*المقصود من كونه تعالى فاقد كل مفقود*

*سؤال من أحد المؤمنين :*

سلاما شيخنا الحبيب صبحكم الله بالخير واليمن والبركات … شيخنا ..كما سلطتم الضوء على مقطع من أدعية رجب وهو ( يا باطنا في ظهوره وظاهرا في بطونه ) بشكل جميل جزاك الله خير الجزاء … حبذا لو شرحتم هذا المقطع ( فاقد كل مفقود ) فما المراد منه ؟؟
سدد الله تعالى خطاك ونفع بعلمك المؤمنين والمؤمنات

___________________________________________

*الجواب :*

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

المقصود من قوله عليه السلام في التوقيع الشريف في أدعية شهر رجب : ” يا موصوفاً بغير كنه … و فاقد كل مفقود ” أنه تعالى منزَّهٌ عن كل نقص و عيب . و أما بيان ذلك :

نعلم جميعاً و لو إجمالا أن الله تعالى – و لكونه واجب الوجود بالذات – واجدٌ لجميع الكمالات الوجودية على الوجه الأتم و الأكمل و لا يُفترض كمال إلا و هو واجدٌ له بما يتناسب و وجوده اللامتناهي ، و إذا كان كذلك فلا يمكن افتراض نقص و عيب و حاجة و ضعف فيه تعالى لأن النقص و العيب و الحاجة و الضعف أمور عدمية فهي بمعنى فَقْدِ الكمال و كل ما يعد كمالاً و من عناصره من العلم و القدرة و الإرادة و الحكمة و الغنى و .. في وجوده جل و علا و تعالى ربنا عن ذلك علواً كبيراً ، فالجهل يعني عدم العلم أو محدوديته و العجز يعني فقد القدرة أو محدويتها و هكذا .. ، فهو تعالى فاقد لكل ما يعد أمراً عدمياً و نقصاً في الوجود لأنه تعالى – و كما أشرنا –  واجب الوجود و عينه فلا يجتمع مع شيء من العدم أو الأمور العدمية التي تُعدّ أموراً مفقودة لأنه لو كان فيه شيء من تلك الأمور العدمية لكان محدوداً و متناهي الوجود و قد افترضنا أنه لا حد له و لا نهاية لوجوده ( كما هو مُقَرَّرٌ و مُبَرهَنٌ عليه في العلوم العقلية حيث يقال هناك أن واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الجهات فهو واجدٌ لجميع الكمالات بما لا نهاية له و هذا ما يحتاج إلى بيان خارج عن طور هذا المختصر ) فهو تعالى فاقد كل مفقود أي أنه فاقد لكل نقص و عيب و حاجة لأنه عين الوجود و الكمال اللامتناهي ..

و تتميماً للموضوع ، تجدر الإشارة إلى أنه قد أُطلِق “النور” على الله تعالى في الآيات و الروايات و الأدعية و الزيارات بعبارات مختلفة فأحياناً يُطلَقُ عليه النور من دون إضافته إلى شيء أو إضافةِ شيء إليه فيقال : ” يا نور يا قدوس ” أو : ” يا نور يا مدبر ” و أمثال ذلك .. و هذا ما سنشير اليه في النهاية ، و قد يوصف تعالى بالنور مضافاً الى الغير كما في قوله تعالى : ” الله نور السموات و الأرض .. ” أو : ” يا نور المستوحشين في الظُّلَم ” أو : ” يا نور كل نور ” أو : ” يا نور القُدس ” و .. ، و أحياناً ينعكس الأمر فَيُنْسَبُ و يُضاف النور إليه جل و علا كما في قوله تعالى : ” يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم و الله متم نوره و لو كره الكافرون ” ..

