ألا ينافي طلب الإمام الهادي عليه من المتوكل تسديد دَينه للتوحيد ؟

الجبر و التفويض و الشرك :

السلام عليكم

عظم الله اجوركم

سماحة الشيخ شكرا على الخطاب القيم ليلة امس.
واطمع في ان استفسر عن حثيثة في القصة التي ذكرتها حول الامام الهادي عليه السلام والمتوكل العباسي بخصوص طلب او كان بيان الامام للمتوكل مبلغ ٤٠٠٠ دينار لقضاء دين للامام وذلك بعد طلب من المتوكل نفسه
هل من المعقول ان الامام الهادي ع يظهر دينه للمتوكل لقضاء المتوكل دينه ؟
و هل طلب من الناس و بالخصوص اعداء اهل البيت لحوائجنا يتعارض مع التوحيد الصيفاتي و العملي ؟ افيدونا جزاكم الله خيرا

—– —– —– —– —–

( تجدر الإشارة إلى أن المستفسر المحترم يس؛ل عن عن حديث – نقله أهل السنة – كنت قد قرأته في مجلس وفاة الإمام الهادي عليه السلام ضمن مبحث حول الإمامة بشكل عام و الإمام الهادي عليه السلام بشكل خاص و نص الحديث هو ما يلي :
في شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي قدس سره الشريف ج ٢٩ ص ٣٧ و ٣٨ :
كلماته عليه السلام ومواعظه
رواها جماعة من أعلام العامة في كتبهم:
فمنهم العلامة الشيخ أحمد القلقشندي في ” مآثر الإنافة في معالم الخلافة ” (ج ١ ص ٣٢١ ط الكويت) قال:
ومن غريب ما اتفق له في ذلك أنه طلب عليا الزكي ويقال: علي الهادي وعلي النقي، أحد الأئمة الاثني عشر. وبعث إليه جماعة من الترك ليحضروه، فهجموا عليه ببيته، فوجدوه في بيت مغلق وعليه مدرعة شعر، وهو مستقبل القبلة يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد، ليس بينه وبين الأرض بساط إلا الرمل والحصى. فحمل إلى المتوكل، والمتوكل في مجلس شرابه والكأس في يده، فلما رآه المتوكل أعظمه وأجلسه إلى جانبه، وناوله الكأس فقال: يا أمير المؤمنين ما خامر لحمي ودمي قط فأعفني، فأعفاه وقال: أنشدني شعرا، فقال، إني لقليل الرواية للشعر. فقال: لا بد من ذلك، فأنشده:

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم *
غلب الرجال فما أغنتهم القلل

فاستنزلوا بعد عز من معاقلهم *
وأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخ من بعد ما قبروا *
أين الأسرة والتيجان والحلل

أين الوجوه التي كانت منعمة *
من دونها تضرب الأستار والكلل

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم *
تلك الوجوه عليها الدود يقتتل

يا طال ما أكلوا دهرا وما شربوا *
فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا

فبكى المتوكل وأمر برفع الشراب وقال: يا أبا الحسن عليك دين؟ قال: نعم، أربعة آلاف دينار. فدفعها إليه ورده إلى بيته مكرما )

و السؤال عن إظهار الإمام عليه السلام دينه لغير الله و لا سيما أن ذلك الغير عدوه ، و هل يتنافى ذلك و التوحيد ؟

فكتبت في جواب ذلك ما يلي :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

المتوكل هو من طلب من الإمام عليه السلام و سأله عما إذا كان عليه دين أم لا ، و الإمام أجابه بالإيجاب و لا يمكن أن يصدر من الإمام المعصوم عليه السلام الكذب و خلاف الواقع فهو عليه السلام لم يطلب شيئاً و إنما أجاب صادقاً و بعد ذلك لا بأس بقبول ما يدفعه المتوكل و ذلك لأجل أن للإمام عليه السلام أيضاً حقاً في بيت المال و الأئمة عليهم السلام كانوا يعينون الفقراء و المحتاجين فإن كانت لديهم أموال أعانوهم بأموالهم الشخصية و إلا استقرضوا لمعونتهم ثم بعد ذلك إذا حصلوا على أموال شخصية سددوا الدين و إن وصل إليهم شيء من بيت المال أو من الهدايا أو .. سددوه من ذلك ..

