موقف الإمام الحسين من صلح الإمام الحسن عليهما السلام :

سؤال من أحد فضلاء السادة :

شيخنا العزيز هذه إثارات جديدة ل … عن النهضة الحسينية .. و فيها أن الامام الحسين عليه السلام لم يكن مقتنعا بصلح الامام الحسن عليه السلام و لكنه قبل لانه إمام مفترض الطاعة .. و يتكلم عن العصمة أنها في الموضوعات لا الأحكام حسب رأي السيد الخوئي فمن الممكن الاختلاف .. طبعا كما ظاهر كلامه أنه يطرح مجرد إثارات و إشكاليات سواء كان مقتنع بها أو لا ..

فإن حصل لكم وقتا لتتابعوا المقطع وتفيدوني بالأجوبة أكون لكم شاكرا و داعيا ..

——————————————————————

الجواب : سلام عليكم سيدنا المبجل و رحمة

* مع الاسف لا أتمكن من الإستماع إليه لطول المقطع و ضيق الوقت و لكن لا بد من الاشارة إلى بعض النقاط المتعلقة بهذا الموضوع ..

* إذا كان حديثه حول ما تفضلتم به فقط فكلامه في صلح الإمام الحسن عليه السلام غير صحيح لأن الإمام الحسن عليه السلام معصوم بالعصمة الكبرى التي دلت عليه آية التطهير و سائر الأدلة من الآيات و الروايات و الإمام الحسين عليه السلام أيضاً معصوم بتلك العصمة ، و المعصومان – اللذان يتمتعان بدرجة واحدة من العصمة و ليس بينهما فرق في درجتها و مرتبتها و لا في متعلَّقها و سعة نطاقهما – لا يختلفان بل و لا يمكن أن يختلفا في شيء و إلا لما كانا معصومَين و لانتفت العصمة عنهما كليهما أو عن أحدهما .. و العصمة من مقومات الإمامة في الفكر الشيعي و وفقاً للأدلة الشرعية التي قد دلت على أن العصمة المعتبرة في الامامة في ظل الرسالة الختمية أعلى درجةً و أوسع نطاقاً من العصمة المعتبرة في سائر الأنبياء السابقين و أوصيائهم المعصومين عليهم صلوات رب العالمين ، و هذا ما نعبر عنه بالعصمة الكبرى ..

أضف إلى ذلك أنه لو كان الإمام الحسين عليه السلام غيرَ مقتنعٍ بالصلح كان معناه أن الإمام الحسن عليه – و عوذاً بالله – مخطئٌ في نظر الإمام الحسين عليه السلام و لو كان كذلك لوجب الإعتراض أو بيان الحق إلى أن يُقنِع أخاه الإمام الحسن عليه السلام و إذا لم يتمكن من إقناعه فعليه أن يبين للتاريخ بكل وضوح أن الصلح لم يكن صحيحاً ليعرف الناس الحق حق معرفته .. و لكن الواقع يثبت لنا خلافه فإنه عليه السلام مضافاً إلى عدم الاعتراض على الصلح ، قد التزم به بعد فعلية إمامته أيضاً و ذلك بعد استشهاد الإمام الحسن عليه السلام ، نعم قد التزم به و بمقتضاه عشر سنوات إلى أن مات معاوية و تخلف عن بنود الصلح فاستخلف ابنه يزيد فثار الإمام عليه السلام و قام بثورته العظيمة التي أحيت الإسلام من جديد و .. ، و لو كان قبوله للصلح لأجل كون أخيه إماماً مفترض الطاعة للزم الخروج عن هذه المعاهدة بعد استشهاد الإمام الحسن عليه السلام لا البقاء و الإلتزام بها بعد استشهاده عليه السلام ، لأنه و بعد استشهاد أخيه صلوات الله عليهما هو الإمام المفترض الطاعة و قد انتهى أمد وجوب الطاعة فإذا لم يكن مقتنعاً و كان معتقداً لخطأ الصلح كان من اللازم أن يخرج عنه و يُعلن للناس أنني كنت رافضاً للصلح و لا أقبل به الآن أيضاً فلا يوجد بيننا و بين معاوية شيء باسم الصلح بعد هذا اليوم ..

