البهائية

أرسل لي أحد الإخوة مقالا لأحد أتباع ما يسمى بالديانة البهائية – كتبه في نقاش دار بينهم – يقول فيه ما خلاصته : .. تمعن في قوله تعالى (فاما يأتينكم مني هدى … ) فالهداية الالهية لا تنقطع عن طريق الرسل و كتبهم و الأمة المحمدية تنتظر المهدي ليهدي البشرية و هو رسول من عند الله سبحانه و تعالى و له شريعة جديدة وكتاب جديد فقد ورد أنه (يظهر من بني هاشم صبي ذو عزم جديد وذو كتاب جديد ) .. و قد قال تعالى (ولكل أمة أجل، فاذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون ) و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم : (ان صلحت أمتي فلها يوم وان فسدت فلها نصف يوم وان يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) و قال تعالى (يدبر الامر من السماء الى الأرض ثم يعرج اليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) فتدبير الأمر للرسالة المحمدية انتهت بوفاة الامام حسن العسكري آخر امام معصوم من أهل البيت و بذلك رجعت العصمة الى الله سبحانه و تعالى حتى مجيء القائم المهدي المنتظر . و البهائية تعترف بجميع الأديان السابقة و منها الاسلام .. و حضرة بهاء الله تفضل بأن بعد الف سنة سوف يأتي رسول جديد ليجدد الدين في ذلك الوقت (لكل أجل كتاب، يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) فلكل مدة كتاب ينزّل من السماء على الرسل و يغير الله و يمحو أوامر و يثبت أوامر أخرى .. و من تعاليم حضرة بهاءالله لهذا العصر : 1- ترك التعصب و تحري الحقيقة .. 2 – وحدة العالم الانساني : اي أن البشر خَلْقُ الله و خُلقت الارض وطنا للجميع . 3- تساوي حقوق الرجال و النساء في كل شيء كالارث و الشهادة و فرص العمل و غيرها .4- تطابق العلم و الدين فاذا جاء أحد بشيء من الدين يخالف العلم الحقيقي فهو خرافة و اذا جاء العلم بشيء يخالف الدين الحقيقي فهو جهل … ثم يقول في نهاية كلامه – و ذلك لإثبات صحة دينه – بأن القول بأن العلوم قد انتهت بمجيء القرآن كفرٌ .. هذا خلاصة ما قاله بعد حذف مكرراته و ما لا مدخلية له في الموضوع و تصحيح بعض عباراته ..

طلب مني الأخ الذي أرسل لي هذا المقال أن أكتب جوابا لما ورد في هذا المكتوب و إليكم الجواب مختصرا :

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا المكتوب مليء بالأخطاء و لا يمكنني التطرق لجميع ما ورد فيه بالتفصيل لضيق الوقت و كثرة الارتباطات و الأسئلة .. و يكفي في الرد أن نشير الى بعض النقاط فنقول :

إن ما ينسف جميع ما ورد في هذا المكتوب هو أن الله تعالى قد وصف النبي صلى الله عليه و آله و سلم في القرآن بأنه خاتم النبيين كما ورد ذلك في كثير من الأحاديث .. فلا يمكن أن يأتي بعده نبي و الا لكان الإخبار بكونه خاتم النبيين خلاف الواقع و حاشا أن يكون في كتاب الله تعالى ما يخالف الواقع و أن يكون إخباره كاذبا ..

و قد يقال بأن القرآن أخبرنا بأنه صلى الله عليه و آله و سلم خاتم النبيين و لم يقل أنه خاتم المرسلين – كما يقول أتباع البهائية – إلا أن الجواب واضح فإن الرسول أعلى درجة من النبي فالرسول صاحب كتاب و لديه رسالة من الله تعالى للبشر – سواء كان من أولي العزم ايضا أم لم يكن فإن أولي العزم خمسة و أما الرسل أصحاب الكتب السماوية فهم كما يقال ثلاثمأة و ثلاثة عشر رسولا – و أما النبي فلا يلزم أن يكون صاحب كتاب و اذا كان لديه كتاب كان رسولا و لا محالة يكون نبياً أيضاً ..

