رؤية الله تعالى
أحد المؤمنين : سلام عليكم شيخ
ابغي توضيح عن هذه أيه
وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ *فَسَوْفَ تَرَانِي* فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ
يقول البعض :
هذه الاية المحكمه تدل على إمكانية رؤية الله عز وجل بدون اي شك ولا ريب ، فقد علق ربنا عز وجل رؤيته بإستقرار الجبل فإذا تحقق الشرط وهو ثبات الجبل فسوف يتحقق المشروط لا محاله وهو رؤية الله تعالى جل جلاله.
والله تعالى لا يعجزه شيء في الارض ولا في السماء وهو القادر على كل شيء ، لذا إنه لا محاله قادر على ان يحقق الشروط المطلوبه التي بها يتحقق رؤيته عز وجل ، وبهذا نعلم تأويل آيات رؤية الله في القرآن الكريم ، والاحاديث النبويه الصحيحه في هذا الأمر الجلل وهو رؤية ربنا تبارك اسمه وجل عظمته.
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
كلام الله عز وجل يهدم جميع الاحاديث التي تنفي رؤية الله عز وجل ، وتفضح هؤلاء الرواة الذين كذبوا على الله ورسوله واحفاده ، على الخصوص رواة اهل الكوفة الذين وضعوا الكثير الكثير من الاحاديث المكذوبه على الأئمة من أحفاد رسول الله صلى على الخصوص الامام الباقر والصادق.
معنى وإعراب حرف (لكن) ، (ولكن) : حرف عطف معناه الاستدراك، ويُعطف بها بعد النفي والنهي، وهي عكس (لا)- تفيد نفي الحكم عما قبلها وإثباته لما بعدها، نحو: ما جاء خالدٌ لكنْ رائدٌ. ما أكلت خوخًا لكن عنبًا. لكن: حرف عطف مبني على السكون، عنبًا معطوف على (خوخًا) منصوب، وعلامة نصبه الفتحة.
اذا حرف (ولكن) نفت ما قبلها وهي رؤية الله في ظروف خاصه وبعد ذلك أثبتت رؤية الله ايضاً بشروط ربنا هو اعلم بها ..
فما هو الجواب ؟
________________________________________
الجواب
و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
هذا ما يرسله بعض الجهلة للشباب – و قد ارسله لي أيضا – و هو استدلالُ مَن لا يفهم شيئا لا من العقائد و لا من قواعد اللغة العربية فالله سبحانه و تعالى قد علق الرؤية على أمر محال فقال أنه لو تمكن الجبل من الاستقرار فسوف تراني و لكن الجبل لا يتمكن من الاستقرار فلا يمكن أن تراني ..
و لو كان كما يقول – بل ينقله هذا الناقل عن الجهلة – من أن الله تعالى لا يعجزه شيء فهو قادر على أن يحقق الشروط المطلوبة التي بها يتحقق رؤيته عز و جل، لكان من الضروري أن يلتزم بهذا الأمر في آيات أخرى أيضا و منها آية نفي الآلهة فيلزم أن يقول بأن قوله تعالى : “لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا” قد علق فساد و زوال السموات و الأرض على وجود آلهة غير الله تعالى و عوذا به فيمكن أن يُبقي الله تعالى السموات و الأرض مع وجود الآلهة حيث أنه لا يعجزه شيء، و بعبارة أخرى : من الممكن أن يمنع الله تعالى السموات و الأرض من الفساد و الزوال مع وجود الآلهة لأنه على كل شيء قدير و لا يعجزه شيء، و إذا التزم بهذا الأمر لم تكن الآية دليلا على التوحيد الذاتي لأنه يمكن أن يكون في السموات و الأرض آلهة غير الله تعالى و عوذا به لأنه الله تعالى على كل شيء قدير و لا يعجزه شيء في السموات و الارض فبقدرته يُبقي السموات و الأرض مع وجود الآلهة فيكون الاستدلال الوارد في الآية باطلا، و لا يمكنه – أي هذا المستدل الواهم – أن يتفوه بذلك ..
هؤلاء الجهلة لا يعرفون أن القدرة لا تتعلق بالمستحيلات العقلية فالله تعالى قادر على كل شيء و المستحيل الذاتي ليس بشيء بل عدم مطلق و بحت فلا تتعلق القدرة به، و تحمُّل الجبل بذاته لتجلي الرب تعالى مستحيل فرؤية الله مستحيل، و ليس الكلام في أن الله تعالى قادر على إبقاء الجبل أم لا حتى يقال أن الله تعالى قادر على إبقاء الجبل فالرؤية المعلَّقة على ابقائه ممكنة، ليس هذا هو المستند في كلام الله تعالى لبيان استحالة الرؤية فإن بقاء الجبل بقدرة الله تعالى ليس من المستحيلات بل المستحيل هو أن يبقى الجبل بنفسه مع تجلي الرب العظيم له فاذا كان بقاء و استقرار الجبل بنفسه مع تجلي الرب له مستحيلا فالرؤية البصرية أيضا مستحيلة … هذا مع غض النظر عن كون مطلوب موسى الرؤية القلبية العليا و النظر المعرفي العالي الخاص بأكمل الخلق على الاطلاق و هم النبي الخاتم و أهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين و قد أثبت القرآن الكريم الرؤية القلبية العليا للنبي الخاتم في سورة النجم و نحن نعلم بأدلة مختلفة و كثيرة أن أهل البيت عليهم السلام كنفس النبي فيثبت لهم كل ما ثبت له و أثبته الله له في كتابه و في السنة المباركة و هذا ما يحتاج إلى بيان تفصيلي خارج عن أمثال هذه المختصرات، فلم يكن مطلوب موسى النظر بالعين و إن طلبه منه جهلة بني اسرائيل و ذلك أن الرؤية البصرية المستلزمة لجسمانية المَرئيّ لا يطلبها المؤمن المتوسط في المعرفة فكيف بموسى الكليم عليه السلام الذي هو من أولي العزم من الرسل ..
