كيف نقول في صلاة الميت : اللهم إنا لا نعلم منه الا خيرا ، مع العلم بكونه عاصياً ؟

سماحة الشيخ سلام عليكم ورحمة الله و بركاته

هناك سؤال يطرحه البعض حول الدعاء للميت في الصلاة التي تُقام عليه فنقول : ” اللهم إنا لا نعلم منه الا خيرا ” فما المقصود منه ، لا سيما مع علم المصلي أن هذا الميت ظالم و لا يعلم منه خيراً و فِي نفس الوقت هو موالي للأمام علي و لكن لا يتبعه اتباعاً صحيحاً . فكيف تفسرون ذلك ، كما أنه قد يكون المتوفى من غير الموالين و الذي يصلي عليه من الموالين فإذا كان المقصود لا نعلم منه الا خيرا هي ولاية الامام علي عليه السلام فأنا أعلم بان هذا الميت غير متمسك بالولايه لانه من سائر الطوائف فكيف أقول في صلاتي لانعلم منه إلا خيراً اذا كان المقصود منه ولاية الامام علي عليه السلام ؟ فالرجاء الافاده و التوضيح للاهميه ..

————————————————————–

الجواب :

و عليكم السلام ورحمة الله و بركاته

الظاهر أن المقصود أصل الإيمان و من مقوماته الإيمان بالولاية فالإمامي الإثنى يمكن أن يقال عنه في الصلاة أننا لا نعلم منه إلا خيراً أي أننا لا نعلم منه إلا الإيمان فلو لم يكن مؤمناً بحسب الواقع و في قلبه فنحن لا نعلم بذلك لأننا لا نعلم بالغيب .. فالمقصود من أننا لا نعلم منه إلا خيراً هو الخير العقائدي لا الأخلاقي و العملي ، و من الفقهاء من يفتي بعدم جواز ذكر هذه الجملة مع قصد الجانب الأخلاقي و العملي فيما إذا علمنا بأن الميت كان من العصاة بأن كان شارباً للخمر أو تاركاً للصلاة مع عدم علمنا بتوبته و عدم إمكان حمل أعماله على الصحة و على وجه شرعي ففي هذه الصورة لم يجز ذكر تلك الجملة لأنها تشتمل على الكذب المحرم فيمكن تبديلها بعبارة أخرى حيث لا يشترط في صلاة الميت صياغة خاصة للأدعية و الأذكار التي يجب ذكرها فيها بمعنى أن الفاظ الأدعية و الأذكار في هذه الصلاة ليست توقيفية فيجوز استبدال : ” اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيراً ” بقولنا : ” اللهم أنت أعلم به منا ” كما يمكن استبدال هذا الدعاء فيما إذا كان الميت مجنوناً مرفوع القلم بقولنا : ” اللهم أدخله الجنة و أكرمه و أحسن إليه ” ..

و هناك جواب آخر – قد ذكره البعض مختصرا – و هو بشيء من التوضيح منا : أن المسألة تعبدية و نحن نتبع الشرع الذي أمرنا بذلك و لم يقيده بعدم علمنا بكون الميت فاسقاً ظالماً ؛ فنحن نعلم أن الله تعالى يعلم كل شيء و لا يخفى عليه مثقال ذرة في السموات و لا في الأرض و يعلم أننا نعلم أن بعض الأموات كانوا يرتكبون بعض المعاصي في حياتهم و مع ذلك أمرنا بأن ندعو له بهذه الطريقة و بهذا الدعاء و هذا الأسلوب ، فيكون ذلك من مظاهر رحمته تعالى بعباده حيث أنه تعالى – كما في بعض الأخبار – يجيز شهادة أربعين مؤمناً بحق المتوفى فيغفر له بشهادتهم و إن علم أنه لم يكن مؤمناً ملتزماً بلوازم الإيمان عاملا بالصالحات تاركاً للمعاصي فعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : ” إذا كان المؤمن فحضر جنازته أربعون رجلا من المؤمنين فقالوا : اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيراً و أنت اعلم به منا ، قال الله تبارك و تعالى : إني أجزت شهادتكم و غفرت له ما علمت مما لا تعلمون ” ..

هذا ، و يمكن القول بأن الله تعالى يريد منا غض النظر عن معاصيه و أن نأخذ أصل إيمانه و كذا أعماله الصالحة بعين الإعتبار و ذلك لأجل أن المؤمن بطبيعة الحال و بمقتضى إيمانه إذا أذنب تاب و مجرد احتمال كونه تائباً يكفي في صحة و صدق القول بأننا لا نعلم منه إلا خيراً لأنه من الممكن أن يكون قد تاب و استغفر ثم مات فنحن لا نعلم منه إلا خيراً لأن التائب عن الذنب كمن لا ذنب له و نحن نحتمل أنه قد تاب فلا نعلم منه إلا أنه مؤمن قد عمل الصالحات و أما أنه مذنب و قد مات بلا توبة فلا نعلم منه ذلك و لهذا نقول بعد ذلك : ” وَ أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ اللَّهُمَّ إِنْ کَانَ مُحْسِناً فَزِدْ فِی إِحْسَانِهِ وَ تَقَبَّلْ مِنْهُ وَ إِنْ کَانَ مُسِیئاً فَاغْفِرْ لَهُ ذَنْبَهُ وَ ارْحَمْهُ وَ تَجَاوَزْ عَنْه‏ ”

هذا كله فيما إذا كان الميت مؤمناً إمامياً ؛ و أما إذا كان الميت من سائر طوائف المسلمين غير المحكومين بالكفر فالوارد هو أن نقول بعد التكبيرة الرابعة : ” اللهم اغفر للذين تابوا و اتبعوا سبيلك و قهم عذاب الجحيم ، ربنا و أدخلهم جنات عدن التي وعدتهم و من صلح من آبائهم و أزواجهم و ذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم ” . و إن كان مجهول الحال قلنا : ” اللهم إن كان يحب الخير و أهله فاغفر له و ارحمه و تجاوز عنه ” أو : ” اللهم إن هذه نفسٌ ( أو : اللهم هذه النفس ) أنت أحييتها و أنت أَمَتّها و أنت أعلم بسرّها و علانيتها فاحشرها مع من تولت ( أو : ولّها ما تولّت و احشرها مع من أحبت ) ” و إن كان طفلاً في سِنٍّ يُصَلَّى عليه قلنا : ” اللهم اجعله لأبويه و لنا سلفاً و فَرَطاً و أجرا ” ..

موفقين لكل خير و لا تنسوني من صالح دعواتكم الكريمة

أيوب الجعفري

يوم الأربعاء ٢٥ ذو القعدة الحرام ١٤٣٩ ه ق
الموافق ٨ / ٨ / ٢٠١٨ م

https://telegram.me/ayoobaljafary