و اذا كان الرسول أعلى درجة من النبي كانت النتيجة أن كل رسول نبي و ليس كل نبي رسولا بمعنى أنه لا يمكن أن يكون شخصٌ ما رسولاً و لا يكون نبياً كما أننا في مصطلح العناوين الحوزوية نقول أن فلاناً “آية الله” و هذا العنوان أعلى من عنوان “حجة الإسلام و المسلمين” فإذا كان شخصٌ ما “آية الله” فلا محالة يكون قد اجتاز قبل ذلك مرحلة “حجة الإسلام و المسلمين” فكل من يكون “آية الله” فلا محالة يكون “حجة الإسلام و المسلمين” دون العكس ( و هذا الأمر صادق في العناوين و الشهادات الجامعية أيضا فكل من له شهادة عليا فلا محالة يكون قد اجتاز المرحلة السابقة عليها ) .. و کذا في عنواني أو لنقل مقامي الرسالة و النبوة حيث أن الرسالة أعلى مرتبةً من النبوة فإذا كان شخصٌ ما صاحبَ رسالة أي كان رسولا فلا محالة أنه موصوف بالنبوة و له مقام النبوة أي أنه نبي أيضاً ..

إذا تبين ذلك نقول أنّ وَصْفَ النبي صلى الله عليه و آله و سلم في القرآن بخاتم النبيين يلازم كونه خاتم المرسلين أيضا لأنه لو لم يكن خاتم المرسلين لما كان خاتم النبيين أيضاً و ذلك لأجل أنه إذا جاء رسول فهو نبي لا محالة لأنه و كما قلنا الرسول أعلى مرتبة من النبي فإذا كان شخص ما رسولا فهو نبي بطريق أولى ، نعم لو كان يقول “و خاتم المرسلين” لكُنّا نقول أن ختم الرسالة لا يلازم ختم النبوة فمن الممكن أن لا يأتي بعده رسول و لكن يأتي بعده نبي و مجيء النبي لا يلازم مجيء الرسول ، إلا أن القرآن الكريم ( مضافا إلى الروايات ) تصفه صلى الله عليه و آله و سلم بأنه خاتم النبيين فيلزم أن يكون خاتم المرسلين أيضا فإذا ادّعى أحد أنه رسول من الله تعالى فقد كذّب القرآن الكريم الذي نفى – بمنطوقه – أن يأتي بعد النبي الخاتم صلى الله عليه و آله و سلم نبيٌٌ و نفى – بمفهوم الأولوية – أن يأتي بعده صلى الله عليه و آله و سلم، رسولٌ ..

و أما أن المهدي المنتظر عليه السلام و عجل الله تعالى فرجه الشريف يأتي بكتاب جديد ( و طبعا الرواية التي نقلها غير صحيحة و لم أجد في رواياتنا أنه : يظهر من بني هاشم صبي ذو عزم جديد و ذو كتاب جديد نعم ورد أنه عليه السلام إذا خرج يقوم بأمر جديد و كتاب جديد و سنة جديدة و قضاء جديد و في بعضها : و سلطان جديد من السماء .. ) فليس المقصود أنه يأتي بشريعة جديدة بل يأتي بنفس القرآن إلا أنه يفسر القرآن الكريم بشكل صحيح يكون جديدا للناس لا سيما إذا أخذنا التحريفات المعنوية بعين الاعتبار حيث أن أصحاب الأهواء يحرفون معاني القرآن الكريم فيفسرون آياته بما يتناسب و أهواءهم و رغباتهم النفسانية فيأتي عليه السلام و يفسر القرآن بما أراده الله تعالى بكمال الدقة و يبيّن للناس جميع مرادات الله تعالى الواقعية فيكون جديدا للناس كما أن ذلك يحدث لنا أيضا فعندما نحاور أحدا و نستشهد بآية تدل على مُدّعانا نجده أحياناً يقول : كأنني لم أقرأ هذه الآية من القرآن أبدا و قد حدث ذلك في عصر الأئمة عليهم أيضا لا سيما في بعض مناظرات الإمام الصادق عليه السلام مع أبي حنيفة .. و لهذا الموضوع – أي كونه عليه السلام و عجل الله تعالى فرجه الشريف يقوم بكتاب جديد و .. – جوانب متعددة قد تطرقنا لبعضها في بعض أجوبتنا و كذا في بعض المحاضرات فلا داعي للغور في تفاصيله حاليا ..