و ليس هذان الاطلاقان – الثاني و الثالث – محط كلامنا حالياً و في هذا المختصر و لكن نقول إجمالاً – و لتتمّ الفائدة إن شاء الله تعالى – : إن في معنى النور و إطلاقه عليه تعالى بإضافته إلى الغير احتمالاتٍ متعددةً منها أنه تعالى هو الهادي لجميع من و ما في السموات و الأرض بالهداية التكوينية – بجعل كل ما هو دخيل في السير نحو الكمال و تحقيق غاية الخلق في كل موجود فيسير كل موجود بطبعه و غريزته أو بفطرته أو بقوة اختياره المودعة فيه نحوَ كماله و غاية خلقه و هدف إيجاده في البعد التكويني – و الهداية التشريعية بالحجتين الظاهرة ( الأنبياء و الأئمة الهداة عليهم السلام ) و الباطنة ( العقل ) للحركة نحو الكمالات الاكتسابية التي هي ملاك الفضل و القرب لدى الله تعالى ، فإذا ورد أن الله تعالى نور السموات و الأرض كان معناه أنه الهادي لها و أن هداية جميع من و ما سواه في بُعدي التشريع و التكوين بيده جل و علا .. و منها أن يكون النور بمعنى الوجود فالله نور السموات و الارض يعني أنه تعالى موجدُها و معطيها نورَ الوجود و مخرجُها بذلك عن ظلمة العدم ؛ فيكون النور بحسب هذين الاحتمالين بمعنى المُنَوِّر فالله نور السموات و الأرض أو نور القدس ( و الذي قد يعني أنه نور الموجودات المقدسة و المنزهة عن ظلمات المادة و حجب عالم الطبيعة ف” نور القدس ” بمعنى نور الملائكة و الموجودات المجردة ) و .. يعني أنه تعالى منوِّر السموات و الأرض و عالَم الملائكة أي هاديها – بحسب المعنى الأول – و موجِدها – بحسب المعنى الثاني – .

و أما إذا أضيف النور إلى الله تعالى ( نور الله ) فهو قابلٌ للصدق على أصل الدين و القرآن و على الإنسان الكامل المتمثل في الأنبياء و المرسلين و الأولياء الصالحين و الأئمة الطاهرين عليهم السلام كل بحسب كماله و نوريّته و لهذا أُطلق “نور الله” على الأئمة عليهم السلام في بعض الزيارات ففي زيارة الإمام الكاظم عليه السلام – مثلاً – : ” السلام عليك يا

نور الله في ظلمات الأرض ” .. و أما تفصيل الكلام في هذا القسم فهو موكول الى محله حيث يتطلب بيان معنى النور و أقسامه و المصاديق التي يمكن انطباقه عليها و وجه إطلاق النور عليها و .. و عَلَّنا نوفَّق لبيان ذلك في موضوع مستقل مستقبلا بعون المعبود جل و علا ..

و ما نريد الإشارة إليه هنا ( لنستفيد منه في موضوع السؤال )هو أن من جملة ما يوصف به الله تعالى هو أنه جل و علا “نورٌ” بقول مطلق من دون إضافته إلى شيء و لا إضافة شيء إليه كما في قولهم عليهم السلام : يا “نور يا قدوس” أو “يا نور يا الله” أو “يا نور يا مدبر” أو .. ، فنقول :.. قد أشرنا في بداية الجواب إلى أن الله تعالى عين الكمال و هو واجد لجميع الكمالات الوجودية في عين الوحدة ( بناء على التوحيد الصفاتي و الذي يعني أن له تعالى صفاتٍ ذاتيةً كالعلم و القدرة و الحياة و .. و هي جميعاً عين الذات و بعضها عين البعض الآخر و الاختلاف بينها إنما هو في المفهوم دون المصداق كما بيناه في بعض الأجوبة .. ) و الكمال و ما يصدق عليه أنه كمال كالعلم و القدرة و الحياة و الجمال و الجلال و العزة و .. ، نورٌ .. و بما أنه تعالى – و كما أسلفنا – غير متناهي الكمال لا حد لعلمه و لا منتهى لقدرته و لا نهاية لحياته و جماله و جلاله و … فلا نهاية لنوريته فلا يمكن افتراض نقص و عيب و حاجة فيه فهو نور لا ظلمة فيه أي أنه فاقد لكل ما يعد ظلمة و عدماً من الجهل و العجز و الضعف و الموت  و … فهو تعالى فاقد كل مفقود  ..

موفقين لكل خير محروسين من كل سوء و شر و لا تنسوني من صالح أدعيتكم الخالصة ..

أيوب الجعفري

ليلة الاثنين ٢٨ رجب الأصب ١٤٤١ ق
الموافق ٢٣ / ٣ / ٢٠٢٠ م

https://telegram.me/ayoobaljafary