غسل الرجل أم مسحها :

أرسل لي أحد المؤمنين ملفا مرئيا يتحدث فيه أحدهم عن الوضوء في القرآن و قال أن القرآن يقول أن غسل اليد يجب أن يكون من الأصابع إلى المرافق ( فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق ) كما أن الواجب في الرجل هو الغسل لا المسح لأن (أرجلَكم) منصوب بالفتحة فيلزم أن يكون معطوفا على (وجوهكم) لا على رؤوسكم، و وجوهكم مفعول به لقوله تعالى ( اغسلوا) فيكون المعنى : ( فاغسلوا وجوهكم و أيديكم و لْيَكُن الغَسل من رؤوس الأصابع إلى المرافق و امسحوا برؤوسكم و اغسلوا أرجلَكم ) خلافا للشيعة الذين يغسلون اليدين من المرافق إلى رؤوس الأصابع و يمسحون الرجلين و لا يغسلونهما ..

و طلب مني الأخ المرسل تعليقا على ما يذكره المتحدث حول الوضوء و مفاد آية الوضوء فكتبت ما يلي :

الجواب :

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

كنت قد أجبت على أحد شقَّي الشبهة التي يطرحها المتحدث فأرسلت لكم الرابط المشتمل على الجواب عن ذلك الشق و خلاصته أن قوله تعالى : “إلى المرافق” غاية للمغسول لا للغسل لأن المتفاهم العرفي من اليد هو الكف إلى الرسغ فإذا قيل لأحد اغسل يدك نراه يغسلها إلى الرسغ، فلكي لا يكتفي المكلف في وضوئه بغسل الكفين فقط قال : “إلى المرافق” أي أن المقصود هو : أيديكم إلى المرافق، لا : “اغسلوا إلى المرافق” حتى يكون الواجب هو الغسل من رؤوس الأصابع الى المرافق ..

و أما قوله حول نصب “أرجلكم” و أنه معطوف على “وجوهكم” لا “رؤوسكم” فكلامه غير صحيح بل هو مُستهجَن أدبياً و بلاغيا حيث أنه يستلزم أن يكون قد فصل بين الفعل و مفعوله بأجنبي ( حيث فصل بينهما بفعل و فاعل و جار و مجرور ) بمعنى أنه لو كان “أرجلكم” معطوفا على “وجوهكم” كان معناه أن “أرجلكم” مفعول به لقوله : “اغسلوا” فيكون قوله : “و امسحوا برؤسكم” فاصلا بين الفعل و مفعوله و هو مستهجن أدبياً كأن يُقال : ” ضرب زيدٌ خالدا و قتل علي بكرا و عَمرا” و نقول بأن عَمرا مفعول به ل”ضرب” لا “قتل” و هذا كلام مستهجن و خلاف البلاغة العادية فكيف بالبلاغة القرآنية التي تعد قمة البلاغة ..

و أما قوله أن “أرجلكم” منصوب بالفتحة فيلزم أن يكون عطفا على الوجوه فقد أخطأ في ذلك أيضا لأن فعل المسح متعدٍ بنفسه فيكون “أرجلكم” عطفا على مجموع “برؤوسكم” و ليس عطفا على المجرور و هو “رؤوسكم” فالتقدير : ” فامسحوا برؤوسكم و امسحوا أرجلَكم” و إنما جيء بالباء في “برؤوسكم” لإفادة كفاية المسح على بعض الرأس – كما في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام، و طبعا دلالتها على التبعيض يحتاج الى بيان مذكور في الأبحاث الفقهية الاستدلالية – و حذفت الباء من الأرجل لإفادة لزوم استيعاب المسح لجميع الرجل طولا ( و أما عرضا فالفقهاء استفادوا من بعض الأدلة عدم وجوب الاستيعاب و فيه كلام يحتاج إلى تفصيل ليس هنا محل طرحه ) .. نعم لو كان فعل المسح لازما لا يتعدى إلا بحرف الجر لقلنا أن لكلامهم وجها مع أنه مخالف للبلاغة لأجل الفصل بين العامل و معموله بالأجنبي، و لكن المسح متعدٍّ بنفسه فلا يحتاج إلى حرف الجر إلا لإفادة أمر زائد كما في الرأس حيث أراد إفادة كفاية مسح بعض الرأس فجاء بالباء و أما الأرجل فاللازم هو المسح المستوعب لجميع ظهر القدم طولا على أقل تقدير فكان اللازم أن تكون “أرجلكم” منصوبةً لا مجرورة  ..

