علي عليه السلام قسيم النار و الجنة
بسم الله الرحمن الرحيم
أرسل لي أحد المؤمنين ملفاً مرئياً يدعي المتحدث فيه عدم صحة كون أحد قسيماً للنار و الجنة و يستند في ذلك إلى حديث عامي عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم مضمونه أن الأصل في أتباع الأمة الإسلامية هو كونهم من أهل الجنة إلا أن يكون فيهم من لا يريد أن يكون من أهل الجنة ..
و الجواب :
إن هذا النمط من الكلام من الغرائب و عجائب الإستدلال الذي لا ينبغي صدوره من طالب العلم فكيف بمن يدعي أو يُدّعى له الفضل و العلم في عليا درجاتها و لأجل أن لا يلتبس الأمر على يستمعون لدروس و محاضرات المتحدث أشير إلى بعض الأجوبة فأقول مستعينا بربنا الكريم المعين للمستعينين به :
لو افترضنا دلالة الحديث على المدَّعى – و هو غير دالٍّ عليه كما سنشير إليه في بعض الأجوبة ، بل هو على خلاف المُدَّعى أدلّ فإن نفس الحديث المنقول يدل على صحة مدعانا ” أي كون علي عليه السلام قسيم النار و الجنة ” لأنه يستثني من لا يريد أن يكون من أهل الجنة ، و من المعلوم أن من لا يؤمن بما جاء به النبي صلى الله عليه و آله و سلم بشأن ولاية علي عليه السلام لا يريد أن يكون من أهل الجنة لأنه بذلك ينكر رسالة النبي صلى الله عليه و آله و سلم و إن كان إنكاره متعلقاً بأحد جوانب الرسالة النبوية ، و لكن لو افترضنا دلالة هذا على عدم وجود من يكون قسيما للنار و الجنة – لكان معارضاً لكثير من الأدلة الشرعية – من القرآن الكريم و السنة المباركة – الدالة على كون بعض أهل هذه الأمة من أهل النار و من جملتها الأحاديث التي تدل على أن هذه الأمة ستفترق إلى أكثر من سبعين فرقة و أن واحدةً منها ناجيةٌ ..
وثانياً : لو افترضنا دلالة الحديث على أن جميع هذه الأمة من أهل الجنة – مع غض النظر عن كون الحديث عامياً لا يمكن الإستناد إليه لإثبات أو نفي أمر مرتبط بالعقيدة التي تحتاج إلى العلم و البرهان – فما علاقة ذلك بكون أحد قسيما للنار و الجنة ؟ و أية ملازمة بين كون الأمة من أهل الجنة و بين نفي وجود من هو قسيم النار و الجنة ؟ أفلا يمكن أن يكون قسيما للنار و الجنة فيُدخِل الكفار و المنافقين في النار و المؤمنين في الجنة ؟ و هل يمكن إنكار وجود كفار أو منافقين يستحقون النار مع كثرة الآيات و الروايات الدالة على ذلك ؟ أَوَلَم تنزل سورة كاملة عن المنافقين و باسم سورة ” المنافقون ” مضافاً إلى آيات أخرى تتحدث عنهم في سور كثيرة كسورة البقرة و البراءة و غيرهما ؟ أَوَلم يقرع سمعَكم قولُه تعالى : “ومن أهل المدينة مردوا على النفاق” أم لم تسمعوا الأحاديث التي تتحدث عن حب علي عليه السلام وأنه إيمانٌ وأن بغضه نفاق أو التي تقول أن الناس كانوا يعرفون المنافقين ببغضهم لعلي عليه السلام و … فلا ملازمة بين كون الأصل في هذه الأمة أن تكون من أهل الجنة وبين نفي كون أحد من هذه الأمة – والمقصود علي عليه السلام – قسيم النار والجنة ..
