*هل الطاقة و الالكترونات من المجردات ؟*

*سؤال من أحد الفضلاء :*

سلام شيخ

هل نستطيع أن نقول: الأشعات و الجاذبية و التيار الكهربائي و الالكترونات وأمثالها مجردات عن المادة بدليل أن ليس فيها صفات الجسم ؟؟

___________

*الجواب :*

و عليكم السلام ورحمة الله و بركاته

للمادة مصطلحات مختلفة ففي المنطق يقال لكيفية ارتباط المحمول بالموضوع ( من الوجوب و الامتناع و الامكان ) مادة القضية ، كما يقال لنفس القضايا عند تشكيل القياس البرهاني أنها مادة القياس قبال هيأته .. و في الفيزياء المادة هي ما له خواص و ميزات خاصة كالجِرم و الجذب و الدفع و قابلية الاصطدام و الاصطكاك بالغير و .. فإذا لم يكن كذلك سمي بالطاقة قبال المادة ( و طبعا لا يسمى مجرداً بل يسمى طاقة ) .. و أما في الفلسفة فالمقصود من المادة هو ما يمكن أن يتولد منه شيء آخر بالتوليد المتعارف أو بانفصال جزء منه أو بالتحول إلى شيء آخر أو .. ، و ما يكون من خواص هذا الموجود يُعدّ مادياً و ليس نفس المادة فهو من أقسام الموجودات غير المجردة أي أنه من الموجودات المادية و إن لم تكن نفس المادة ، و أما المجرد فهو ما ليس كذلك و قد بيّنوا ذلك بِخُلُوّ الموجود عن خواص المادة و هي الأبعاد الثلاثة ( الطول و العرض و العمق ) و الزمان و المكان و بعدم قابليته للإشارة الحسية و عدم قابليته للانقسام و لو كان بتبع انقسام الجسم ، فالكهرباء باصطلاح الفيزياء ليست مادة بل هي طاقة و لكنها باصطلاح الفلاسفة من الموجودات المادية لأنها من خواص المادة مضافاً الى قابلية الإشارة الحسية إليها و لها زمان و مكان خاص و كذا بالنسبة للجاذبية .. و أما الإلكترون فهو مادة و إن عُدّ في علم الفيزياء عنصراً و لكنه في النهاية من أجزاء المادة و من الناحية العقلية قابل للتقسيم – سواء تمكن البشر بعلمه من تقسيمه أم لم يتمكن فهم كانوا يسمون الذرة في لغة اليونان ب”أتُم” و هو بمعنى ما لا ينكسر لأنهم لم يكونوا قادرين على تجزئته و لكن العلم تطور فجزّأَهُ إلى الإلكترون و البروتون مثلاً و نفس هذا الذي يعد عنصرا تتكون منه الذرة قابل للتقسيم بالاصالة أو بتبع قابلية تقسيم الجسم المركب منه و من غيره ، كما أنها قابلة للاشارة الحسية و لو بالمجهر أو الاجهزة الأخرى مضافاً إلى أن له زماناً و مكاناً فله حيّز زماني و مكاني و …

و عموما من الناحية العقلية و في العلوم الفلسفية ليس لدينا موجود مادي غير قابل للتجزئة بمعنى انه ليس لدينا جزءٌ لا يتجزّأ سواء وصل العلم إلى التطور الذي يُمَكِّنُه من تجزئته أم لم يصل و هذا ما يشير إليه القرآن الكريم – بل يشير إليه و إلى التركُّب في جميع موجودات عالم الإمكان و الله هو العالم بمقاصده – في قوله تعالى في سورة الذاريات : “وَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ” فالزوجية و التركّب من جزئين على أقل تقدير – خارجيين أو عقليين – قرين ذوات الموجودات الإمكانية و من المعلوم أن التركُّب و الزوجية في الذات أمارة الحاجة الذاتية و في أصل الذات و في التحقق في عالم الوجود ، و الوحيد الذي ليس مركباً بأي نحو من أنحاء التركب من الأجزاء الخارجية و العقلية و كذا التركب من الوجود و العدم الذي يعد أخسَّ أنواع التركب ، هو الله تعالى فهو الوحيد الغني بالذات فهو الصمد الذي يحتاج إليه الجميع و لا يحتاج إلى غيره .. و لهذا يقول بعد الإشارة إلى الزوجية في ذوات جميع من سواه جل و علا : ” فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ” فهو الغني بالذات الذي يحتاج إليه جميع من سواه في أصل وجودهم و تحققهم في عالم الوجود فكيف بسائر الحاجات المترتبة على وجودهم في العالم الخارجي – و هذا ما يحتاج إلى بيان لا مجال للتطرق له في هذه العجالة – …

