الزهراء عليها السلام و ليلة القدر

*سؤال من أحد الأساتذة المؤمنين :*

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سماحة الشيخ ودمتم موفقين في خدمة الإسلام الحنيف والمسلمين . السؤال : ما هو السبب وراء التأكيد على معرفة الزهراء عليها السلام لمعرفة ليلة القدر؟ وأي معرفة هي المقصودة؟

*الجواب :*

السلام عليكم سماحة الأستاذ و رحمة الله و بركاته و تقبل الله اعمالكم و بلغكم آمالكم ..

معرفة العترة الطاهرة معرفة للثقلين لأنهم عليهم السلام مجمع الثقلين ، فصحيحٌ أن القرآن الكريم هو الثقل الأكبر و العترة الطاهرة هم الثقل الأصغر إلا أننا إذا أخذنا علم العترة الطاهرة و معرفتهم عليهم السلام بجميع ظواهر و بواطن القرآن الكريم و أنهم القرآن الناطق ، إذا أخذنا ذلك بعين الإعتبار عرفنا و تبين لنا أن العترة مجمع الثقلين و مجمع الثقلين أكبر و أعظم من الثقل الأكبر وحده .. فمعرفة الزهراء عليها السلام التي هي من أعظم حجج الله تعالى على الخلق حيث عُدّتْ في بعض الروايات حجةً على الأئمة الأطهار عليهم السلام ، معرفةٌ للثقلين ، و بما أن من جملة أسباب عظمة ليلة القدر كونها ظرف نزول القرآن فمعرفة عظمة القرآن معرفةٌ لعظمة ظرفه ( ليلة نزوله ) فمعرفة الزهراء عليها السلام التي تعد معرفةً للثقلين معاً معرفةٌ لعظمة ليلة القدر ..

و من جهة أخرى : من أسباب عظمة ليلة القدر نزول الملائكة و الروح فيها و هي تنزل بمقدرات العالم لأن ليلة القدر – وفقاً لروايات الفريقين – غير مختصة بعصر النبي صلى الله عليه و آله و سلم بل هي باقية إلى يوم القيامة و هي تنزل على الأولياء للمجيء بالمقدرات ، و الأولياء هم أمير المؤمنين زوج سيدتنا و مولاتنا فاطمة الزهراء عليهما السلام و أولادهما صلوات الله عليهم أجمعين و هم جميعا – تنزيلاً أو تأويلاً – أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيراً ، فكانت الملائكة تنزل عليهم كما كانت تنزل عليها و لهذا تسمى بالمُحَدَّثة ، فعظمة هذه الليلة لأجل عظمة النازل ( الملائكة و الروح ) و المنزل ( أهل البيت عليهم السلام الذي هم مختلف الملائكة ) فمعرفة الزهراء عليها السلام – و كذا سائر أهل البيت عليهم السلام – معرفة لعظمة ليلة القدر لأنهم و القرآن الكريم و نزول الملائكة سرُّ عظمة ليلة القدر ..

و بعبارة أخرى يمكن القول بأن ليلة القدر بما هي ليلةٌ من الليالي ظرفٌ زماني كسائر الليالي و الأيام ، و يُمْنُ الأزمنة و الأمكنة أو شؤمها بِيُمْنِ ما يقع فيها أو شؤمه لا بذاتها – و إن أمكن تصوُّر ذاتية اليُمن و الشؤم للأزمنة و الامكنة أيضاً – و بما أن ليلة القدر ظرفٌ لنزول القرآن الذي هو أعظم الكتب السماوية على الاطلاق من جهةٍ ، و ظرفٌ لنزول الملائكة المقربين على أشرف الخلق أجمعين من جهة اخرى ، أصبحت – أعني ليلة القدر – أشرف الليالي و أعظمها فعظمتها من عظمة الكتاب و العترةِ و نزولِ الملائكة بالكتاب على النبي صلى الله عليه و آله و بمقدرات العالم على العترة الطاهرة ( و النزول بالمقدرات من باب المثال و ليس الحصر فلا ينحصر سبب تنزُّل الملائكة في المجيء بالمقدرات ) فمعرفة الزهراء المطهرة – التي نُثبت بها و بسيرتها و ما قامت به بعد ارتحال النبي صلى الله عليه و آله ، أن الحق مع العترة الطاهرة من أهل بيت النبي الاعظم كما سنشير إليه – كمعرفة القرآن معرفةٌ لسبب و سرّ عظمة ليلة القدر فمن عرفها فقد أدرك ليلة القدر ..

و بما أن من جملة أسهل الطرق لمعرفة إمامة أمير المؤمنين و الأئمة المعصومين من وُلده عليهم السلام معرفة الزهراء عليها السلام فهي الحجة القاطعة في جانبي السلب و الإيجاب فبكونها ساخطة على من تقمص الخلافة كشفت عن عدم استحقاقه لمقام الخلافة و ولاية الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ، كما أثبتت به أهلية أمير المؤمنين عليه السلام لهذا المنصب الإلهي لأنها سيدة نساء العالمين و سيدة نساء أهل الجنة باتفاق الأمة فلا يمكن أن لا يكون لها إمام لما رواه الفريقان من أنه ” من مات و لم يعرف امام زمانه ” أو ” و ليس عليه إمام مات ميتة جاهلية ” و الموت الجاهلي هو الموت بحالة الكفر و الشرك فلا يمكن أن تكون فاطمة عليها السلام قد ماتت و ليس عليها إمام لأنها سيدة نساء أهل الجنة و من مات ميتة جاهلية فهو من اهل النار و ليس من أهل الجنة فكيف بأن يكون سيد أو سيدة أهلها ، فإذا كان كذلك يأتي دور السؤال الذي طرحه العلامة الأميني قدس سره الشريف على علماء القوم و هو : من هو إمام الزهراء عليها السلام ؟ فإن قالوا لم يكن لها إمام لزمهم القول بأنها ماتت ميتة جاهلية و عوذاً بالله تعالى و هو منافٍ لكونها سيدة نساء العالمين و نساء أهل الجنة ، و إن قالوا أن إمامها الخليفة الأول فهي قد ماتت ساخطة عليه و على الخليفة الثاني – كما ورد في المصادر المعتبرة لأهل السنة – فلا يمكن أن يكون أحدهما إماما لها لأن المأموم يجب أن يسلّم للامام و يطيعه في كل صغيرة و كبيرة فيما إذا كانت إمامتُه و خلافتُه إلهيةً لا أن يعترض و يسخط عليه ، فلا يبقى إلا أن نقول أن إمامها علي عليه السلام .. فبمعرفة فاطمة نعرف إمامة أمير المؤمنين و أولاده المعصومين عليهم السلام و بمعرفة امامتهم نعرف سر عظمة ليلة القدر حيث نعرف من تتنزل عليه الملائكة و الروح في تلك الليلة بعد النبي صلى الله عليه و آله و سلم ، فمعرفة الزهراء عليها السلام معرفةٌ لعظمة ليلة القدر و سرِّ عظمتها و ..

موفقين لكل خير محروسين من كل سوء و شر و لا تنسوني من صالح أدعيتكم الخالصة ..

 

أيوب الجعفري

ليلة الخميس ٢٤ شهر رمضان المبارك ١٤٤٠ ق
الموافق ٣٠ / ٥ / ٢٠١٩ م

https://telegram.me/ayoobaljafary