و أما تفسير الأمة في قوله تعالى :” و لكل أمة أجل .. ” بالشريعة و أن كل شريعة سينتهي أمدها فغير صحيح حيث أن موضوع الآية و الآيات المشابهة لها آجال المجتمعات البشرية لا آجال الشرائع الإلهية فالآية في مقام بيان أن للأمم و المجتمعات آجالاً و أعماراً من دون النظر إلى شرائعهم فلكل مجتمع أجل و عمر سواء أكانوا على دين و شريعة واحدة أم لا و سواء كانوا هم وحدهم أتباع الشريعة السائدة في ذلك المجتمع أم كان لها أتباع غيرهم في مجتمعات و بلاد أخرى .. فكما أن للأفراد آجالاً و أعماراً فإذا جاء أجل كل واحد منهم لا يتقدم أجله ساعة و لا يتأخر و لا يتمكن هو أيضاً من تقديم أجله و لا تأخيره كذلك الأمم البشرية محكومة بسنة الفناء و الزوال في هذه الدنيا فإذا جاء أجلهم لا يستاخرون ساعة و لا يستقدمون فليست الآية و نظائرها في مقام بيان أن الشرائع الإلهية محكومة بالفناء و الزوال فإذا جاء ذلك الأجل لم تستأخر ساعة و لم تستقدم .. ، مضافا إلى أن الشرائع الإلهية السابقة و إن كان لها أجل و أمد محدد إلا أن الشريعة المحمدية صلى الله عليه و آله و سلم هي الشريعة الختمية و ستبقى إلى يوم القيامة و بعبارة أخرى : لهذه الشريعة أيضاً أجل إلا أن أجلها قيام الساعة عندما ينتهي أجل التكليف و يموت الناس جميعا و تتهيأ أرضية قيام الساعة و ذلك لأن النبي صلى الله عليه و آله و سلم – و كما مرت الإشارة إليه – خاتم النبيين و هو النبي الذي قد أُمر جميع الأنبياء بالإيمان به ( لتؤمنُّن به و لتنصرنه ) و وَعَد به و بمجيئه جميع الأنبياء و المرسلين ( و طبعا لم و لا و لن نجد و لا آية واحدة من الكتب السماوية السابقة تبشر بمجيء بهاء الله ) ..

و ما أشار إليه الكاتب من الأمور الجديدة التي جاء بها بهاء الله و عدّها من مختصات و خصائص دينه فهي ليست جديدة، مضافا الى أن بعضها ليس بصحيح، فنفي العصبية وارد في الإسلام و قد عُدّت العصبية سببا لنزول العذاب في بعض رواياتنا، كما أن كون البشر خلقُ الله تعالى و الكرة الأرضية وطن لكل الناس من أبدَهِ البديهيات و أوضح الواضحات و لا يحتاج إلى بيان حتى يبعث الله جل و علا رسولا ليبين للناس أن الناس خَلْقُ الله و الكرة الأرضية وطنهم، نعم من الممكن أن يبين للناس أن الجميع خلق الله ليبين لهم التوحيد في الخالقية – و هو من جملة أقسام التوحيد – و لكن هذا ما جاء به جميع الأنبياء و ليس شيئا جديدا جاء به بهاء الله .. كما ان القرآن يشير الى أن الكرة الارضية – و جميع السموات و ما بينهما – ملك لله تعالى و يأمر العباد بأن يعبدوا الله تعالى فإن لم يتمكنوا من ذلك في بلد فليهاجروا الى بلد آخر من أرض الله حيث يقول جل جلاله : “يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون” بل سيحتج يوم القيامة على من يدعي أنه كان في الدنيا من المستضعفين، يحتج عليهم بقوله جل و علا : “ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها” .. فأين الجديد الذي أتى به بهاء الله و ما تعدونه من ميزات و خصائص دينه ؟ ..

و أما تساوي حقوق الرجل و المرأة فإن كان المقصود أن كل حق يثبت للرجل فهناك حق يقابله للمرأة و كذا العكس فهو وارد في القرآن الكريم حيث قال تعالى : “و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف” و هناك آيات أخرى و كذا روايات تدل على هذا الأمر بألسنة مختلفة .. و إن كان المقصود التساوي بمعناه اللغوي فهو خلاف العدل في كثير من الأحيان و هذا ما يتطلب بيانُه مجالا آخر أوسع من هذا المختصر فلا يمكن أن يدعو دين إلهي الى التساوي المنافي للعدل و ذلك أن إقامة العدل – في مختلف جوانبه – من جملة أهداف جميع الانبياء و الأولياء فلا معنى لأن يكون التساوي المنافي للعدل في كثير من الأحيان جزءاً من شريعة إلهية فضلا عن أن يكون من أهدافها ..