هذا ؛ و للتجرد في العلوم العقلية مراتب متعددة فمن المجردات ما هو مجرد عن المادة دون المقدار كالاجسام المثالية التي نشاهد نوعاً منها في عالم الرؤيا و كجسم الانسان البرزخي في عالم البرزخ و بعد الموت و الذي يتعلق به الروح في ذلك العالم ، و منها ما هو مجرد عن المقدار أيضاً كالروح و الملائكة ، و من جهة أخرى منها ما هو مجرد عن المادة ذاتاً و فعلاً كالملائكة و منها ما هو مجرد عن المادة ذاتاً لا فعلاً كالروح التي تحتاج في أفعالها إلى الجسم المادي أو البرزخي و المثالي المشار إليه أعلاه .. و أيضاً من المجردات ما هو مجرد عن الأجزاء العقلية أيضاً – مضافا الى التجرد عن المادة و الأجزاء الجسمانية – فليس فيها أي نوع من أنواع التركب و ليست مركبة حتى من الوجود و الماهية أو من المادة و الصورة أو من الوجود و العدم و هذا التجرد هو التجرد التام و هو مختص بالذات المقدسة الإلهية التي هي عين الوجود البحت اللامتناهي ، و منها ما هو  مجرد عن الأجزاء الخارجية دون العقلية كما أنه ليس مجردا

عن التركب من الوجود و العدم كالروح و الملائكة حيث أنها مجردات عن المادة و أجزائها الخارجية و عن مقدار المادة ايضاً و لكنها ليست مجردة عن الأجزاء العقلية لأنها مركبة من الوجود و الماهية و .. كما أنه ليست منزهة عن التركب من الوجود و العدم أي وجدان مرتبة من الوجود و الكمال وفقدان الاعلى منها و هو – أي هذا النوع من التركب – من أمارات المحدودية التي تلازم الحاجة ..

و بذلك يتبين أن القوة الجاذبية و الكهرباء و أنواع الطاقة و الالكترونات ليست موجوداتٍ مجردةً بالاصطلاح الفلسفي بل هي مادية و مركبة ، نعم باصطلاح علماء الفيزياء لا تُعَدُّ الطاقةُ من الموجودات المادية و لكن هذا اصطلاحٌ خاص بعلم الفيزياء و لا يوجب أن تدخل الطاقة و الالكترونات في المجردات بالاصطلاح الفلسفي ( و مثالاً على ذلك نعلم أن القياس له اصطلاح في العلوم العقلية و يقصد به البرهان القطعي المتكوّن من الصغرى و الكبرى و النتيجة أو من المقدم و التالي و النتيجة و لكن له اصطلاحٌ آخر في العلوم الاعتبارية كالفقه إلا أن المقصود منه غير المقصود من القياس في المنطق و الفلسفة ، و ما يسمى في الفقه بالقياس هو التمثيل في العلوم العقلية و تسميته بالقياس لا يوجب دخوله في القياس المنطقي كما أن تسمية البرهان في العلوم العقلية بالقياس لا يوجب تحوّله إلى قياس فقهي ليصبح منهياً عنه في الشريعة المقدسة ) ..

موفقين لكل خير محروسين من كل سوء و شر و لا تنسوني من صالح أدعيتكم الخالصة ..

أيوب الجعفري

يوم الأربعاء ٧ شعبان المعظم ١٤٤١ ق
الموافق ١ / ٤ / ٢٠٢٠ م

https://telegram.me/ayoobaljafary