وثالثاً : كون أمير المؤمنين عليه السلام قسيم الجنة والنار مما لا ريب فيه عقلاً و نقلاً ، فإنه إذا أثبتنا أن علياً عليه السلام إمام مفترض الطاعة فسيكون الإعتقاد بولايته و إمامته مع الإلتزام العملي بمقتضى ذلك الإيمان والإعتقاد، موجباً لاستحقاق الجنة – وإن كان استحقاق الجنة أيضاً بفضل الله تعالى مضافاً إلى الوعد الإلهي بها وهو جل وعلا لا يُخلف الميعاد، لا لاستحقاقٍ ذاتي و قد أشرنا إلى ذلك في بعض الأجوبة – كما أن إنكار ولايته وإمامته مع العلم بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قام بتنصيبه من قِبَل الله تعالى، موجبٌ لاستحقاق العذاب الإلهي، و هذا من جملة مصاديق كون علي عليه السلام قسيم النار والجنة، مضافاً إلى أنه إذا أثبتنا عصمته عليه السلام – وقد أثبتها أجلاء علمائنا بكثير من الأدلة القرآنية والروائية ولا مجال هنا للخوض فيها – فلا محالة تكون طاعتُه طاعةَ الله تعالى ومخالفةُ أوامره ونواهيه عصيانَ الله جل وعلا ومعنى ذلك أنه عليه السلام قسيم الجنة والنار لأن الميزان في استحقاق الجنة أو لنار هو طاعته ومعصيته، و سيتبين من خلال بعض الأحاديث التي رواها العامة أنفسهم عدم انحصار كونه عليه السلام قسيم النار والجنة في هذه المصاديق بل هو صلوات الله عليه سيتولى أمر التقسيم في يوم الحساب …
فتبين بذلك أن العقل يحكم بأن عدم الإيمان بولاية من ثبتت ولايته الإلهية و عصمة من ثبتت عصمته الربانية موجبٌ لاستحقاق النار كما ان الإيمان بهما إلى جانب الطاعة موجب لاستحقاق الجنة …
و أما نقلاً فالروايات الدالة على ذلك كثيرة ولا يختص نقلها بالإمامية بل قد نقلها العامة في روايات كثيرة وقد قال ابن أبي الحديد بعدما نقل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في علي أنه ” خازن علمي ” : فقد جاء في حقه الخبر الشائع المستفيض : إنه “قسيم النار والجنة” ثم ينقل ( أعني ابن أبي الحديد المعتزلي ) كلام العلماء في تفسير كونه قسيم النار و الجنة ..
فمنهم من قال أن محبه عليه السلام من أهل الجنة و مبغضه من أهل النار، فكأنه بهذا الإعتبار قسيم النار والجنة، ومنهم من قال : بل هو قسيمها بنفسه في الحقيقة، يُدخل قوماً في الجنة وآخرين في النار ، و قد نقل – ابن ابي الحديد – هذا القول عن أبي عبيدة ثم قال : و هذا الذي ذكره أبو عبيدة أخيراً هو ما يطابق الأخبار الواردة فيه، يقول للنار : هذا لي فدعيه وهذا لك فخذيه ..
هذا وقد نقل هذا الحديث سليمان بن ابراهيم القندوزي الحنفي في مواضع متعددة من كتابه “ينابيع المودة” ففي المجلد الأول ص ٢٤٩ : الباب السادس عشر : في بيان كون علي عليه السلام قسيم النار والجنة :
[١] أخرج موفق بن أحمد الخوارزمي المكي : بسنده عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي : إذا كان يوم القيامة يؤتى بك يا علي بسرير من نور وعلى رأسك تاج قد أضاء نوره وكاد يخطف أبصار أهل الموقف، فيأتي النداء من عند الله جل جلاله – أين وصي محمد رسول الله؟ فتقول : ها أنا ذا، فينادي المنادي أَدْخِل من أحبك الجنة وأدخل من عاداك في النار ، فأنت قسيم الجنة والنار .
[٢] أخرج ابن المغازلي الشافعي : بسنده عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا علي إنك قسيم الجنة والنار، أنت تقرع باب الجنة وتدخلها أحباءك بغير حساب .
[٣] و فى جواهر العقدين : [و] قد أخرج الدارقطني عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني : إن علياً قال حديثاً طويلاً في الشورى ، و فيه أنه قال لأهل الشورى : فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أنت قسيم النار والجنة غيري ؟ قالوا : اللهم لا .