و نفس الكلام جارٍ في آية نفي الآلهة حيث أننا نجد أن السموات و الأرض لم تفسد فوجود آلهة غير الله مستحيلٌ لأنه لو كان هناك آلهة غير الله تعالى لاستحال بقاء السموات و الأرض و بما أنها باقية فوجود آلهة غير الله تعالى مستحيل و قد استعمل القرآن الكريم لوجود الآلهة “لو” الامتناعية الدالة على استحالة مدخولها و علق على وجود آلهة غير الله فسادَ السموات و الأرض و بما أنهما لم تفسدا بل هما باقيتان كما نشاهد و نرى بأم أعيننا فلا يوجد آلهة غير الله تعالى ( و طبعا بيان استلزام وجود آلهة غير الله تعالى لفساد و زوال السموات و الأرض و هل الآية تشير إلى برهان التمانع أم أنها في مقام إثبات استحالة وجود آلهة غير الله تعالى بطريق و برهان آخر، يتطلب مجالا آخر أوسع من هذه الأجوبة المختصرة التي تُنشر في وسائل التواصل الاجتماعي ) ..
أضف إلى ذلك أن الله تعالى يقول : “ليس كمثله شيء” و لو كان قابلا للرؤية بالعين الباصرة الجسمانية لكان موجودا جسمانيا و لو كان موجودا جسمانيا لكان مثله أشياء كثيرة و كانت جميع الموجودات المادية مثله و عوذا به تعالى لا أنه “ليس كمثله الشيء” النافي لوجود شيء مثله و لو كان ذلك المثل واحدا .. فهو الواحد الأحد و مع الجسمانية يكون من و ما هو مثله كثيرا جدا و عوذا به .. كما أن الجسمانية تستلزم التركب من الأجزاء و التركب من الأجزاء يستلزم الحاجة إلى الأجزاء و إلى من يركِّب تلك الأجزاء فيلزم أن يكون قبل التركب معدوما ليوجد بعد التركب، كالماء المركب من الأكسجين و الهيدروجين فهو محتاج إلى هذين العنصرين و إلى عامل يركّبهما ليوجد الماء فالماء قبل ذلك ليس موجودا ثم يوجد بعد وجود الأجزاء و بعد تركُّبها و لو كان الله تعالى جسما لكان كذلك و عوذا به .. ثم نسأل من الذي أوجد أجزاء ذلك الإله الذي تعتقدون به أنتم و من الذي ركّب تلك الأجزاء و أوجد إلهكم ؟!
و أضف إلى ذلك أيضا قوله تعالى : “لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار و هو اللطيف الخبير” فإذا كان قابلا للرؤية لكان ممن تدركه الأبصار لا أنه لا تدركه الأبصار … و قد علّل عدم إدراك الأبصار له و هو يدرك الأبصار بقوله “وهو اللطيف الخبير” فلا تدركه الأبصار لأنه موجود لطيف غير جسماني و لهذا لا يمكن أن تدركه الأبصار ، و هو يدرك الأبصار لأنه خبير ..
و لو راجعنا نفس آية الرؤية بتأمل بسيط لعرفنا أن الآية تدل على استحالة الرؤية حتى من حيث الدلالة اللفظية ( مع غض النظر عما ذكرنا في البداية من أنه تعالى قد علق الرؤية على أمر مستحيل فلو تحقق هذا المستحيل لتحققت الرؤية و لكن المستحيل لا يتحقق فالرؤية ايضا لا تتحقق ) لأنه تعالى قال : “لن تراني” و “لن” للنفي المؤبد فالمعنى أنه لا يمكن أن تراني أبدا .. و لو كانت الرؤية البصرية ممكنة و ستتحقق في الآخرة – كما يقول هؤلاء الجهلة – لكان الجواب المناسب أن يقول : “قال لا تراني في الدنيا و لكن ستراني في الآخرة” لا أن يقول : “لن تراني و لكن انظر ..” .
هذا خلاصة القول في رد كلام هؤلاء الجهلة الذين قد ابتُلوا بالشرك الذي يتهمون غيرهم به …
أيوب الجعفري
ليلة السبت ١٩ شوال ١٤٤٣ ق الموافق ٢١ / ٥ / ٢٠٢٢م