*الحسنات من الله والسيئات منا*

*سؤال* من احد المؤمنين خلاصته : السلام عليكم ؛ لماذا ننسب الفشل و المصائب و السيئات التي تحل بنا إلى أنفسنا بينما ننسب النجاح و الحسنات التي تنزل علينا إلى الله تعالى ؟

*الجواب :*

و عليكم السلام ورحمة الله و بركاته و طابت أوقاتكم بكل خير و عافية ..

على اساس التوحيد الأفعال – و الذي قد بيّنّا بعض جوانبه في كثير من أجوبتنا على أسئلة المؤمنين – لا يصدر شيء في الكون إلا بإذن الله تعالى و الإذن هنا بمعنى التمكين و إعطاء القدرة ( كما أنه يفيضها علينا باستمرار – كأصل الوجود و الحياة و سائر النعم – من دون انقطاع بحيث لو انقطع هذا الفيض و هذه الإفاضة الربانية آناً ما انتفت و انعدمت القدرة – قدرة العباد على أفعالهم – فقدرة العباد مُفاضةٌ عليهم من الله تعالى ابتداءً و استمراراً كما هو مبيَّن في محله ) .. فالله سبحانه و تعالى أعطانا القدرة على الأفعال الاختيارية بلا فرق بين الحسناتِ و السيئاتِ و الأفعالِ التي لا تدخل في عنوان الحسنة و السيئة أو التي لا ينطبق عليها عنوان الحسنة و السيئة بحد ذاتها كالمباحات ( و إن أمكن تبديلها إلى حسنات أو سيئات بطروّ عناوين أخرى عليها ) فالخير من الله تعالى لانه هو من مكّننا و أفاض و يفيض علينا القدرة على فعله و هو الذي أعطانا القدرة على اختياره ، و الشر أيضاً لا يمكن أن يصدر من دون تمكين الله تعالى و لكنه جل و علا – تشريعاً – لا يريد منا الشر فهو يعطينا القدرة على فعله تكوينا كما يعطينا القدرة على تركه أيضاً – لأن الدنيا دار تكليف و لكن لا ينسب إليه الشر لأنه لا يريد ذلك تشريعاً و تكليفاً ؛ و يريد منا الخير و ينسب الخير إليه لأنه هو من أعطانا القدرة على فعله كما أنه يريد منا ذلك تشريعاً و تكليفاً ، و لهذا نقول أن كلاً من الحسنة و السيئة من عند الله و لكن الحسنة من الله لانه هو من يوفِّق و يمكِّنُ العبدَ على فعلها و إيجادها تكويناً و يطلبها منه تشريعاً إما إيجاباً أو ندباً إليها – بمعنى انه يريد منه إعمال القدرة و الإرادة الممنوحتين له من قبله جل وعلا في تحقيق الخير و الحسنة – و أما السيئة فهي ليست من الله تعالى و إن كانت من عند الله لأنه هو من أعطانا القدرة على فعلها و تركها ، كما أعطانا القدرة على فعل و ترك ما يكون نتاجه السوء و نزول البلايا و المصائب كما قال تعالى : ( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا * مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ) فبيّن لنا أن كلاً من الحسنة و السيئة من عند الله إلا أن الحسنة كما أنها من عند الله جل و علا فهي من الله أيضاً و السيئة من العبد نفسه فهو من أتى – بسوء اختياره الذي منحه الله تعالى إياه ليُحسِن إعمالَه فأساء و – أتى بما يوجب حلول السوء به و نزول البلاء عليه ( و طبعا هناك جوانب أخرى لنسبة الحسنات إلى الله تعالى و نسبة السيئات و البلايا و المصائب إلى العباد أنفسهم ككون الحسنات و البركات أموراً وجودية و السيئات أمورا عدمية و ما ينسب إلى الله تعالى هو الأمر الوجودي لا العدمي .. مضافا إلى نسبيتها أي أنها سيئات و مصائب لقوم و لكنها حسنات و بركات لآخرين أو أنها سيئات و مصائب من جهة و لكنها بركات و خيرات من جهة أخرى أو .. و هذا ما يتطلب بياناً و تفصيلاً يُخرجنا عن طور الاختصار في أجوبتنا ) ..

هذا ؛ و المصائب و البركات ليست دائما نتيجة الأعمال – الجوارحية و الجوانحية – بل قد تكون نتاج الأعمال و قد تكون للاعتبار أو التشويق و التشجيع كما أنها قد تكون للامتحان و الابتلاء الموجب للسقوط أو الارتقاء لأن الدنيا دار تكليف و امتحان فيلزم وجود البركات و البلايا لأجل هذه الأهداف الثلاثة : فأحيانا تؤدي الأعمال إلى نزول البركات أو المصائب لأنها من جملة أسباب حوادث العالم و أحداثها ، و أخرى تكون المصائب أو البركات للاعتبار أو التشويق و التشجيع فيعتبر المذنبون و العصاة و يبتعدوا عن ارتكاب الذنوب و المعاصي كما يتم تشجيع و تشويق المؤمنين لفعل الخير و الاشتياق و الإستباق إليه ، فيتم تشجيعهم و تشويقهم بنزول البركات المادية أو المعنوية أو كلتيهما على الصالحين ، و ثالثةً تكون امتحانا يوجب التكامل و خروج الكمالات عن حالة القوة و الاستعداد الى كمالات فعلية لبعض و السقوط و الانحطاط لآخرين و .. – و بيان ذلك موكول إلى محله – و لهذا نجد أن أعاظم الخلق من الأنبياء و الأولياء أيضاً مبتلون و أحيانا بأشد أنواع الابتلاء ..

موفقين لكل خير محروسين من كل سوء و شر

و لا تنسوني من صالح أدعيتكم الخالصة ..

أيوب الجعفري

ليلة الجمعة ٢٣ شعبان المعظم ١٤٤١ ق
الموافق ١٧ / / ٢٠٢٠ م

https://telegram.me/ayoobaljafary