و سائر صفاته قدر الطاقة و القدرة البشرية كما قال تعالى : ” سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد ” و توضيح ذلك يتطلب مجالاً آخر ….
و لا ينحصر الامر بذلك فعالم البرزخ و المثال أيضاً من الغيب سواء في البرزخ المتصل كالرؤيا أو المنفصل فيما بعد الموت فنحن نرى كثيراً من الرؤى حالة النوم و نشاهد و نسمع و نفعل كثيراً من الأمور التي لا يدرك شيئاً منها مَن هو جالسٌ بجانبنا فما يراه النائم في رؤياه غيبٌ لمن هو جالس عنده ، و ما يشاهده الإنسان في الرؤيا من المجردات بل حتى بدنه و سائر ما يراه من الجسمانيات أيضاً من المجردات و لكن عن المادة دون المقدار و …
و لا ينحصر الامر بالمذكور و إنما ذكرت لكم أمثلة ، كما لا ينحصر الدليل العقلي بالمشار إليه فإنه يمكن إثبات الغيب و عالم المجردات و الموجودات المجردة بما أشرنا إليه في بعض الأجوبة من تقسيم الموجود إلى الخير المحض و الشر المحض و ما خيره أكثر من شره و ما شره أكثر من خيره و ما يتساوى خيره و شره و لا يمكن صدور الشر المحض و لا ما شره أكثر من خيره و لا ما يتساوى فيه الخير و الشر فيبقى ما هو خير محض و ما خيره أكثر من شره فيصدران منه حتماً و الملائكة و الموجودات المجردة التي هي عقول محضة و ليس فيها شر و لا ما يقتضي الشر تدخل في القسم الأول فتصدر من الله تعالى لا محالة و لكن ضرورة الصدور منه تعالى ليس بمعنى وجوب صدورها على الله بل صدورها واجب عنه لا عليه و توضيحه في محله ..
و عموما الغيب كل ما من شأنه الغيبة و عدم الحضور عند البعض عيناً أو علماً ، فمثلاً نيتي و ما أفكّر فيه و لا أُبدیه لأحد ، غيبٌ لمن لا يعلم الغيب – و أما من يعلم الغيب كالله جل جلاله فالغيب له شهادة و التعبير بكونه عالم الغيب و الشهادة إنما هو بالقياس إلى من لا يعلم و لا يشهد ذلك الغيب فما يعلمه الله تعالى غيبٌ بالنسبة لنا و شهادةٌ له تعالى .. – و بهذا يتبين أن وجود الغيب و الغيبيات أمر معلوم لنا بالوجدان و لا يحتاج إلى إقامة دليل و برهان ..
موفقين لكل خير ..
يوم الخميس ٢٤ جمادى الثانية ١٤٣٨ هـ ق
الموافق ۲۳ / ۳ / ۲۰۱۷ م
أيوب الجعفري
https://telegram.me/ayoobaljafary