عمر الإنسان حين البعث و علاقة الروح بالجسم

عندي سوال ابي احد يجاوب عليه اخواني الله يرضي عنكم .. في اي عمر راح نبعث ؟ وش الربط بين الجسد و الروح إذا الجسد تلاشى ؟
________________________________________

الجواب :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

ليس هناك عمر مُحَدَّدٌ للبعث فبعد عالم الدنيا تتوقف الحياة الدنيوية و تنقطع علاقة الروح بالبدن فلا يعيش الإنسان حياةً دنيوية كي نقيس عمره فإن الزمان هو مقدار حركة المادة و في عالم البرزخ يتعلق روح الإنسان بجسم برزخي مثالي و الجسم البرزخي مجردٌ عن المادة دون مقدارها كالجسم الذي نشاهده في عالم الرؤيا، فلا يوجد في تلك النشأة حركة للأفلاك كما في هذه الدنيا كي نقيس العمر هناك، نعم بمعايير عالم الطبيعة التي يعيش فيها الأحياء في عالم الدنيا فعمر البرزخيين من وقت ولادتهم إلى قيام الساعة و بما أنه لا يعلم أحد متى ستقوم القيامة إلا الله تعالى كما قال عز وجل ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات و الأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله و لكن أكثر الناس لا يعلمون – الأعراف ١٨٧ ) و إن أمكن استفادة علم المرسلين الذين ارتضاهم الله تعالى بموعد القيامة و ذلك بتعليمٍ من الله تعالى من آيات سورة الجن و سيكون المعصومون بالعصمة الكبرى المنحصرة فيهم و هم أهل البيت عليهم السلام عالِمِين بذلك بتعليمٍ من الله تعالى بطريق أولى، و على أية حال العالم بذلك بذاته هو الله تعالى دون من سواه و إذا علم الأنبياء و الأئمة بذلك فهو بتعليم من الله تعالى و أما غيرهم فلا يعلمون بموعد قيام الساعة فلا نتمكن من تحديد العمر حتى بهذا المعيار، و لو كنا نعلم متى ستقوم الساعة لكنا نعرف عمر البرزخيين بحساب زمان عالم الدنيا و بالتحديد الزمان المتعلق بالكرة الأرضية ( لأن الزمان في هذا الكون أيضا يختلف مقداره و سرعته من كوكب لكوكب آخر و من منظومة لمنظومة أخرى و من مجرة لمجرة غيرها ) فلو كنا نعلم وقت القيامة لكنا نعلم عمر البرزخيين بهذا الحساب إلا أن عالم البرزخ – كما مرت الإشارة إليه – خارج عن نطاق الزمان الذي نعيشه في هذه الدنيا و الإنسان في عالم البرزخ يعيش ببدن برزخي و ليس بدنُه هناك عنصريا طبيعيا ماديا فليس لحياته هناك زمانٌ كالزمان الذي نعيشه في هذا الكوكب كي نحسب مدة العمر بحساب النشأة البرزخية ..