و أما تطابق الدين الواقعي مع العلم المطابق للواقع فهو أيضا ليس أمرا جديدا إلا أنه ليس بمقدور الجميع أن يصلوا إلى جميع حقائق الدين كما أنه ليس بمقدور الجميع أن يعلموا جميع العلوم الحقيقية التي يكون جميع معلوماتها منطبقة على الواقع الخارجي فإن ذلك مما يختص بالمعصومين عليهم السلام و قد يتبين ذلك لعامة الناس أيضا و لكن في عصر المهدي المنتظر عليه السلام و ببيانه عجل الله تعالى فرجه الشريف لمعارف الدين و مفاهيمه و أحكامه و .. ، و أضف الى ذلك أنه لا يمكن القول بأن ذلك من ميزات أحد الأديان لأن لازم ذلك أن يكون الدين الإلهي في الأديان السابقة مخالفا للعلم و أن يكون العلم مخالفا لجميع الأديان السابقة إلا ما دعا إليه بهاء الله و هذا ما لا يمكن أن يتفوه به أحد حتى من ينتمي إلى البهائية لأنهم يدعون انهم يؤمنون بجميع الأديان و الانبياء السابقين ، فهل يتمكن أحدهم أن يدعي أن الأديان السابقة كانت مخالفة للعلم الحقيقي ..

هذا و من الممكن أن تكون نتائج التجارب التي تعتمد عليها العلوم مخالفة لحكم أو عقيدة من أحكام الدين و العقائد الواردة فيه إلا أن التجارب ظنية لا توجب العلم و جميع العلوم التجريبية نتائجها في الأعم الأغلب ظنية غير مفيدة للعلم و القطع و لهذا نجدها في تطوُّرٍ مستمر فيكتشفون شيئا ثم ينقضونه بكشف جديد و قد يكتشفون ما يخالف الكشف الجديد أيضا بل قد يرجعون إلى نتيجة التجارب القديمة أحيانا فإذا كان هناك مفهوم من مفاهيم الدين مخالفا بظاهره لأمر علمي و لنتيجةِ تجربةٍ علمية فإما أن يكون العلم مخطئاً في النتيجة التي توصّل إليها و إما أن يكون فهمُنا للدين غير مطابق لمراد الله تعالى، و هذا كان و لا زال موجودا و لم يأت بهاء الله بما يزيل ذلك، و أما العلم المطابق للواقع و الدين الحقيقي الذي يعرفه و يعلم به المعصوم عليه السلام فلا اختلاف بينهما – بناء على التناسب التام و التناسق الكامل بين التكوين و التشريع لوحدة المُشَرِّع و المُكَوِّن و هو الله جل و علا – و لا يمكن القول بأن بهاء الله قد وَحَّد أو سيُوَحِّد بين هذا العلم و الدين أو لنقل : بين نتائج التجارب العلمية و مفاهيم الدين بمعناه الواسع الشامل للعقائد و المعارف و الأحكام و الأخلاق لأن هذا يعني – و كما اشرنا إليه – أن الأديان الإلهية السابقة كانت مخالفة للعلوم، و نتائج العلوم منافية و مخالفة لما ورد في الأديان الإلهية و هذا ما يترتب عليه توالي فاسدة كثيرة …

و أما ما جاء في نهاية المكتوب من أن القول بأن العلوم قد انتهت بمجيء القرآن كفرٌ، فالجواب هو انه من الذي قال أن علوم الله تعالى قد انتهت، ما نقوله هو أن عصر نزول الشرائع قد انتهى بمجيء الشريعة الختمية و أما علم الله تعالى فهو غير متناهٍ و لا حد له ، نعم القرآن يشتمل على جميع ما يحتاجه البشر و سائر المكلفين إلى يوم الدين ف”ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا و له أصل في كتاب الله عز و جل و لكن لا تبلغه عقول الرجال” كما ورد في بعض الروايات، و هذا من كمال القرآن و الكتاب الذي أنزله الله تعالى لا أنه علامة على كون علم الله تعالى محدودا ليكون الاعتقاد به كفرا كما تدعون، بل هو من الإعجاز الإلهي الذي يوجب قوةَ الاعتقاد و رسوخَه بأن القرآن هو الكتاب السماوي الأخير الذي يلبّي جميع حاجات البشر و المكلفين لا سيما في أمر الهداية الى الكمال و القرب إلى الله تعالى بجميع مقوماته و عناصره، و أن النبي – صلى الله عليه و آله و سلم – المرسل به – هو خاتم النبيين و المرسلين أجمعين ..

موفقين لكل خير

أيوب الجعفري

يوم الخميس ٢١(٢٢) شوال ١٤٤٢ق
الموافق ٣ / ٦ / ٢٠٢١م

https://telegram.me/ayoobaljafary