هذا كله من جانب و من جانب آخر : الخلافة و حق التصرف في بيت المال في عصر الحضور مختص بالإمام عليه السلام و غيره غاصبٌ في الخلافة و في التصرف في أموال بيت المال و .. فالإمام إذا أخذ شيئاً فإنما يأخذه من المال الذي جعله الله تعالى في تصرفه عليه السلام فله الولاية على الأنفس فكيف بالأموال ..

و أما التوحيد الصفاتي فلا مدخلية له في ذلك فإن التوحيد الصفاتي يعني أن الله تعالى له صفات ذاتية هي عين ذاته تعالى فالعلم و القدرة و الحياة مثلاً من صفات الذات و هي عين الذات مصداقاً لا مفهوماً بمعنى أن معنى و مفهوم الذات غير مفهوم العلم و مفهومهما غير مفهوم القدرة و هكذا .. و لكن في الخارج ليس هناك أمران أو أمور متعددة أحدها الذات الإلهية و الآخر هو العلم و الثالث القدرة و .. بل هناك شيء واحد هو الله و هو عين العلم و القدرة و .. و مثالاً على ذلك : مفهوم النار غير مفهوم النور و هما غير مفهوم الحرارة و هي غير مفهوم الإحراق و … و لكنها في الخارج في النار شيء واحد فالنار الخارجية نارٌ و هي بعينها منيرة و بعينها محرقة و هي بعينها مولدة للحرارة فلا يمكن وضع اليد على موضع منها و القول بأن هذا الموضع نارٌ و الموضع الآخر منها نور و المحل الثالث حرارة و و … بل كل محل و موضع من النار نارٌ و نورٌ و إحراقٌ و حرارة – أو نار و منير و محرق و حار و مولد للحرارة – ، و كذلك الإنسان معلوم لله تعالى و معلول له جل و علا و مقدور له

عز و جل و مراد له سبحانه و لكن لا ينقسم الإنسان إلى أربعة أجزاء ليكون جزء منه معلوماً لله و جزء آخر معلولاً و الثالث مقدوراً و الرابع مراداً بل الإنسان بما هو إنسان معلوم و معلول و مقدور و مراد لله تعالى و هو في نفس الوقت موجود واحد مع أن مفهوم المعلومية غير مفهوم المقدورية و .. – و طبعاً هذه أمثلة للتقريب إلى الذهن و إلا فهناك فروق بين المثال و الممثَّل .. –

كما أن التوحيد العملي الذي يبدو أنكم تقصدون التوحيد الأفعالي ، بمعنى أنه لا مؤثر في الوجود إلا الله تعالى و هذا لا يعني أنه لا توجد أسباب بل يعني أنه لا مؤثر بشكل مستقل في عالم الوجود إلا الله تعالى و أما غيره فإن فعل شيئاً فإنما يفعله بإذن الله تعالى أي بقدرة مفاضة عليه من الله تعالى حتى الأفعال الطبيعية و كذا الإختيارية فالإنسان المختار إنما يريد و يفعل ما يريد بالإرادة و القدرة المفاضة عليه من الله تعالى و لا يريد و لا يفعل ما يريد و يفعل بإرادة و قدرة ذاتيتين مستقلتين عن الله تعالى فالله يفعل ما يشاء بإرادته و قدرته الذاتية غير المكتسبة من الغير و أما غيره فبقدرة و إرادة مفاضة عليه من الله و هي ليست مفاضة عليه ابتداءً فحسب بل تفاض عليه باستمرار و آناً فآناً كما أن الله هو المعطي و المفيض للوجود و الحياة ابتداءً و يفيضهما باستمرار و آناً فآناً و لو لم يُفِضهما آناً واحداً لانعدم من سواه ..

و الإنسان الموحد يتوكل على الله وحده و لا يطلب من غيره تعالى شيئاً بمعنى أنه لا يرى غير الله معطياً لشيء من النعم من قِبَل نفسه و لكن قد يكون سبباً لتلك النعمة من قِبَل الله تعالى فسببيته من الله جل و علا سواء كان من الموجودات الطبيعية التي تعمل بطبيعتها المجعولة من الله تعالى أو من الموجودات المختارة التي تعمل بالإرادة و الاختيار و التي جعلها الله مختارة و فاعلة بالإختيار ، و في الفاعل المختار سواء كان من الصلحاء أو الأشرار .. فالخلفاء و إن كانوا غاصبين و لكنهم غير خارجين عن النظام العِلّي و المعلولي في عالم الكون ..

موفقين لكل خير ..