* و أما بالنسبة لما أشرتم اليه من نفي العصمة في الاحكام ، فمن الممكن أن يكون المتحدث قد نفى العصمة في الموضوعات و أثبتها في الأحكام – عكس ما ورد في السؤال – و إلا لم يصدق عليه أنه شيعيٌ لأن الشيعة تعتقد بالعصمة في الأحكام على أقل تقدير – بل يعتقد الجميع بالعصمة في الموضوعات أيضاً و إن اشتبه الأمر على البعض فنفاها فيها – ، و لهذا – أعني لكون الأئمة عليهم السلام معصومين في الأحكام – يكون كلامهم حجةً نُثبت به أحكام الله تعالى و لا اتصور أن المتحدث لا يتمسك بأحاديث أهل البيت عليهم السلام لإثبات الأحكام الشرعية .. و ظاهر البحث ايضاً أنه – إن قصد الإنكار – إنما يريد إنكار العصمة في الموضوعات لأنه يريد – حسب ما يستفاد من محل و محط الكلام – أن يقول أن الصلح من الموضوعات الخارجية التي لا يجب أن يكون الإمام عليه السلام معصوماً فيها و لكنه كلام باطل قطعاً و نقول في بيانه مختصراً :

* و أما العصمة في الموضوعات فهي ايضاً غير قابلة للإنكار و لا نتمكن من الخوض في الأدلة و لكن إجمالاً نعلم أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم معصوم فيكون ما يُخبر به حقاً مطابقاً للواقع قطعاً و قد أخبر أن علياً مع الحق و الحق معه ، و هو دليل واضح على العصمة و إلا لم يكن علي مع الحق دائماً و لم يكن الحق معه دائماً و بلا استثناء ، و لم يقيد و لم يخصص النبي صلى الله عليه و آله و سلم ذلك بالأحكام لا بمُقَيِّدٍ أو مُخَصِّصٍ متصل و لا منفصل فيكون عليه السلام معصوماً في تشخيص الموضوعات الخارجية أيضاً .. و الحسن و الحسين عليهما السلام إمامان كأمير المؤمنين عليه السلام فإذا كان علي عليه السلام معصوماً في الموضوعات كان الحسنان و سائر الأئمة عليهم السلام أيضاً معصومين في الموضوعات إذ لا فرق بينهم من هذه الجهة فهم نور واحد كما يستفاد من الحديث القائل : ” أولنا محمد ، آخرنا محمد ، أوسطنا محمد ، كلنا محمد ” .. و يستفاد ذلك من قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم بشأن الزهراء عليها السلام ايضاً حيث أنه صلى الله عليه و آله و سلم قال : إن الله يرضى لرضاها و يسخط لسخطها و .. و لا يمكن ان يرضى الله بما هو خلاف الحق فلا يمكن أن ترضى بخلاف الحق فيجب أن تكون معصومة و لا يمكن تخصيص ذلك بالأحكام بل ظهور الرواية في الموضوعات أكثر من ظهورها في الأحكام حيث أن الرضا و السخط يتعلقان بالأمور الخارجية عادةً – لا دائماً – .. و إذا كانت الزهراء عليها السلام معصومة في الموضوعات كالأحكام لزم أن يكون الحسنان عليهما السلام أيضاً معصومَين فيها لأنهم – و كما اشرنا – نور واحد أولاً و هما إمامان يتوليان تدبير شؤون المجتمع ثانياً بخلاف الزهراء عليها السلام فهي مع أنها من جملة أهل البيت المعصومين بالعصمة الكبرى ليست من الأئمة و مع ذلك هي حسب هذه الرواية و سائر الروايات و كذا الآيات معصومة في الموضوعات الخارجية أيضاً فيلزم أن يكون الإمام أيضاً معصوماً فيها إن لم نقل بطريق أولى – أقصد بطريق أولى من حيث ضرورة العصمة لا من حيث درجتها و سعتها – ..

أضف إلى ذلك أن الموضوعات على قسمين موضوعات خارجية بحتة و موضوعات خارجية متعلَّقة للأحكام ( و هي قد تكون من الموضوعات المستنبطة و قد لا تكون كذلك ) و القسم الثاني لا يمكن أن لا يكون الإمام معصوماً فيها لأنها ترجع إلى الأحكام الشرعية و تشخيصها و تطبيقها و قد قلنا أن الضرورة قاضية بالعصمة في الأحكام و .. و الصلح الذي يكون مصير المجتمع و الأمة الإسلامية رهناً له إن قلنا أنه من الموضوعات الخارجية ، فهو متعلَّق لأحكام شرعية متعددة أولها الحكم التكليفي لهذا الصلح فهل هو واجب أو جائز أو حرام ، فلو كان خلاف المصالح العامة للإسلام و المسلمين أو كان مزاحماً لمصلحة أعلى و أهم كان محرماً – بحكمه الأولي أو الثانوي – و لا يمكن القول بأن الإمام عليه السلام قد ارتكب المحرم الواقعي – و عوذاً بالله – و لو لأجل عدم صحة تشخيص الموضوع ، و كيف يمكن أن تُوكَل الإمامة إلى من يمكن أن يصدر منه الخطأ في أمر عظيم كالصلح الذي يحدد مصير الأمة الإسلامية ..

أيوب الجعفري

ليلة الإثنين ٢١ محرم الحرام ١٤٤٠ ه ق
الموافق ١ / ١٠ / ٢٠١٨

https://telegram.me/ayoobaljafary