[٤] أخرج الحمويني في كتابه فرائد السمطين : عن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول : إذا سألتم الله (عز وجل) فاسألوه لي الوسيلة . فسئل عنها فقال : هي درجة في الجنة وهي ألف مرقاة ، ما بين المرقاة إلى المرقاة يسير الفرس الجواد شهرا، مرقاة زبرجد، إلى مرقاة لؤلؤ، إلى مرقاة ياقوت، إلى مرقاة زمرد، إلى مرقاة مرجان، إلى مرقاة كافور، إلى مرقاة عنبر، إلى مرقاة يلنجوج، إلى مرقاة نور، وهكذا من أنواع الجواهر، فهي في بين درجات النبيين كالقمر بين الكواكب، فينادى المنادي هذه درجة محمد خاتم الأنبياء، وأنا يومئذ متّزرٌ بريطة من نور على رأسي تاج الرسالة وإكليل الكرامة، وعلي بن أبي طالب أمامي وبيده لوائي ، وهو لواء الحمد، مكتوب عليه “لا إله إلا الله” محمد رسول الله ، علي ولي الله ، وأولياء علي المفلحون الفائزون بالله ” حتى أصعد أعلى درجة منها وعلي أسفل مني بدرجة وبيده لوائي، فلا يبقى يومئذ رسول ونبي ولا صديق ولا شهيد ولا مؤمن إلا رفعوا أعينهم ينظرون إلينا ويقولون : طوبى لهذين العبدين ما أكرمهما على الله، فينادي المنادي – يسمع نداءه جميع الخلاق -: هذا حبيب الله محمد، وهذا ولي الله علي ، فيأتي “رضوان” خازن الجنة فيقول : أمرني ربى أن آتيك بمفاتيح الجنة فأدفعها إليك يا رسول الله، فأقبلها أنا فأدفعها إلى أخي علي، ثم يأتي “مالك” خازن النار فيقول : أمرني ربي أن آتيك بمقاليد النار فأدفعها إليك يا رسول الله، فأقبلها أنا فأدفعها إلى أخي علي، فيقف علي على عجزة جهنم ويأخذ زمامها بيده وقد علا زفيرها واشتد حرها، فتنادي جهنم : يا علي ذرني فقد أطفأ نورك لهبي فيقول لها علي : ذري هذا وليي وخذي هذا عدوي ، فلَجهنمُ يومئذ أشدُّ مطاوعةً لعلي فيما يأمرها به من رق أحدكم لصاحبه ، و لذلك كان علي قسيم النار و الجنة .
و غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي ينقلها القندوزي في هذا الباب و غيره من كتابه و بذلك يثبت كونه عليه السلام قسيم النار و الجنة كما يتبين ببعض الأحاديث – بل بالاعتبار العقلي أيضاً و من أمثال آية المباهلة التي جعلت علياً نفس النبي صلى عليه و آله و سلم و .. – أن كونه عليه السلام قسيم الجنة و النار يرجع إلى كون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قسيمهما فلا يبقى أدنى شك وريب في أن الإيمان بالإمامة و الولاية الربانية لعلي وأولاده عليهم السلام مع الإلتزام العملي بها هو الملاك و الميزان في كون الإنسان من أهل الجنة لأنهم عليهم السلام هم الصراط المستقيم المؤدي سلوكه إلى الجنة كما ورد في تفسير الصراط المستقيم ، كما أن الإمامة الإلهية توجب الولاية الإلهية فلا ينحصر معنى كونه عليه السلام قسيم النار والجنة في أن حبه و طاعتَهُ موجبٌ لاستحقاق الجنة و عصيانَهُ و إنكارَ ولايته موجبٌ لاستحقاق العذاب والنار بل ستكون له الولاية في يوم القيامة – كما أنها ثابتة له في الدنياً – فيتصرف هناك بإذن الله تعالى فيدخل من يشاء الجنة كما يدخل من يشاء النار و لا يشاء أن يدخل الجنة إلا المؤمنين كما لا يشاء أن يدخل النار إلا المبغضين .. أعاذنا الله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا .
موفقين لكل خير محروسين من كل سوء و شر و لا تنسوني من صالح أدعيتكم الخالصة .
أيوب الجعفري
ليلة السبت ١٢ جمادى الأولى ١٤٤٠ ه ق
الموافق ١٩ / ١ / ٢٠١٩ م
https://telegram.me/ayoobaljafary