العدل و اختلاف الأعمار
سؤال شيخنا العزيز – السلام عليكم ..
لماذا فلان يعيش 40 سنة و آخر 20 سنة لماذا هناك فرق و اختلاف في الأعمار في الحياة بهذه الدنيا .. ؟ كيف يمكن ان نفسر العدالة الإلهية في ذلك ؟
____________
الجواب :
و عليكم السلام ورحمة الله و بركاته
الجواب :
و عليكم السلام ورحمة الله و بركاته
قد أشرنا في بعض الاجوبة إلى العدل و بيّنا عدم منافاته للتفاوت و الإختلاف الموجود بين المخلوقات أو بين أفراد نوع واحد منها كالإنسان و قلنا أن العدل بل والفضل قد يقتضي التفاوت ، و يكون التساوي هو المخالف للعدل و الفضل الإلهي فيمكنكم مراجعة تلك الأجوبة و لكن – و لكي لا يبقى السؤال بلا جواب – أشير هنا إلى جواب مختصر يشتمل على بعض النكات التي لم نُشِر إليها في تلك الأجوبة فأقول مستعيناً بربنا الكريم :
من جملة معاني العدل وضع كل شيء في محله و ليس إعطاء كل إنسان جميع ما أُعطي أي فرد آخر من أفراد الإنسان ، فليس العدل أن تكون أعمار الناس أو أرزاقهم متساوية بل العدل أن يعطى كل إنسان ما يحتاج إليه في تحقيق هدف خلقه و ما يُمَكِّنه من العمل لأجل الوصول إلى ذلك الهدف و كذا العمل بالتكاليف الملقاة على عاتقه من قِبَلِ الله تعالى ..
هذا؛ مضافاً إلى أنه لا يوجد من يستحق شيئاً على الله تعالى حتى يقال أنه إذا أعطاه ذلك الشيء فهو من العدل و إلا كان منافياً له ، فإن جميع عطايا الله تعالى للإنسان و سائر المخلوقات فضلٌ و تَفَضُّلٌ منه جل و علا عليهم ، و إذا منع فهو من العدل بل قد يكون المنع أيضاً فضلاً منه تعالى على من منعه و حرمه من نعمة خاصة لأن منع النعمة قد يؤدي إلى نيل كمالات معنوية لا تحصل و لا تتحقق بالرفاه و وفرة النعم و .. فهو جل و علا يتفضل على العباد على حسب ما تقتضيه الحكمة و المصلحة فقد تقتضي المصلحة و الحكمة أن يكون عمر إنسان عشرين سنة و عمر إنسان آخر مأة سنة ، كما قد تقتضي المصلحة و الحكمة أن يكون زيد غنياً و عمروٌ فقيراً ، و أن يكون خالد صحيحا سليما و جعفر مريضاً و …
و خلاصة الكلام أن العدل الإلهي إلى جانب لطفه و فضله تعالى بالعباد يقتضي إيصال كل موجود إلى الغاية التي قد خُلِقَ من أجلها ، و الغايات الطبيعية الخارجة عن إرادة الإنسان أو أي موجود آخر ستتحقق بما يودعه الله تعالى في وجوده و بتهيئة ظروف تحققها بشكل فطري – كما في الإنسان – أو غريزي – كما في الحيوانات بشكل عام – أو بأي نحو آخر .. و أما الغايات الإكتسابية التي تتعلق بالموجودات المُكَلَّفَةِ فالعدل و الفضل و اللطف فيها تقتضي أن يجعل فيها جميع ما يُمَكِّنُها من الوصول إليها فيلزم أن تكون للإنسان مثلاً غاياتٌ يمكنه الوصول إليها مضافاً إلى بيان تلك الغايات و طريق الوصول إليها و جَعْلِ وسائل و أدوات السير و الحركة نحوها …
و لأجل أن يتبين المقصود أكثر نقول : إن غاية و حكمة خلق الإنسان – العائدة إليه لا إلى خالقه الغني عنه و عن جميع من سواه – هو الكمال و كمال الإنسان و سائر المكلفين يتحقق بالقرب العبودي و المعرفي إلى الله تعالى فيلزم أن يُجْعَلَ فيه قابلية ذلك القرب الموجب للكمال في جانبي العقل العملي و النظري فيلزم ان يُجعل فيه قوىً إدراكية و تحريكية تُمَكِّنه من السير نحو ذلك القرب ، و لكن لا يكفي ذلك في تحقيق هذا الهدف لأنه أمر غيبي لا يطلع عليه أحد ما لم يبينه له عالِمُ الغيب و الشهادة فيحتاج إلى بيان العناصر المؤدية إلى نيل ذلك الكمال و القرب ، و بما أنه لا توجد قابلية تَلَقّي الوحي و الإلهام الرباني و نيل العلوم و المعارف الإفاضية بنحو مباشر – نعم ، بما أنه لا توجد هذه القابلية – في جميع البرية اقتضى العدل و اللطف الإلهي أن يجعل بينه و بينهم سفراء معصومين – سواء أكانوا أنبياء أم أئمة و أولياء – ليوحي إليهم أو يلهمهم ما يوصل العباد إلى ربهم و يقربهم منه تعالى ..
فالتَّفَضُّلُ بالعقل و سائر القوى الإدراكية و التحريكية و إرسالُ الرسل وبعثُ الأنبياء و تنصيبُ الأئمة الهداة و تبيينُ العقائد و تقنينُ الشرائع و بيانُ الفضائل التي يتحتّم أو يُفَضَّلُ التخلق بها لنيل الكمال المتمثل في القرب العبودي و المعرفي إلى الله العلي العظيم ، هو العدل إلى جانب الفضل و اللطف، لا تساوي أعمار الناس أو أرزاقهم أو قوة أجسامهم أو .. فتأمل جيدا ففيما ذُكر جواب للسؤال و إشارة إجمالية إلى قاعدة اللطف الدالة على ضرورة إرسال الرسل و تنصيب الحجج الإلهية و ..
موفقين لكل خير و لا تنسوني من صالح أدعيتكم الخالصة ..
أيوب الجعفري
ليلة الإثنين ١٦ ربيع٢ ١٤٤٠ ه ق
الموافق ٢٤ / ١٢ / ٢٠١٨ م
https://telegram.me/ayoobaljafary