و أما علاقة الروح بالجسم فهي علاقة تدبيرية و الروح هي التي تدبر جسم الإنسان ففي عالم الدنيا تدبر الروحُ هذا الجسمَ المادي الطبيعي العنصري، و حياةُ الجسم رهنُ التعلّقِ التدبيري للروح به فإذا انقطعت هذه العلاقة التدبيرية بينهما سقط الجسم و رجع إلى أصله و هو التراب و انتهت حياته – و المقصود الحياة الخاصة بالكائنات الحية بالنظرة الظاهرية و أما الحياة العامة السارية في جميع أجزاء الكون و المستفادة من أمثال قوله تعالى : “إن من شيء إلا يسبح بحمده و لكن لا تفقهون تسبيحهم” فهي باقية في جميع الموجودات و قد أشرنا الى ذلك في بعض أجوبتنا على أسئلة المؤمنين – و لهذا نقول أن عالم البرزخ ليس تحت التراب و في القبر بل هو عالم يعد باطنا لهذا العالم كما أن عالم الرؤيا باطن عالم الدنيا حيث أن النائم أمامنا يرى في منامه ما لا نراه مع أننا جالسون عنده و قريبا منه و نراه و نشاهده و ننظر إليه، فحتى لو مات الانسان خارج الغلاف الجوي أو في أعماق البحار و ظل جسده معلقا في الفضاء أو تحت الماء فسيدخل بموته عالَمَ البرزخ و سيكون بعد موته في عالم البرزخ و إن كان جسمه معلقا في الفضاء أة في أعماق مياه البحار و .. و عموما عالم البرزخ عالمٌ تتعلق الروح فيه بجسم برزخي فتنقطع علاقتها بالجسم الطبيعي العنصري، و بما أن الحياة للروح و ليست للجسم و إذا كان للجسم حظٌّ من الحياة فبِتَعَلُّقِ الروح به لا من نفسه و لهذا يموت الجسم – بالمعنى الذي أشرنا إليه في زوال الحياة – بانقطاع علاقة الروح به و سيرجع الى أصله و يتبدل إلى تراب و لكن إذا قامت القيامة أرجع الله تعالى هذه العلاقة التدبيرية بين الروح و الجسم الطبيعي العنصري فيتكوّن الجسم بإرادة الله تعالى – كما كان في عالم الدنيا – كما تتعلق الروح به بإرادة من الله تعالى بعلاقة تدبيرية و ستدبِّر الروح هذا الجسم مرة أخرى ( على أساس المعاد الجسماني و إن كان ذلك بتغيّر الجسم حيث أن الجسم يتغير و تتبدل أجزاؤه و خلاياه حتى في حال الحياة الدنيوية ففي كل لحظة تموت خلايا و تحل محلها أخرى، و بما أن حقيقة الإنسان هي الروح و هي الحافظة لوحدة وجود الإنسان و إن تغير الجسم و تبدلت الخلايا فالمعاد الجسماني لا يعني – بالضرورة – عود عين هذا الجسم لأن هذا الجسم أيضا قد تغير مرات عديدة في الدنيا و إن أمكن وجود عناصر أساسية لا تتغير كما تشير إليه بعض الدراسات العلمية حول خلايا المخ و القلب فتعود هذه الأجزاء و العناصر الأساسية مع خلايا جديدة و لكنها تُعَدّ جسم ذلك الانسان و تلك الروح و .. و للكلام في هذا الموضوع جوانب متعددة فقهية و عقائدية و غيرها لسنا بصدد الغور فيها و قد أشرنا الى بعضها في أجوبتنا على اسئلة المؤمنين و في بعض المجالسو المحاضرات، و على أي حال ستدبر الروح جسمها في عالم القيامة : ) و ستسري الحياة في الجسم الطبيعي مرة أخرى بعد الانقطاع الذي حصل بينهما في عالم البرزخ، و لا توجد علاقة تدبيرية بينهما في عالم البرزخ إلا أن للروح أُنساً بهذا الجسم الذي كان يدبّره في نشأة الدنيا من دون أن تدبره في عالم البرزخ لأنها تدبر و تدير جسما برزخيا مشابها لهذا الجسم الطبيعي في شكله و مقداره من دون أن تكون له مادة كالذي نشاهده في عالم الرؤيا حيث أننا نرى ما يشابه جسمنا الدنيوي مع أن الجسم الدنيوي ملقى على الأرض ليس له حركة إرادية و لا إدراك فلا تعمل قواه الإدراكية ( المتعلقة بمختلف الإدراكات بمراتبها المختلفة ) و لا التحريكية ( المتعلقة بالأعمال التي يقوم بها الروح بواسطة الجسم ) و .. و تكون زيارتنا لأهل القبور لأجل هذه العلاقة الأُنسية بينهما أو لأجل هذه العلاقة و لجهات أخرى خفيةٍ علينا ..

موفقين مسددين

أيوب الجعفري

ليلة الأحد ٢٥ من شهر رمضان المبارك ١٤٤٤ ق
الموافق ١٦ / ٤ / ٢٠٢٣ م