*و لم يلبسوا إيمانهم بظلم*
*سؤال من أحد المؤمنين :*
شيخنا الفاضل سلام عليكم .. فى الآية المذكورة ما المراد من و لم يلبسوا إيمانهم بظلم .. مع أن الجميع إما أن ظلم نفسه أو ظلم غيره
___________________________________________
*الجواب :*
و عليكم السلام ورحمة الله و بركاته ..
بسم الله الرحمن الرحيم
في قوله تعالى : ” الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن و هم مهتدون ” – الأنعام : ٨٢ – احتمالاتٌ متعددة و ما يتبادر إلى ذهن هذا القاصر هو أنه يمكن القول بأن هذه الآية تنطبق على آثار الإيمان في الدنيا و الآخرة فالمؤمن الذي لم يلبس و لم يستر إيمانه بأي نوع من أنواع الظلم – في العقيدة و العمل ، بنفسه أو غيره في البعدين الفردي و الإجتماعي ، فلم يختلط إيمانُه بأي نوع من أنواع الشرك الذي عُدّ ظلما عظيماً و لم يظلم نفسه بارتكاب المعاصي الذي عدّه القرآن الكريم ظلما كما في قوله تعالى :”و من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه” و لم يظلم غيره من الناس في أنفسهم و أعراضهم و أموالهم و .. – فهذا الإنسان الصافي الخالص و المُقْبِلُ بتمام وجوده ظاهره و باطنه على الله تعالى ، في أمن و أمان كما أنه هو المهتدي السالك سبيل الهداية بالنحو الأتم الأكمل ، فهو الآمِن و المهتدي في الدنيا و الآخرة ..
أما في الدنيا فلأن الذي يخاف الله تعالى و لم يرتكب أي نوع من أنواع المعاصي العقيدية و العملية و الخُلقية تنزل عليه السكينة الربانية كما قال تعالى : ” هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم ” و إذا نزلت السكينة الربانية على قلب أحد زال عنه الخوف من جميع من و ما سوى الله تعالى فهذا الانسان في أمن و أمان بفضل الله تعالى عليه فلا يخاف شيئاً و إن عرّضه للخطر لأنه يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له ، و أن كل ما يقوم به الاعداء لا يُنتِج في حقه إلا إحدى الحسنيين مضافا إلى أنه يرى القدرة الإلهية اللامتناهية بإيمانه و يشاهد مظاهرها بعينه و يدركها بسائر قواه الظاهرية و الباطنية فلا يعد ما سواها قدرةً كي يهابها ، و أضف إليه أنه معتمد على الله العليم القدير على الإطلاق و متوكِّل عليه و يعلم أنه لا مؤثر في الوجود إلا الله ( على اساس التوحيد الأفعالي الذي أشرنا – في بعض الاجوبة – إلى معناه و إلى عدم منافاته لكون الإنسان موجوداً مختاراً حيث أن الله تعالى قد أعطاه و أفاض عليه قوة الاختيار فهو – أي الإنسان و كذا سائر المكلفين – يفعل ما يفعل باختياره المُفاض عليه من قِبَل الله تعالى و .. ) فلا يرى لأحد قدرةً على الإضرار به إلا أن يشاء الله تعالى فلا محالة لا يخاف من و ما سوى الله تعالى و ينحصر خوفه و خشيته في الخوف و الخشية من الله جل و علا .. و في المقابل من لم يخف الله تعالى فهو في خوف من كل شيء و ذلك لأنه لا يرى نفسه بين الحسنيين و لا يرى القدرة الإلهية اللامتناهية أو أنه غافل عنها فلا يعتمد عليها و لا يتوكل على الله جل و علا فيخاف الضرر و الخطر المُتوقَّع من دون أن يكون له من الله ظهير و لا نصير و .. و لهذا ورد في بعض الأخبار أنه : ( من خاف الله أخاف الله منه كل شيء و من لم يخف الله أخافه الله من كل شيء ) ..
فالمؤمن الذي لم يلبس إيمانه بظلم هو المؤمن حقيقةً أي أنه – بتحقيق حقيقة الإيمان في قلبه و التصديق و الاذعان القلبي بعناصر الإيمان المستلزم للاندفاع نحو العمل الصالح و الانزجار عن العصيان و الابتعاد عن الظلم و الطغيان .. أي الإيمان القلبي الموجب للالتزام العملي بلوازمه – نعم ، هذا المؤمن يشعر دائماً أنه في أمن و أمان لأنه يرى نفسه في درع الله الحصينة و حصنه المنيعة ، كما أنه قد بلغ مدارج عالية من الهداية حيث لم يلبس إيمانه بأي نوع من أنواع الظلم – فإن كلمة “ظلم” في قوله تعالى : ” و لم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ” نكرةٌ في سياق النفي و هي تفيد الاستغراق و شمولية نفي الظلم لجميع أنواعه – فهو السالك لطريق السعادة و الكمال حقاً بجميع قواه و بتمام مراتب وجوده ..
هذا فيما يتعلق بالدنيا ، و أما في الآخرة فمعلوم أن المؤمن الذي لم يلبس إيمانه بأي نوع من أنواع الظلم يكون في مأمن من العذاب الإلهي و قد يكون ممن يدخل الجنة بغير حساب ولذلك يكون من المهتدين السالكين للصراط المستقيم و العابرين لجسر الصراط يوم الدين كالبرق الخاطف بلا خوف و لا قلق فهو من سعداء دار السلام الآمنين من عذاب الله في جميع مراحل و عقبات القيامة من لحظة الموت إلى وقت دخول جنة الخلد ..
و هذا من أعلى مراتب مصاديق الآية فكلما نزلت درجة المؤمن بالظلم في أصل الإيمان أو بامتزاج ايمانه به – أعني بالظلم – من حيث العمل و الأخلاق بحق نفسه أو غيره قَلّتْ درجة الأمن و الإهتداء و كلما نزلت درجة الإيمان تضاءلت آثاره من الأمن و الهداية – و غيرهما مما أشير إليه في سائر الآيات و الروايات – فإن سبب الأمن و الإهتداء
هو الإيمان فكلما زاد زاد الأمان و ارتقت درجة الهداية و كلما نزل و نقص ، قلّ الأمان و نزلت درجة الهداية .. و في جملة واحدة : ملاك الأمن و الهداية هو الإيمان فإذا كان خالصاً كانا خالصين و إذا شابه شيءٌ من الظلم شابهما شيء من الخوف و الضلال على حسب درجة الخلوص و الشوب ..
موفقين لكل خير و لا تنسوا هذا العبد من صالح الأدعية الخالصة ..
أيوب الجعفري
ليلة الثلاثاء ٢٩ رجب الأصب ١٤٤١ ق
الموافق ٢٤ / ٣ / ٢٠٢٠ م
https://telegram.me/ayoobaljafary