*تعليم و تأديب النفس قبل الغير*
*استفسار من أحد المؤمنين :*
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. شيخنا الغالي اذا ممكن توضح لي الحديث .. رحم الله والديكم ..
*أقول* : يشير المستفسر إلى حديث مُصَوَّرٍ أرسله لي يقول فيه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : ” لا تطلبن طاعة غيرك و طاعة نفسك عليك ممتنعة ” .
*و الجواب مختصراً :*
و عليكم السلام ورحمة الله و بركاته ..
*بسم الله الرحمن الرحيم*
المقصود أن من يريد إصلاح الآخرين فليصلح نفسه أولاً فمن لا يتمكن من إصلاح نفسه لتصبح نفسه الأمارة مطيعة منقادة له فيجعلها تحت سيطرة عقله و يديرها و يدبرها حسبما تقتضيه مصلحتها للسير نحو الكمال و الهدف الذي خُلِق الإنسان لأجله و بُعِثَ الانبياء و شُرِّعَتَ الشرائع لأجل تحقيقه – أي تحقيق ذلك الكمال و الهدف – بالحركة و الأعمال الاختيارية الجوارحية منها و الجوانحية ، نعم : من لا يتمكن من إصلاح النفس و جعلها مطيعة منقادة له فعليه أن لا يتمنى أن يطيعه غيرُه ..
و يمكن أن يكون المقصود أن من لم يصلح نفسه فلا يعمل بواجباته و لا ينتهي عن المحرمات لا يحق له أن يأمر الآخرين بالمعروف و ينهاهم عن المنكر كما قال تعالى : “لم تقولون ما لا تفعلون كبُر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون” و قال جل و علا : ” أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم ” و قد قال أمير المؤمنين عليه السلام : ” من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره ، و ليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه ، و مُعَلِّمُ نفسِهِ و مؤدِّبُها أحقُّ بالإجلال من مُعَلِّمِ الناس و مؤدِّبِهم . ” و يقول الشاعر : ” لا تَنْهَ عن خُلُقٍ و تأتي مثلَهُ —- عارٌ عليك إذا فعلت عظيم ” ..( و يشار إلى أننا قد بيّنّا ذلك بالتفصيل النسبي في بعض المحاضرات حول الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر )
أضف إلى ذلك أن من يريد تعليم الغير و تهذيبه يلزمه أن يكون واجداً لما يريد إيصاله للغير ففاقد الشيء لا يعطيه ، فالتهذيبُ إكمالٌ أو تطهيرٌ من الرذائل و الظلمات المعنوية فهو مقدمة للإكمالِ و الإيصالِ إلى الكمال ، و الفاقد للكمال لا يمكنه أن يُكْمِلَ غيرَه و يمنحَه أو يُمَهِّدَ له طريق الوصول إليه ، فعليه أن يُكمل نفسه أولاً بتهذيبها و من ثم تزكيتها و تنميتها بالطاعات و القربات كي يتمكن من تهذيب الغير و إيصاله إلى الكمال ..
هذا و من الممكن أن يكون الحديث إشارةً الى التأثير التكويني لتهذيب و هداية النفس في هداية الآخرين و تهذيبهم من جهة أخرى أيضاً فيكون المقصود أن هداية الآخرين يمر عن طريق هداية النفس فمن لم يصلح نفسه لا يكون له نفوذ معنوي في القلوب فلا يؤثر كلامه و لا يدخل في قلب أحد لفقده الجمال و الكمال الموجب لانجذاب القلوب إليه و حبها اياه ..
موفقين لكل خير و لا تنسوني من صالح أدعيتكم الخالصة .
أيوب الجعفري
ليلة الأربعاء ١جمادى الأولى ١٤٤٢ق
الموافق ١٦ / ١٢ / ٢٠٢٠م
https://telegram.me/ayoobaljafary