*وجوب القصر في السفر*

*سؤال من أحد المؤمنين :*

وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (١٠١) وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (١٠٢)

هذه الآية ١٠١ في سورة النساء واضحة جدا، لا توجد صلاة القصر إلا في حالة الحرب فقط .

أما بالنسبة الايام الامن و امان، فلا توجد صلاة القصر/ السفر.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هل هذا صحيح هل توجد آية في القران غير هذه
________________________________________

*الجواب*

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يمكن فتح الصورتين عندي و الظاهر أنهما صورة من آية القصر ( و قد أضفتها في السؤال ليكتمل موضوع السؤال ) ، فأقول في الجواب على سؤالكم : إن آية القصر تدل على حكم القصر في الحرب و لا تدل على حصر وجوب القصر في الصلاة في الحرب بل تذكر أصل الحكم من دون حصره فيها فليس في الآية أداة من أدوات الحصر ليستفاد منها عدم وجود القصر إلا في الحرب .. و من المعلوم المعروف أن إثبات شيء لا ينفي ما عداه فإذا دل دليل من القرآن الكريم مثلا على وجوب الصوم في شهر رمضان لا يدل ذلك على عدم وجوبه في مورد أو وقت آخر فيلزم مراجعة سائر الأدلة لمعرفة حكم الصوم في غير شهر رمضان، أو إذا دل القرآن على وجوب الخمس في غنائم الحرب ( و طبعا لا يدل على وجوبه فيها فقط بل يدل على وجوبه في كل ما يصدق عليه أنه غنيمة و الغنيمة لغةً و كذا في مفهومها القرآني تعني الفائدة كما بيّنّا ذلك في الرد على بعض الشبهات المثارة حول الخمس، و لكن من باب المثال : إذا دل القرآن الكريم على وجوب الخمس في غنائم الحرب ) لم يكن ذلك دليلا على حصر وجوبه في هذه الغنائم بل يلزم مراجعة سائر الأدلة لمعرفة ما إذا كان واجبا في غيرها أم لا و هكذا ..

و نقول في مورد السؤال : بما أن مصادر التشريع أو لنقُل أدلة الأحكام الشرعية متعددة و القرآنُ أحدُها و أهمُّها و لكنه ليس الدليلَ الوحيد بل السنة أيضا من الأدلة الشرعية للأحكام الشرعية و هي من الأدلة المهمة جدا لورود التفاصيل الكثيرة بنحو بيان الفروع أو الأصول و القواعد العامة التي يمكن استنباط الأحكام منها أو تطبيقها على مصاديقها – كما هو مُبَيَّنٌ في محله في علمي أصول الفقه و القواعد الفقهية ( كما أن الإجماع و العقل أيضا من الأدلة على الأحكام إجمالا ) و قد ورد حكم القصر في السفر مع الشروط الثمانية لوجوبه في السُّنّة المباركة، و الروايات الدالة على ذلك في مختلف الجوانب المتعلقة به و بأحكامه و شروطه و .. كثيرة بحيث لا يبقى معها أيُّ شك أو إشكال في وجود حكم القصر في الشريعة المقدسة، نعم من الممكن أن يختلف الفقهاء في تفاصيل مسائل القصر إلا أنهم – و لأجل الروايات المعتبرة الكثيرة – متفقون على أصل الحكم، نعم لو كانت الروايات مخالفة و منافية للقرآن الكريم لكُنّا نردّها أو نردّ علمها إلى قائلها و لا نفتي وفقاً لها، و التنافي فيما نحن فيه إنما يكون فيما إذا كانت الآيات تدل على حصر وجوب القصر في الحرب و كان الحصر حقيقيا و ليس إضافيا و لكن – و كما أشرنا – لا يوجد في الآيات ما يدل على أصل الحصر فضلا عن الحصر الحقيقي و القرآن قد أوكل بيان تفاصيل الدين و من جملتها أحكام الشريعة المتعلقة بالجانب الفقهي منه، قد أوكله إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال عز من قائل “وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ” – و هناك آيات أخرى أيضا بهذا المضمون – و لولا بيان النبي صلى الله عليه و آله و سلم و مَن هم بمنزلة نفسه المقدسة صلى الله عليه و آله و سلم و هم فاطمة الزهراء و الأئمة المعصومون صلوات الله عليهم أجمعين، لما كان لدينا من تفاصيل الدين و الأحكام الشرعية إلا النزر اليسير جدا و من باب المثال نحن مكلفون بالصلاة مثلا و هي أكثر ما يُبتلى به المكلفون في ليلهم و نهارهم و مع ذلك نجد أن أكثر تفاصيلها مستفادة من الروايات حيث أن القرآن إنما ذكر أصل وجوب الصلاة و بعض الأمور المقدمية كلزوم الطهارة للصلاة مع الإشارة إلى وقت الصلوات و .. و أما التفاصيل من قبيل ما يجب فعله و قراءته في الصلاة و المستحبات و المكروهات و المبطلات و أحكام الشك و السهو و الظن و الخلل فيها و عدد الركعات و الركوعات و السجدات و التشهد و التسليم، و صلاة العيدين و الآيات و كيفيتهما و تفاصيل أحكامهما و تفاصيل صلاة الجمعة و صلاة الطواف و … فلا يوجد شيء من هذه التفاصيل و غيرها في ظاهر القرآن الكريم كما بيّنا ذلك بشيء من التفصيل في مقال “ضرورة المرجعية”، نعم القرآن يشتمل على كل شيء ( و في الرواية ما مضمونه : ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا و في كتاب الله أصله و لكن لا تبلغه عقول الرجال ) فالقرآن يشتمل على كل ما يحتاجه المكلفون إلى يوم القيامة و لكن ليس في ظاهره فإن للقرآن ظهرا و بطنا و لبطنه بطن إلى سبعين بطنا و المعرفة بهذه البطون من الأمور الخاصة بالمعصومين عليهم السلام و أما ظاهر القرآن فهو مشتمل على كليات الأحكام من دون الدخول في التفاصيل إلا نادرا و قد أُوْكِلَ بيان التفاصيل إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم و مِن بعدِه إلى أهل البيت عليهم السلام و قد بيّنوا لنا وجوب القصر في السفر مع تحقق الشروط و عدم انقطاع السفر بأحد قواطعه و ..

هذا إجمال الجواب عن هذا السؤال أو الاستفسار و أما تفصيله بذكر أدلة القصر من الروايات فهو موكول إلى محله و لا مجال للتطرق له في هذه المختبرات ..

موفقين مسددين
دعواتكم الكريمة ..

أيوب الجعفري

ليلة الأحد ٢٩ جمادى الثانية ١٤٤٤ ق
الموافق ٢٢ / ١ / ٢٠٢٣ م
مدينة تشيناي ( چناي ) الهندية