التسليم للفقيه

استفسار من أحد المؤمنين :

سلام عليكم شيخنا ..

أحد المؤمنين طرش سؤال اذا ممكن اتوضحون له جزاكم الله خيرا .. سلام، السؤال هل التسليم للفقيه أو المقلد، تسليم كلي يعني في الشريعه و الفقه، التسليم بمعنى أن تتبع من غير أن تشك أو تسأل؟.. في الأحكام التشريعيه فيها تسليم كلي لأن الأحكام الشرعيه منصوص من الله بس الأحكام الفقهيه مستنتج من اجتهاد الفقهاء، و الفقيه ليس بمعصوم فهل التسليم في الأمور الفقهيه واجب فيها التسليم الكلي ؟

الجواب :

و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته …

بسم الله الرحمن الرحيم

في البداية يلزم الإشارة إلى أنه لم يتبين لي المقصود من لزوم التسليم في الأحكام التشريعية دون الأحكام الفقهية فإن الأحكام الفقهية نفسها هي الأحكام التشريعية فإنها الأحكام التي شرعها الله تعالى و بيّنها الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم و من بعده أهل البيت المعصومون صلوات الله عليهم أجمعين، و الفقيه يقوم باستنباط تلك الأحكام التشريعية من أدلتها التفصيلية ، نعم من الممكن أن يخطأ الفقيه في استنباطه إلا أن ما استنبطه حجة بيه و بين ربه لنفسه و لمقلديه فيجب التسليم له في الأحكام التشريعية التي استنبطها من أدلتها فنقول في الجواب عن استفساركم باختصار شديد – و قد بيّنّا ذلك في مقال “ضرورة المرجعية” بشيء من التفصيل – :

التسليم – بمعنى لزوم القبول و الإلتزام بآراء الفقيه الذي يقلده المكلف و عدم الرد عليه – واجبٌ بل قد عُدّ الرد على الفقهاء في بعض الروايات ردّا على الأئمة عليهم السلام و الرد عليهم صلوات عليهم أجمعين ردٌّ على الله تعالى و هو في حدّ الشرك، إلا أن ذلك لا يعني حرمة السؤال عن الدليل فيجوز السؤال عن دليل ما يفتي به …

و مع ذلك يلزم الالتفات إلى أنه ليس المقصود من الدليل فلسفة و حكمة الأحكام أو عللها حيث أن كثيرا من المؤمنين عندما يسألون عن دليل حكم من الأحكام الشرعية يقصدون حكمة الحكم أو علته بينما يتبع الفقيه الدليل و الحجة الشرعية على الحكم و أما الحكمة أو العلة ففي حقيقة الأمر حِكمة كثير من الأحكام خفية على غير أهل بيت النبوة و لم و لا يتبين لغيرهم إلا ببيانهم صلوات الله عليهم أجمعين، كما أن علل الأحكام غير معلومة لغير المعصومين عليهم السلام إلا ما ندر مما يدركه العقل أو ما بيّنه لنا أهل بيت العصمة و الطهارة صلوات الله عليهم أجمعين .. و على أية حال أحكام الله تعبديةٌ خفيةُ الحِكَم و العلل في الأعم الأغلب فليس المقصود من السؤال عن أدلة الأحكام السؤال عن عللها التي تدور مدارها أو حتى حِكَمها و الفوائد المترتبة عليها مما لا يتمكن العقل البشري من إدراكه و .. بل المقصود الدليل الذي يُثبِت أن هذا الحكم من الشرع المقدس و هو – أي الدليل – القرآن و السنة – و كذا العقل و الاجماع في حدود خاصة مُبَيَّنة في علم أصول الفقه – فالفقيه ينظر إلى الأدلة فإذا ورد في نص قرآني أو رواية معتبرة مثلا أن العمل الفلاني واجب أفتى بالوجوب سواء علم علة أو حكمة وجوبه أم لا ، و بذلك يتبين أنه لا بأس بالسؤال عن الدليل بهذا المعنى و لكن إذا ثبت لدى الفقيه حكمٌ ما، وجب عليه و على جميع مقلديه الالتزام به فالتسليم للفقيه تسليم للفقه و لأحكام الله تعالى التي ثبتت لدى الفقيه الجامع للشرائط وفقا للحجة الشرعية القائمة لديه ..

إذن يجوز و يصح السؤال عن أدلة الأحكام بالمعنى المشار إليه و مع ذلك يلزم الالتفات إلى أنه ليس بمقدور كل أحد معرفة أدلة الأحكام لتوقف كثير منها على مقدمات علمية كثيرة و لهذا يصعب الشرح لعامة الناس لأن كثيرا من الأحكام – كما أشرنا – يتوقف العلم بها و معرفتها بأدلتها على المعرفة بقواعد متعددة فقهية أو أصولية أو رجالية – مع العلم بالمصطلحات العلمية في تلك العلوم – و قد تتعارض الأدلة و قد يختلف الفقهاء في اعتبار و حجية الرواية المُستدَل بها و في دلالتها كما أنهم في حال تعارض الأدلة و الروايات المعتبرة – لا بالعموم و الخصوص أو الاطلاق و التقييد بل بالتباين و التضاد بين مداليلها – يختلفون فيما يُقدَّم على غيره من الأدلة حسب الموازين و القواعد التي يتبعونها في علاج الروايات المتعارضة و … و كل ذلك و غيره – و هو كثير جدا – يحتاج إلى أن يكون الإنسان ملما و أحيانا من أهل الاختصاص في عدة علوم من الفقه و أصول الفقه و الرجال و الدراية و … كي يتمكن من معرفة و فهم الدليل الذي يستند إليه الفقيه في فتواه و رأيه الفقهي ..
موفقين مسددين

أيوب الجعفري

يوم السبت ١١ ربيع١ ١٤٤٤ ق
٨ / ١٠ / ٢٠٢٢م