دعواتكم الكريمة

أيوب الجعفري

يوم الإثنين ٥ رجب ١٤٣٨ هـ ق
۳ / ۴ / ۲۰۱۷ م

___________________________________________________

سؤال آخر من المستفسر المحترم :

السلام عليكم ورحمة الله
كيف للمؤمن الموالي اليوّفق بين توحيد الافعالي والجبر والاخيار ، لانه الفهم الخاطئ للتوحيد الافعالي قد يؤدي الى الجبر و العياذ بالله ، بحيث يربط و يجعل مشيئة الله في كل شيء و يقض النظر عن الاختيار ،
اي المقصود هنا كيف يمكن للمؤمن ان يربط او يوافق بين الاخيار و المشيئة الالهية ؟

وجزاكم الله خيرا

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الجبر سلب الاختيار في العمل ، و التوحيد الأفعالي يعني أنه لا مؤثر في الوجود بشكل مستقل غير الله تعالى سواء كان الفعل الصادر من الموجود الإمكاني إختيارياً أم لا ( و لذلك أقسام مختلفة) فالمختار يفعل ما يفعل باختياره و ملء إرادته و لكن الله تعالى هو من أعطاه الإرادة فلولا أن الله جل و علا أودع فيه قوةً يتمكن بها من الفعل أو الترك – و من التكلم أو السكوت و الصمت – و من الصدق أو الكذب – و من الطاعة أو المعصية – و .. لما تمكن من اختيار شيء من طرفي الفعل و الترك و… و ليس فعله أو تركه لشيء كجريان الدم في عروقه حيث أنه يجري فيها شاء أم أبى .. فالأفعال الإختيارية التي يُکَلَّفُ الإنسان بها صادرة منه و باختياره و إرادته و لكن قوة الإرادة و الاختيار – كسائر القوى المودعة في وجود الإنسان – منحة ربانية ابتداءً و استمراراً ، و بعبارة أخرى سببية الإنسان لأفعاله في طول سببية الله تعالى و ليست في عرضها و لهذا لا يصدق لا الجبر و لا التفويض – كما ينتفي بذلك الشرك أيضاً ببيان موكول إلى محله و سنشير إليه بإشارة عابرة – بل أمر بين الأمرين كما في بعض الروايات ، فلو كان فعل الإنسان كجريان الدم في العروق كان جبراً و لو كان زمام الأمور موكولة إليه بشكل تام بحيث لا يكون لله سببية و مدخلية في أفعاله بنحو السببية الطولية ابتداءً و استمراراً كان تفويضاً ، و لكن الأمر ليس كذلك بل الإنسان مختار و كونه مختاراً بجعلٍ من الله تعالى ابتداءً و استمراراً ، و طبعاً الموضوع دقيق جداً زلت فيه أقدام الكثيرين فمنهم من ابتُلي بالجبر و منهم من ابتُلي بالتفويض و منهم من ابتُلي بالشرك – و من حيث لا يشعر – بجعل سببية الله تعالى في عرض سببية العبد ..
و إذا دققنا في قوله تعالى : ” و ما تشاؤون إلا أن يشاء الله ” تبين لنا الأمر جلياً حيث أنه تعالى جعل مشيئتنا بمشيئته و لم يجعل فعلنا بمشيئته بنحو مباشر بمعنى أننا نشاء لأن الله تعالى شاء أن نشاء أي شاء أن نكون مريدين مختارين في أفعالنا و في كل عمل إنما نتمكن من أن نشاء فيما إذا شاء أن نتمكن من المشيئة و الإرادة ، و أما نفس العمل الذي تتعلق به المشيئة فهي صادرة بمشيئتنا فمشيئه تعالى تتعلق بمشيئتنا و مشيئتنا بفعلنا ..

و هذا – كما أشرنا – أمر دقيق شريف يحتاج إلى التدقيق في تصوره ثم التصديق و الإذعان به من دون أن نُبتَلى بالشرك أو الجبر أو التفويض ، فإذا عرفناه حق معرفته نكون قد بلغنا درجة شريفة من التوحيد لم يبلغه كل أحد ، و فوق ذلك درجات أخرى كما أن فوق كل ذي علم عليماً …

فالعامي يكفيه أن يعرف أننا مختارون في أعمالنا الإختيارية و التكليفية و أن الله هو من أعطانا القدرة على هذا الاختيار ، و هذا خلاصة الكلام بتعبير مبسط مختصر

أيوب الجعفري

يوم الأربعاء ٧ رجب ١٤٣٨ هـ
الموافق ٥ / ٤ / ٢٠١٧ م

https://telegram.me/ayoobaljafary