*هل التشيع مذهب و متى تأسس؟*

*استفسار من أحد المؤمنين :*

السلام عليكم والرحمة
شيخنا عندي سؤال اذا ممكن تجاوبني عليه واعذرني على الاطالة

لما بنبحث عن المذهب الشيعي وعن مصدره ، كل المعلومات عامة .. مثل انهم جماعة من الناس اجتمعوا لنصرة الامام علي عليه السلام والوقوف معه ثم الولاء لأبناءه واحفاده عليهم السلام والخ أو ان الاسباب التي جعلت من هذه الجماعة مذهباً اسباب سياسية “مثل ان الخلافة ذهبت لأبي بكر بالرغم انها للإمام علي عليه السلام”

اذا كيف لمثل هذه الجماعة ان تصبح مذهب؟ ومن هو هذا الشخص الذي استطاع ان يؤسس هذا المذهب؟ وما منصبه؟
————————————————————–

*الجواب :*

و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

التشيع ليس مذهبا بل هو الدين الأصيل لأننا نعتقد أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قد نصب عليا عليه السلام إماما على المسلمين كافة منذ إعلان الدعوة في قضية إنذار العشيرة الأقربين وصولا إلى غدير خم و انتهاء بليلة رحيل النبي صلى الله عليه و آله و سلم حينما طلب من القوم أن يُحضروا قلما و دواة ليكتب لهم ما إن تمسكوا به لم يضلوا بعده أبدا، فعلم من لم يكن يريد وصول أهل البيت إلى سدة الحكم و الخلافة أن النبي يقصد كتابة ما كان يذكره دائما بهذا التعبير – لأن هذا التعبير وارد في كثير من كلمات النبي صلى الله عليه و آله و سلم بشأن الكتاب و العترة الطاهرة – فمنعه من الكتابة و اتّهم النبي صلى الله عليه و آله و سلم بالهجر و الهذيان و عوذا بالله تعالى ، فمن يؤمن – تصديقا قلبيا و التزاما عمليا – بأن الله تعالى قد نص على علي و نصبه للخلافة فهو شيعي و هذا كان على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و لم يكن حادثا بعد النبي و لا هو نتاج حادث سياسي بل هو من صلب الدين و لهذا نجد روايات كثيرة عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم يتحدث فيها عن علي و شيعته كما نجد أنه صلوات الله عليه و آله يطبق كثيرا من الآيات على علي و شيعته مثل قوله تعالى في سورة البينة : “إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك هم خير البرية” حيث ورد عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال لعلي عليه السلام عليكم : “هم أنت و شيعتك ..” و هذا الحديث وارد في مصادر أهل السنة أيضا كتفسير الطبري ، و قد روى الخوارزمي في مناقبه : عن جابر قال : كنا عند النبي صلى الله عليه و آله فأقبل علي بن أبي طالب فقال رسول الله : قد أتاكم أخي ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال : و الذي نفسي بيده إن هذا و شيعته هم الفائزون يوم القيامة …. ( إلى أن قال جابر : ) و في ذلك الوقت نزلت فيه “إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك هم خير البرية” و كان أصحاب النبي صلى الله عليه و آله إذا أقبل علي قالوا : قد جاء خير البرية ..

و من المعلوم أنه إذا كان علي عليه السلام منصوبا للخلافة من قِبَل من “لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى” فهو منصوب لهذا المنصب من قِبَل الله تعالى لأن كل ما يقوله و يفعله النبي صلى الله عليه و آله و سلم فيما يتعلق بجانب من جوانب الدين و استمرار الشريعة الإلهية وحيٌ يوحى إليه من قبل الله تعالى و إذا كان علي عليه السلام – و الكلام صادق على سائر الأئمة من أهل البيت عليهم السلام – منصوبا من قبل الله تعالى فهو الهادي الحقيقي بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و الذي قد نزل فيه و في كونه الهادي بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قولُه تعالى : “إنما أنت منذر و لكل قوم هاد” و قد ثبت بالأدلة القرآنية و الروائية بل و العقلية عصمته عليه السلام و إذا كان كذلك كان جميع أقواله و أفعاله المتعلقة بالدين عين الصدق و الصواب المنطبق على ما في اللوح المحفوظ و تفسيرا لما ورد في ظاهر القرآن و باطنه ( و قد بيّنّا في بعض المحاضرات كونه وكذا سائر المعصومين من أهل البيت عليهم السلام القرآن الناطق ببيان منطقي مبرهن مستند إلى القرآن و السنة المباركة و يمكنكم مراجعة محاضراتنا حول “سورة القدر و الولاية الإلهية العظمى”) و إذا كان كذلك كان قوله و فعله عين الدين النازل من رب العالمين فمن يتبع عليا و يكون شيعته حقيقةً فهو التابع للدين الأصيل الذي جاء به الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم و ليس تابعا لما يذهب إليه أحد العلماء حتى يقال بأن الشيعة مذهب من المذاهب بل التشيع عين الدين الذي جاء به النبي الخاتم صلى الله عليه و آله و سلم ..