موفقين مسددين

أيوب الجعفري

ليلة الاثنين ٩ ج٢ ١٤٤٤ ق

٢ / ١ / ٢٠٢٣ م

___________________________________________

و كنت قد أجبت على هذا السؤال قبل عدة سنوات و إليكم نص السؤال و الجواب

 

مسح الرجلين أم غسلهما ؟

السلام عليكم

اريد توضيح لموضوع معين و هي مسألة .. ” مسح الرجلين ” بدل غسلهما في الوضوء .. طلب مني ( …) أن اوضح له هذه المساله مع جواب مقنع .. و هل من يغسل رجليه يعتبر وضوءه خطأ ؟
و هذه المساله موجوده في كتاب …
فإن كان هناك تصحيح للمعلومه أو رد مقنع لهذي المساله مع ذكر المصدر .. أكون شاكرة

( تجدر الإشارة إلى أن المستفسرة الموقرة أرفقت بسؤالها صورة من صفحة من الكتاب المشار إليه و لكنها لا تنفتح لدي

و الجواب :

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

القرآن يدل على المسح حيث أنه عَطَفَ الرجلين على الرءوس و لا يمكن أن يكون لفظ ( أرجلكم )في الآية معطوفاً على : “اغسلوا ” بمعنى أن تتخلل جملة كاملة ( و هي : و امسحوا برءوسكم ) بين الفعل ( اغسلوا ) و معموله (أرجلكم) كأن يقول شخص ضربت زيدا و قتلت عَمْراً و خالداً ، و يقصد عطف خالد على زيد لا عمرو أي أنه ضرب خالداً لا أنه قتله ، فهذا التعبير ليس مخالفاً للبلاغة العادية فضلاً عن البلاغة القرآنية القمة فحسب بل هو لحنٌ و خطأ لا يُصار إليه حتى في كلام عامة الناس فكيف بكلام رب العالمين و ذلك في القرآن الكريم المبنيّ على أن يكون في قمة البلاغة و الفصاحة ..

و أما كون لفظ ” أرجلكم ” منصوباً فلا يدل على كونه معطوفاً على ” وجوهكم و أيديكم ” ليكون المقصود الغسل لا المسح ، بل وجود القرينة القطعية على عدم إرادة الغسل من خلال عدم صحة اعتراض جملة أجنبية بين الفعل و معموله أو لا أقل من كونه خلاف الفصاحة و البلاغة ، يدل على أن ” أرجلكم ” معطوف على قوله جل و علا : ” برءوسكم ” الذي هو جار و مجرور متعلق بقوله تعالى : ” و امسحوا ” فيكون لفظ ” أرجلكم ” إما منصوباً بالعطف على محل ” رءوسكم ” الذي هو منصوب و إما أنه معطوف على مجموع ” برءوسكم ” فتكون الباء في قوله : “برءوسكم ” دالة على التبعيض – بتقرير مذكور في الفقه و إن لم توضع الباء للتبعيض – و أما نصب ” رءوسكم ” فيدل على لزوم الإستيعاب في مسح الرجل و لا أقل من الإستيعاب الطولي لاستفادة عدم وجوب الاستيعاب العرضي من سائر الأدلة و هو بحث فقهي يُطلب من الأبحاث الفقهية الإستدلالية ..

هذا و في الآية قراءة أخرى و هي بجرّ : ” أرجلكم ” فتكون أرجلكم معطوفة على قوله تعالى : ” رءوسكم ” قطعاً فيكون المعنى ” امسحوا برءوسكم و امسحوا بأرجلكم ” ..

أضف إلى ذلك أن الروايات المروية عن أهل البيت عليهم السلام دالة على مسح الرجلين دون غسلهما ، و أما روايات أهل السنة فهي تنقل وضوء النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الصحابة و يدل بعضها على المسح كما تدل طائفة أخرى منها على الغسل ، و إذا أردنا أن نُرجِّح هذه الروايات المتعارضة لزم ترجيح روايات المسح لأنها موافقة للقرآن – حسب البيان المذكور أعلاه بناءً على قراءة أرجلكم بالنصب و على كل التقادير بناءً على قراءة الجر – و موافقة الكتاب أول و أهم المرجحات في باب التعارض بين الروايات كما دلت عليه أحاديث العرض على الكتاب و هي أحاديث كثيرة و منقولة من طرق الشيعة و السنة ، و مما روي من طرق أهل السنة ما في المعجم الكبير للطبراني ج ١٢ ص ٢٤٤ : ” .. و إنه سيفشو عني أحاديث فما أتاكم من حديثي فاقرأوا كتاب الله و اعتبروه فما وافق كتاب الله فأنا قلته و ما لم يوافق كتاب الله فلم أقله ” .. و بما أن غسل الأرجل مخالف للقرآن كما بيّنا فاللازم هو ترجيح الروايات التي تدل على المسح لا الغسل ..

موفقين لكل خير و لا تنسوني من صالح دعواتكم الكريمة

أيوب الجعفري

يوم الخميس ٨ من شهر رمضان المبارك ١٤٣٩ ه ق
الموافق ٢٤ / ٥ / ٢٠١٨ م

https://telegram.me/ayoobaljafary