و بذلك يتبين الجواب عما ورد في السؤال من قول السائل “مثل انهم – و هو يفسر التشيع مع أن هذا الكلام بظاهره تفسير للشيعة لا للتشيع – جماعة من الناس اجتمعوا لنصرة الامام علي عليه السلام والوقوف معه ثم الولاء لأبناءه واحفاده عليهم السلام والخ” فإن الشيعة ليسوا مجرد جماعة من الناس اجتمعوا لنصرة الامام و .. كما أن التشيع ليس بمعنى اجتماع جماعة من الناس لنصرة علي و .. بل التشيع يعني الاعتقاد – و الشيعة هم المعتقدون – بولايته و ولاية أولاده عليهم السلام و إمامتهم المبتنية على العصمة في العلم و العمل و المعرفة و الأخلاق عن الخطأ و النسيان و السهو و العصيان، مع الإلتزام العملي بلوازم هذا الاعتقاد لأن ذلك هو الدين القيّم الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فإن أمير المؤمنين و الأئمة من ولده عليهم السلام بجميع كونهم وكيانهم تجسيد حقيقي للدين الإسلامي و هم القرآن الناطق فالتشيع هو اتّباع دين النبي الخاتم صلى الله عليه و آله و سلم و غير التشيع مذاهب قد ذهب رئيس كلٍّ منها إلى ما فهمه هو من الدين من دون أن يكون مستندا إلى عصمة علمية و عملية ( و للكلام في هذه النقطة بالذات مجال واسع ) و قد تكون الأسباب هنا سياسية ..

كما يتبين الجواب عما ورد في الفقرة التالية من السؤال أيضا حيث أن ما ورد في السؤال من قوله (ان الاسباب التي جعلت من هذه الجماعة مذهباً اسباب سياسية “مثل ان الخلافة ذهبت لأبي بكر بالرغم انها للإمام علي عليه السلام”) دليل على قبول كون الخلافة للإمام علي عليه السلام، و الإمامة كما هو مبرهن عليه في محله و أشرنا إلى بعض جوانبه في صدر الجواب منصبٌ إلهي و الإمام منصوب من قبل الله تعالى فهو المُبَيِّنُ الحقيقي لنفس الدين النازل من رب العالمين فالتشيع يعني اتباع الإمام المعصوم المُبَيِّن الحقيقي للدين بلا اختلاف و لا تخلف عما جاء به النبي الخاتم صلى الله عليه و آله و سلم و هو المطابق للقرآن و ما في اللوح المحفوظ و .. فالتشيع ليس مذهبا يذهب إليه بعض أفراد هذه الأمة بل التشيع هو الدين النازل من رب العالمين و الشيعة – و نقصد من هو شيعي حقيقةً و ليس كل من يدعي أنه شيعي – هم أتباع هذا الدين حقيقة ..

موفقين لكل خير

أيوب الجعفري

ليلة الأربعاء ١١ ( ١٢ ) محرم الحرام ١٤٤٤ق
الموافق ١٠ / ٨ / ٢٠٢٢ م

المراجعة و التكميل و التدقيق للنشر :
ليلة السبت ١٢ ( ١٣ ) رجب المعظم ١٤٤٤ ق
الموافق ٤ / ٢ / ٢٠٢٣ م